د.شوقي صلاح: تشديد العقوبة علي استخدام المساجد لتخزين الأسلحة وارتكاب الجرائم بعض المساجد خلال الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد كان لها دور في التحريض علي العنف بسبب التوظيف السياسي ودعوتها لفصيل سياسي في المجتمع والهجوم العنيف علي الآخرين.. فالدعاء والويل علي كل من يخالفهم.. بل وصفهم بأنهم كفار يجب إحلال دمهم.. مما ولد عنفا كان يجب أن تنأي عنه المساجد حيث إنها بيوت الله.. أنشئت من أجله لا من أجل السياسة ولا الأحزاب.. كل هذا أفقد الناس الثقة أيضا في المساجد والخطباء.. الذين تلاعبوا بعقول البسطاء وغرسوا الفتنة.. فكيف إذن نضبط هذه المسألة ونقضي علي هذه الكوارث التي حدثت في المساجد حتي لا تتكرر مرة أخري.. ناقشنا المختصين لمعرفة آرائهم. مشاهد كادت تكون يومية شاهدها معظمنا في الأيام الماضية.. فقد تذهب لمسجد قريب من بيتك أو حتي تضطر للدخول لمسجد في طريقك لقضاء وقت الصلاة فتفاجأ بالخطيب وقد حول المنبر من الحديث في الدعوة الإسلامية وذكر الله تعالي إلي أفكار سياسية وكأنك في درس تعليمي يجب أن تستوعبه جيدا.. فالخطيب هو المدرس الذي يلزمك بسماع كل ما يقوله والغريب أنك تجدها أفكارا سياسية متطرفة للغاية.. بل ويطرح أقوالا غريبة قد لا يستوعبها عقلك علي الإطلاق ولكن الأخطر من ذلك أن الكثير ممن يجلسون حولك من البسطاء الذين يأخذون الكلام علي علاته دون تفكير.. فالخطيب بالنسبة لهم هو القدوة والمرجعية وبالتالي يقوم متحمسا يشعر أن عليه واجبا تجاه ما سمعه وعليه تنفيذه.. يحدث أيضا أنك قد تجد النقاش وقد تحول إلي معارك شديدة في ساحات المساجد التي فقدت الاحترام والقدسية من جراء ما حدث فيها.. بل تجد أن النقاش والاختلاف في الآراء السياسية وتشدد كل فصيل لرأيه قد تحول إلي معارك بالأيدي ينجم عنها إصابات وتبعات سيئة.. وهناك الكارثة الكبري أيضا وهو شحن الناس للمسيرات التي خلفت هذه الكوارث الكبري التي عانينا منها جميعا ومازلنا.. وما نجم عنها من خسائر.. كل هذا يوضح الدور الخطير الذي لعبته بعض المساجد في الأيام الماضية وما بثه الخطباء علي المنابر من سموم في المجتمع وتحريض علي العنف والدماء والشحن للمسيرات والتسليح والخسائر التي حدثت في الأرواح والمنشآت وغيرها من جراء الإرهاب الفكري علي المنابر. الدعوة والانتماء الحزبي ينتقد الدكتور محمد الشحات الجندي الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية ما حدث في المساجد خلال الأيام الماضية سواء التابعة لوزارة الأوقاف أو غيرها موضحا أن الخطاب الديني علي المنابر قد تأثر علي مدي العام الماضي وذلك بسبب إقحام الدين في السياسة والخلط بين الدعوة والانتماء الحزبي.. مما جعله ينحرف عن مساره الديني حيث إن المساجد مخصصة للدعوة لله سبحانه وتعالي وترسيخ المبادئ الإسلامية الصحيحة ولم تكن إطلاقا لمناصرة أحزاب سياسية أو شخصيات بعينها.. وذلك يتعارض مع قوله تعالي: »وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا« ولذلك ينبغي لمن يضع نفسه مكان رسول الله[ أن يلتزم بالدعوة الإسلامية ومنهجها السليم.. ولكن وجدنا العديد من الدعاة والخطباء أقحموا الدين في مزايدات سياسية واعتبروا أن المنبر جعل لمناصرة فصيل معين وأن هذا جهاد في سبيل الله.. قال تعالي: »قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة« وبالتالي استشعر الناس خللا في خطاب هؤلاء الدعاة وبالتالي بدأ الكثير ينشغل في معارك كلامية داخل المساجد دون مراعاة لحرمتها المقدسة واعتبروها ساحة سياسية يتباري فيها الخصوم مما قلل من قيمة المسجد وقدسيته مما نتج عنه المتاجرة بالدين في بعض الأحيان وتقديم أفكار مغلوطة للناس. ويواصل د.الشحات قائلا: إنه ينبغي تصحيح كل هذه الأمور وهذا ما تحرص عليه وزارة الأوقاف الآن وما يفعله الوزير الجديد.. فهو يركز علي أن يكون الداعية الذي يذهب للمسجد حاليا حريصا ومدركا لقيمة الخطاب الديني وما يحدثه من آثار في المجتمع وفي عقول الناس وأن يؤدي المفاهيم الصحيحة وأن هناك تغيرات تحدث الآن في وزارة الأوقاف لتصحيح المفاهيم الخاطئة.. سألته: وماذا عن المساجد غير التابعة للأوقاف؟ فأجاب: هي أيضا يتم توجيهها من خلال الأوقاف لأن الوزارة لها سلطة الرقابة علي هذه المساجد من أجل اكتمال السياسة العامة الصحيحة وحتي يكون خطابا دينيا واحدا يلتزم بتقديم الرؤية الصحيحة وأنها علي صلة بهذه المساجد وليست ببعيدة عنها وأنها حريصة الآن علي أن يكون جميع الدعاة في كل المساجد ملتزمين بذلك حتي يحدث تضامن بين كل فئات المجتمع. مخاطر التوظيف السياسي ويوضح لواء دكتور شوقي صلاح عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة والخبير الأمني، الطرق المثلي لمعالجة مخاطر التوظيف السياسي للمساجد حتي لا ينجم عن ذلك أي نوع من الإرهاب في عدة نقاط أبرزها تجريم استخدام دور العبادة في الترويج لحزب أو جماعة أو تنظيم أو أي مرشح يخوض انتخابات عامة.. وكذلك تشديد العقاب علي ارتكاب الخطباء بدور العبادة جرائم كالسب والقذف والتحريض باعتبارها صورة من صور الاشتراك في الجرم بل ويجرم الكذب والافتراء إذا شاب الحديث الصادر عن تلك المنابر.. وأيضا لا يتصدي للخطابة في دور العبادة إلا من كان مؤهلا للقيام بذلك.. وكذلك احتراما لقدر ومكانة الدعاة فإن اتخاذ الإجراءات القانونية للمخالفين منهم من قبل الجهات الأمنية يجب أن يتسم بوضعية قانونية خاصة ولعل أهمها عدم احتجاز الداعية بمقار الجهة الأمنية إلا من خلال تحرير محضر الإجراءات ويحال بعده فورا للجهة القضائية المختصة للتصرف.. أما النقطة الخامسة فهي حظر عقد الاجتماعات الانتخابية أو الحزبية بدور العبادة وتجرم تلك الأفعال بعقوبات مشددة.. وأما النقطة السادسة فهامة للغاية وهي تشديد العقوبة علي استخدام المساجد كمقار لتخزين أسلحة أو أدوات للاعتداء ومنطلق لارتكاب الجرائم وأعمال عنف. تجربتي مع المساجد ويسرد لنا لواء د.شوقي ما حدث له شخصيا في تجربته مع المساجد حيث ذهب يوم الجمعة 18رمضان الماضي للصلاة في أحد المساجد الموجودة.. بمنطقة دير الملاك بشارع مصر والسودان وهو مسجد تحت رعاية وزارة الأوقاف وسمع من الخطيب في خطبته التركيز علي أن الإسلام مستهدف وأن الدعوة الإسلامية في خطر شديد وانهال الرجل بالنقد تجاه وزارة الأوقاف وسياستها الجديدة التي تحول بين العبادة في العشر الأواخر من الشهر الكريم حيث ادعي الإمام أنه طلب من الوزارة الإذن بعقد جلسات لقراءة القرآن بعد صلاة الفجر وأنه وجد شبه ممانعة من الجهة المسئولة بالوزارة وادعي أنهم طلبوا منه تسجيل أسماء من يقوم بهذه العبادة كإجراء احترازي وحاول الإمام جاهدا التأكيد للمصلين في أكثر من موضع في حديثه بأنه لا ينتمي لأي تيار سياسي وأنه يقول كلمة حق من علي منبر سيدنا رسول الله[ ولكن لم توجد فائدة من الحديث مع هذا الإمام بعد الصلاة فانصرفت من المسجد وأنا علي يقين أنه يتبني موقفا مناهضا للتغير السياسي الحادث بالبلاد والذي فرضته ثورة 30يونيو الماضي وسمعت وأنا في سبيلي للخروج بعض التعليقات التي لا تري مصداقية فيما ذهب إليه الخطيب وكان أحد هذه التعليقات من شاب لرفيق له حيث قال أنا أقرأ القرآن يوميا بعد العصر وحتي المغرب وقبل الفجر ولم يراجعني أحد في هذا الأمر ولو أحد منعني هذا لقتلته.. وهنا تولد لدي يقين بأن أغلب المصلين لم يقتنعوا بمضمون الرسالة التي أراد هذا الخطيب نقلها للمصلين. كذب في المساجد ويواصل د.شوقي صلاح قائلا: في نفس اليوم خرجت بعد الإفطار لزيارة صديق لي بمنطقة شيراتون المطار عازما علي أداء صلاة التراويح في المسجد المجاور لمطار القاهرة الدولي وبعد الركعات الأربع الأولي توقف الإمام لإلقاء خطبة قصيرة للمصلين فوجدته يردد أن هناك حربا شرسة علي الإسلام ويؤكد لنا ويقسم بأنه لا ينتمي لأي تيار سياسي ولا يقول هذا لغرض في نفسه.. ثم فاجأنا الرجل في معرض حديثه بقوله: »ياجماعة احنا بنصلي اليوم ولا أحد يمنعنا من الصلاة وقبل أربع سنوات لم نكن نستطيع أن نفعلها« هنا استوقفته وآخرون معي في صوت واحد اعتراضا علي هذا الكذب الفاضح وقلنا له: أنت تتحدث وكأننا غرباء عن البلد يارجل لا تستخف بعقولنا لهذه الدرجة ولولا أننا في بيت من بيوت الله لنازعناك في الأمر أكثر من هذا.. وانصرفت ولم أكمل الصلاة خلف هذا الرجل فلم أعد أستطيع الخشوع في صلاتي بعد هذا الحديث.. لذا رأيت أن أكملها في وقت لاحق.. ولذلك فإنني أري أن التوظيف السياسي للخطاب الديني في المساجد أضحي آلية تستخدمها التيارات السياسية لتحقيق مآربها.. ولكني لم أصدم بهذه الأحاديث الموجهة لأني آراها حتي الآن استثناء لا ينال من عموم الخطاب الديني.. ومع ذلك فهو استثناء يحمل مخاطر جمة والقضية يجب أن تحسم حماية للدعوة الإسلامية.. وجدير بالذكر أن هذا الوضع ينطبق أيضا علي استخدام الكنائس كمنابر سياسية لدي المسيحيين فالوضع مماثل.. ويري لواء دكتور شوقي صلاح أن هذه المسألة يتنازعها اتجاهان الأول يذهب إلي عدم تقييد الخطاب الديني بدور العبادة حيث يفترض أن تقال فيه كلمة حق في وجه سلطان جائر وهذا يتفق وحرية التعبير عن الرأي فلا تكميم لأفواه الدعاة كما أن عموم الجمهور في المناطق الريفية.. يثقون في رأي رجل الدين ويسعون لمعرفته ويقتدون به.. والرأي الثاني يذهب إلي أنه من الأفضل النأي بالصراعات السياسية عن ساحات دور العبادة خشية تأثر كلمة الحق بالمصالح الدنيوية واحتراما لهذا الدور من أن يضمخ بالنفايات الناتجة عن الصراعات السياسية بما ينال من قدر وقيمة الدعاة بل ومن المؤكد أن المصالح سيكون لها أثر واضح في توجيه هذا الخطاب لدي بعض ضعاف النفوس.