بعد أحداث30 يونيو التي عزلت الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية من منصبه تقف مصر الآن علي مشارف نفق مظلم . خاصة بعد إصرار وتعمد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين تعطيل مسارات المرحلة الانتقالية. وأيضا من خلال الاعتصامات التي تتحول من حين إلي آخر لمجازر بشرية وكان آخرها حادثة طريق النصر. التي راح ضحيتها حسب وزارة الصحة أكثر من 80 قتيلا وآلاف المصابين.. لابد من وقفة أمام هذه المهزلة السياسية الإجرامية التي تسيطر الآن علي المشهد من قبل جميع القوي السياسية الموجودة علي الساحة ولابد من إيجاد حلول فورية وسريعة لوقف هذه المهازل .. وكانت أولي المطالب التي ينادي بها الجميع هي فض اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة بشكل فوري بالإضافة إلي أهمية الجلوس علي مائدة حوار حقيقية وجادة ومشروطة وليست شو إعلاميا للمصالحة الوطنية بين جميع الأطراف. والدستور هو طاقة الأمل الكبري التي ستعمل علي وقف حالة البلطجة والتسيب التي تسيطر علي مفاصل الدولة ومن شأنه أيضا أن يسن من خلال ظهير دستوري واضح قوانين تنظم التظاهرات والاعتصامات السلمية للقضاء علي ما تشهده مصر الآن من اعتصامات عشوائية تصيب المواطن والدولة بالشلل التام. وبالتالي تعمل لجنة تعديل الدستور التي شكلها المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت علي مناقشة الاقتراحات التي قدمتها الجهات المختلفة علي المواد المطلوب تعديلها في دستور 2012. وكان هناك 6 مواده خلافية في دستور 2012 علي مائدة لجنة التعديلات وهي الشريعة الإسلامية والمحكمة الدستورية ومحاكمة المدنيين عسكريا ومواد رفضت المعارضة صياغتها السابقة كانت من أبرز المواد التي تنظرها لجنة العشرة. ويأتي علي رأس هذه المواد المتوقع طرحها للنقاش المادة الثانية للدستور والتي تنص علي »أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع« حيث رفضت كل من قوي المعارضة والتيار الإسلامي هذه المادة فالأول كان يبحث عن وجود أحكام الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، وليس المبادئ والثاني يعترض علي عدم ذكر أصحاب الديانات الأخري.. وزادت حدة الخلاف حول وجود مرجعية للأزهر الشريف في المادة الثانية للدستور، بعد وضع جزء يؤكد علي أن الأزهر الشريف هو المرجعية النهائية في تفسيرها. أما المادة 219 فتنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة.. ويحذر المنتقدون من أن هذه المادة بحد ذاتها تتعارض مع روح المادة الثانية 2ب من الدستور، والتي تسمح بتفسير أوسع وأكثر شمولاً لما يشكل مبادئ الشريعة الإسلامية. أما المادة 14 فهي من المواد التي اعترض عليها عدد من القوي السياسية لعدم ربطها الحد الأدني بالحد الأقصي للأجور، كما أنها لم تضع معيارا للمحاسبة، وفتحت الباب أمام الاستثناء من الحد الأقصي للأجور. كما شكلت المادة 176 خلافا كبيرا داخل المحكمة الدستورية لأنها جعلت من رئيس الجمهورية مصدر قرار تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهو ما يشكل تدخلا في السلطة التنفيذية والتشريعية ويهدر مبدأ الفصل بين السلطات، كما تُشكّل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشرة أعضاء، ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التي ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية. ويرجع سبب الرفض لهذه المادة لعدم وجود أي مبرر أو سبب مباشر لخفض عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا من تسعة عشر إلي أحد عشر عضواً، بحجة أن وجود عدد أكبر من الأعضاء يتيح إجراء نقاش أفضل وطرح آراء قانونية أكثر تنوّعا، ويري البعض أن المادة أضيفت عمداً بغية طرد القضاة الذين كان لا يتفق معهم النظام وأتباع الرئيس المعزول محمد مرسي. كما نال الرفض من المادة 202 التي تنص علي أن يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات الرقابية وهو ما يعني أن الرقابة علي هذه الأجهزة تخضع لمؤسسات الدولة،بما فيه مؤسسة الرئاسة بما لا يضمن استقلالها. وفيما يتعلق بالمادة 62 الخاصة بالرعاية الصحية والتي تنص علي أن تخصص الدولة للرعاية الصحية نسبة كافية من الناتج القومي علي أن تكون الرعاية الصحية حقا لكل مواطن، وتخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومي، وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحي وفق نظام عادل عالي الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين، وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطوارئ أو الخطر علي الحياة، فقد نالت هي الأخري رفضا واعتراضات من جانب القوي السياسية التي ارتأت أن العبارة فضفاضة وغير شاملة. كما رفض البعض المادة العاشرة التي كانت تنص علي أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع علي الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وجاء الرفض للمادة لأنها حولت دور الدولة إلي الحفاظ علي الطابع الأسرة المصرية بما قد يشكل تعديا علي الحريات الشخصية، ويمنح الحكومة سلطات غير ضرورية ومبالغا فيها في تحديد ما يشكل الأسرة المصرية دون توفير ضمانة كافية للإناث المعيلات والمطلقات والأرامل. كما شاب الرفض المادة11 التي تنص علي رعاية الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوي الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية، وتم رفضها لأن حماية الدولة للأخلاق العامة تشكل علي الأرجح تعديا علي الحريات الشخصية، وتوفر الأساس الدستوري لإقرار قانون يسعي لحرمان المواطنين من حقوق معينة بحجة الدفاع عن الأخلاق. أما المادة 43 والخاصة بحرية الاعتقاد مصونة، فأشار الرافضون لها إلي أنها تتعارض مع مبدأ الحرية الدينية بضمان حريات يعرف لأصحاب الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، ولا تسمح بتصنيف فئات دينية أخري علي أنها سماوية، مثل البهائية المحروم أصحابها من الحماية القانونية. وتواجه المادة 44 من الدستور والتي تُحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء جميعا، انتقادات عديدة، بأن هذه المادة الجديدة غامضة ولا يمكن أن تؤدّي إلا إلي الحرمان من الحريات. باعتبار أنه من غير الواضح تحديد ما الذي يشكّل بالضبط إهانة أو إساءة للأنبياء، وما هي المؤسسة أو الأفراد الذين سيكونون مسئولين عن البت بها أو كيفية المساءلة. وضع الجيش في الدستور واحد من أهم المواد الخلافية فالمادة 197 تنص علي إنشاء مجلس للدفاع الوطني، يتولي رئيس الجمهورية رئاسته، وجاء الاعتراض علي هذه المادة بأن مجلس الدفاع الوطني المقترح سيستمر في حجب المؤسسات العسكرية ومشاريعها الاقتصادية الضخمة في مصر بغطاء من السرية ويبقيها فوق القانون.. أما المادة 198 والتي تنص علي أن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها، فهي تواجه معارضة للصيغة التي تسمح بإجراء محاكمات عسكرية للمدنيين في الجرائم التي تضر القوات المسلحة، بحجة أنه يمكن تطبيق مثل هذا المعيار بصورة فضفاضة، وأنه سيستمر توفير المبررات لإجراء محاكمات عسكرية للمدنيين. ورغم ذلك هناك مدافعون عن المادة يزعمون أنها تحمي المدنيين فعلاً، وأنها علي عكس الدساتير السابقة، تحظر صراحة أي محاكمة للمدنيين لأسباب أخري بخلاف الجرائم التي تتعلّق بالقوات المسلحة. أما المادة 53 فتنظم قانون النقابات المهنية، وتنص علي أن إدارتها علي أساس ديموقراطي، وطريقة مساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني وفق مواثيق شرف أخلاقية ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوي نقابة مهنية واحدة، ويعترض عليها البعض لتحديد نقابة واحدة لكل مهنة، ويقولون إنها محاولة من الدولة للسماح للنقابات الصديقة للحكومة فقط بالعمل. ومع التوقعات بانحسار موجة العنف وعودة الأوضاع المشتعلة إلي حالة الهدوء ينبغي أن يبدأ عقلاء الإخوان في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح مسارهم السياسي الذي اتبعوه تحت حكم الرئيس السابق محمد مرسي. ويقول الدكتور عبد الله المغازي المتحدث الرسمي باسم حزب الوفد لابد أن يتبني الإخوان الفكرة العظيمة للمناضل العظيم نلسون مانديلا رئيس جنوب أفريقيا الأسبق الذي تبني فكرة المصالحة الوطنية وارتقي بها فوق الصراع العنصري وإهانة البيض للسود، لكي يستطيع بناء دولته وبالتالي فمن غير المعقول أن تمد القوي السياسية يدها بالمصالحة الوطنية إلي التيارات الإسلامية خاصة جماعة الإخوان وهي تقوم بسحب يدها رافضة للمصالحة الوطنية لأن الجماعة بذلك ستكون قد قررت أن تواجه شعباً بأكمله بجيشه وشرطته وهي الخسارة الكبري والحقيقية للإخوان. ويري المغازي أن كل التيارات الدينية نسيت أنه بفضل الله ثم ثورة يناير حصلوا علي مكتسبات عديدة وأهمها أنه أصبح مجال العمل الدعوي مفتوحاً علي مصراعيه أمامهم بعد أن كانوا ممنوعين نهائياً من إلقاء الخطب والبعض الآخر يعتقل في السجون ويوجه له تحذيرات من أمن الدولة بعدم الاقتراب من الجوامع المصرية؛ لكن حزب الحرية والعدالة يقصي نفسه من المشهد السياسي والحياة العامة.