رغم سخونة الأوضاع ومن خلال جولة تفقدية لساحات المساجد الكبري فإن جمعة الاستفتاء قد شهدت اختلافا في توجيه الخطاب بعدما صدرت أوامر عليا من الأوقاف والأزهر بالتوقف عن السياسة في المساجد وأن الخطيب الذي سيتحدث في السياسة سيتم إيقافه وغلق المسجد لمدة 06 يوما، ورغم إطلاق تلك الدعوات بمنع خطباء المساجد من التحدث في السياسة فإن بعض الخطباء تجاهلوا تلك التعليمات وتحدثوا علي مضض في السياسة حيث تركز أغلب الخطب علي إقامة العدل واختيار البطانة الصالحة وطاعة ولي الأمر فيما لا يخالف شرع لله وتحكيم الضمير في الإدلاء بالأصوات أثناء عملية الاقتراع علي الدستور والعمل علي دعم واستقرار الوطن وعودة الأمن والأمان وان مسألة التصويت بنعم أو لا تخضع للضمير. 'الأسبوع' رصدت أجواء جمعة الاستفتاء في المساجد ولوحظ أن مسألة الاستفتاء والدعوة لاستقرار مصر خيمت علي المساجد والزوايا في الأماكن الشعبية خاصة، ولم يلتفت بعض الخطباء إلي دعوة الأوقاف للكف عن التحدث في السياسة لكنهم اقتطعوا الجزء الأخير من الخطبة للحديث عن الاستقرار وضرورة المشاركة في الاستفتاء وتدعيم النظام كي تستقر الأوضاع. وكان من بين الخطب التي أثارت جدلًا واسعًا بين المصلين خطبة ألقاها أحد الخطباء بالجيزة حيث تحدث عن ضروة العمل علي استقرار الوطن وإنهاء حالة الانقسام والتناحر بين أفراد المجتمع وأن النخب تتحمل مسئولية ما يقع، وهو ما جعل المصلين يدخلون في معارك كلامية عقب الانتهاء من الصلاة. وفي محافظة الإسكندرية حيث شهدت ساحة مسجد القائد إبراهيم تزايد أعداد الجماعات الإسلامية ومجموعة أنصار الشيخ حازم أبوإسماعيل لإعلان رفضهم مهاجمة المساجد وسط تواجد أمني مكثف وتساقط الأمطار حيث شهدت ساحة مسجد القائد إبراهيم هتافات بين القوي الإسلامية المحتشدة بجميع أطيافها وشباب الثورة المتظاهرين مرددين: الشعب يريد تطبيق شرع لله وعلي الطرف الآخر تعالت صيحات المتظاهرين المعارضين: الشعب يريد إسقاط النظام وقام عدد من المتظاهرين بإطلاق ألعاب نارية، فيما استعدت قوات الأمن بعد تطويق المسجد وإغلاق الطرق المؤدية إليه بعد وقوع إصابات فيما أعلن الشيخ أحمد المحلاوي خطيب مسجد القائد إبراهيم رفضه الهجوم علي حرمة المساجد وأنها لله ولها حرمتها ولا يجوز التعدي عليه مؤكدًا أن ذلك لن يحدث مرة أخري ولن يتم السماح بحدوثه. وفي محافظة السويس شهدت حالة من الاستنفار الأمني خاصة بمحيط مسجد الصحابة بالسويس حيث خطب الشيخ محمد حسان وحضر ما يزيد علي 3 آلاف مواطن للاستماع لخطبة الجمعة وافترش الجميع الساحة الخارجية للمسجد وحذر حسان من أنه لو سقطت هيبة الدولة فسوف يكون السقوط علي الجميع وسيدفع الجميع.وفي محافظة القليوبية شهدت ساحة المساجد اشتباكات لفظية بين مؤيدي ومعارضي الدستور عقب صلاة الجمعة وتمكن عدد من المواطنين من فض الاشتباك بين الطرفين. أما مساجد القاهرة فجاءت خطب أئمة المساجد بضرورة توحيد الصف وضبط النفس واحترام الرأي الآخر والعمل علي إعادة الاستقرار وإنهاء حالة الشلل الذي أصاب المجتمع، فيما انتقد بعض الخطباء ذوي التوجه الإخواني دعوات البعض لرفض الدستور ومقاطعة المرحلة الثانية داعين جموع المصلين لرفض المقاطعة ودعم المشاركة والتمسك بالعمل علي دعم ولي الأمر من أجل نشر الاستقرار، فيما شهدت المساجد التابعة للجمعية الشرعية دعوة المصلين إلي التصويت بالموافقة علي الدستور تغليبا للمصلحة الوطنية وحرصًا علي مصلحة الوطن ونظرًا للظروف التي تمر بها البلاد فإننا نقول نعم للدستور. وفي منطقة التجمع الخامس حيث أدي الرئيس محمد مرسي الصلاة بمسجد الحمد، وتناول الخطيب مسألة التنابذ بالألقاب وتحدث عن الاستفتاء مطالبا الجميع بالمشاركة وأن يذهب كل مواطن إلي الاقتراع ويقول ما بدا له أن يقول، وختم الشيخ خطبته داعيا للرئيس فيما شهدت الصلاة بعض الاعتراضات من قبل عدد من المصلين علي ما ذكره الخطيب فيما انصرف الرئيس مرسي دون إلقاء خطبة. وفي محافظة الشرقية تناولت خطب الجمعة حث المواطنين علي المشاركة في الاستفتاء للمساهمة في استقرار الدولة والحفاظ عليها. كما حث خطباء المساجد بمحافظة الإسماعيلية المصلين علي عدم مقاطعة الاستفتاء والمشاركة في المرحلة الثانية للوقوف ضد الفوضي. وفي محافظة بني سويف هاجم عدد من الأئمة والخطباء جبهة الإنقاذ الوطني، ووصفوها بالمتآمرة علي البلاد مؤكدين أن الكنيسة تقول وتحشد للتصويت ب 'لا' ونحن نقول ونوجه ل نعم، فالكنيسة دور عبادة والمساجد دور عبادة ومن يرد أن يحاسب فليحاسب الجميع. وفي محافظة قنا وصف عدد من خطباء المساجد دعوة أعضاء الحركات السياسية المواطنين لمقاطعة الاستفتاء بأنها تخريب ومخالفة للشريعة الإسلامية وهدم لمؤسسات الدولة، داعين المواطنين للمشاركة. فيما شهدت مساجد مدينة نجع حمادي بعض الاشتباكات اللفظية عقب الانتهاء من صلاة الجمعة بعدما دعت الجماعات الإسلامية المصلين لعدم مقاطعة الاستفتاء وضرورة المشاركة من اجل بناء الدولة. تحدثنا إلي علماء الدين للوقوف علي رأي الشرع فيما يحدث داخل ساحات المساجد.. بداية قالت دكتورة 'آمنة نصير' أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: إن مصر تمر حاليًا بفترة تتسم بالفوضي وعدم الانضباط. وأن من أهم مظاهر هذه الفوضي هو استخدام المساجد في غير دورها أو هدفها والزج بها إلي لعبة السياسة التي تعرف بعدم نزاهتها. وأضافت 'نصير': إن الشعب المصري شعب سريع التحول ويمكن تغيير مفاهيمه واتجاهاته بسهولة. وأن هناك الكثير منه يجيد المجاملة ومنافقة الحاكم. وأكدت نصير أن المساجد لها دور اساسي لا بد أن تعود اليه وهو الدعوة والعظة وتعريف المسلمين بأمور دينهم. وأن شيوخ المساجد الذين يجاملون الرئيس ويدعون للتصويت ب 'نعم' علي الدستور الجديد أحري بهم أن يعودوا إلي رشدهم ويحثوا الشعب علي الوحدة وتعليمهم مكارم الأخلاق وشددت 'آمنة' أنه لا بد أن ينتهي هؤلاء المشايخ عن استخدام مساجد الرحمن من أجل الترويج لأفكار فصيل أو حزب معين لأن ذلك يخالف الشرع ويؤدي إلي إفساد لا إصلاح. فيما أكد د.حازم الجند مساعد وزير الأوقاف الأسبق أن ما يحدث داخل المساجد في هذه الأيام واستخدام المنابر لأغراض سياسية هو أمر غير مبشر لأن أمور السياسة تختلف فيها الآراء والاجتهادات وبالتالي تؤدي في بعض الأوقات إلي نشوب مشادات ومشاحنات لا يصح أن تحدث داخل بيوت لله. وأضاف الجند أن السياسة من الأمور الدنيوية التي ليس لها مكان داخل المسجد وأن ائمة المساجد التي تعلن صراحة انتماءها لأي فصيل أحزب سياسية ويحاولون فرض أفكارهم علي المصلين سيتحملون أوزار الاعتداء علي حرمة المسجد وأكد أنه من باب أولي أن يدعو هؤلاء المشايخ إلي إعمال العقل ونبذ العنف والحكمة واتباع الحوار المهذب عند الاختلاف في الآراء بدلا من إشعال الفتنة بين المصلين.وشدد 'جند' علي أنه يجب علي وزارة الأوقاف التدخل لمنع تلك المهازل التي تحدث داخل المساجد لأنها هي الجهة المسئولة عنها وعن إدارتها. وأن إدارة التفتيش الموجودة بالوزارة عليها مراقبة ما يحدث داخل المساجد واتخاذ الإجراءات العقابية اللازمة ضد من يخالف ذلك. وأكدت د.'خديجة البزاوي' الباحثة في الشئون الإسلامية يتحجج بأن النبي محمد عليه الصلاة والسلام استخدم المسجد في كل أمور الحياة سواء دينية أو دنيوية وأنه كان يتحدث عن أمور الدولة داخل المسجد حيث أكدت أن العصر قد اختلف والآن توجد منابر للسياسة ومنابر للدين حيث أوضحت أنه توجد الآن مجالس شعب وشوري متخصصة في ذلك إلي جانب وجود الصحف والقنوات الفضائية التي تقوم بمهامها في هذا الشأن وأنه في عصر الرسول كان المسجد يقوم بكل هذه الأدوار.. وأضافت البزاوي أن محاولة إقناع الناس بأن المسجد في هذا العصر له دور سياسي خطأ كبير ويجب فصل هذا عن ذاك لأن ما يحدث الآن من توظيف المساجد لأغراض معينة أمر فيه انحياز قد يؤدي إلي خلق حالة من الانقسام بين ابناء الوطن الواحد.إلي جانب هدم الوحدة الوطنية والسياسية للأمة. وشددت خديجة علي أن النبي عليه الصلاة والسلام عندما دخل المدينة كان أول ما اهتم به هو التوافق الاجتماعي بين المسلمين والنصاري واليهود. فيما أوضح الشيخ 'يوسف البدري' الداعية الإسلامي أن أحد الأعراب قام ليتبول في المسجد فقام الصحابة من أجل أن يخرجوه فقال لهم رسول لله: دعوه، وبعد أن انتهي قال له الرسول عليه الصلاة والسلام 'إن المساجد لم تبن لهذا إنما جعلت المساجد لذكر لله والصلاة' وأكد البدري أن كل عمل فيه ذكر لغير لله فهو حرام شرعًا فإذا كان الحديث داخل المسجد يتعلق بأمور السياسة من أجل ذكر لله فهذا يجوز أما دون ذلك فهو مخالف للشريعة الإسلامية. وأضاف البدري إن مقولة 'إن الدين منفصل عن السياسة' هي مقولة خاطئة اخترعها الغرب لأنهم يسمون السياسة باللعبة القذرة أما الإسلام فهو سياسة ودين ودولة. فيما قالت د.سلوي شعراوي أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن المساجد في التاريخ المصري القديم كانت منبرًا للعمل السياسي بجانب العمل الديني ولكن ليس بهذا الشكل الذي نراه الآن، حيث أوضحت أن الحديث في المجال السياسي داخل المساجد قديمًا كان بهدف لَمِّ الشمل وتوحيد الأمة. ولكن ما نراه في هذه الأيام هي دعوة لإثارة الفتن والانقسام. كما أشارت إلي أن تحيز أئمة المساجد في الوقت الحالي لفصيل سياسي معين أدي إلي وقوع اشتباكات داخل المساجد وهو أمر جديد لم نعتد عليه كمصريين. وأضافت شعراوي إن غالبية المشايخ الموجودين في المساجد في الوقت الحالي ليس لديهم القدرة أو الخبرة السياسية الكافية التي تجعلهم يمتلكون القدرة علي إلقاء الخطاب السياسي المعتدل وهو الأمر الذي يؤدي إلي وقوع تلك الأحداث المشينة