هجوم جديد بسيارة مفخخه ، وقع يوم التاسع من يوليو الجاري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله اللبناني، أعاد للأذهان شبح عودة حرب أهلية، فضلا عن ذلك ، فمنذ اندلاع الأزمة السورية في 15 مارس 2011، لا يكاد يمر يوم إلا وألقت بظلالها علي لبنان، مما عمق من حالة الانقسام السياسي والاجتماعي في بلد الأرز متعدد الطوائف والمذاهب، الذي لم يتعاف حتي الآن من آثار اقتتال أهلي أتي فيه علي الأخضر واليابس في الفترة من 1975 وحتي 1990، وإذا كانت المواجهات المسلحة، بين مؤيدي ومعارضي الرئيس السوري بشار الأسد، مازالت حتي الآن منحصرة في نطاق طرابلس وصيدا، شمال وجنوب لبنان علي الترتيب، فإن أكثر ما يخشاه اللبنانيون هو اتساع نطاق المواجهات للعاصمة بيروت، إذ إن ذلك لن يعني إلا أمرا واحدا، هو: وصول الأمر لنقطة اللاعودة. "جوزيف باؤوت"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة السوربون بباريس والباحث بالأكاديمية الدبلوماسية الدولية الفرنسية، يعلق لصحيفة "لوموند" الفرنسية علي الوضع الحالي في لبنان قائلا:" البلد تبدو قريبة من أجواء كتلك التي سبقت فترة الحرب الأهلية الثانية1975 - 1990، إضافة لذلك فإن حالة التوتر الإقليمي تجاوزت المدي المقبول، وعوامل كثيرة مجتمعه تجعل الموقف مرشحا للانفجار وتدفع لبنان نحو نفق مظلم، خلال الأشهر وربما الأسابيع المقبلة". ويتفق مع الرأي السابق المحلل السياسي"فانسون جيسيه"، الذي يتوقع أن تشهد لبنان حربا أهلية علي خلفية المحور الشيعي-السني، وعلي الطريقة العراقية، حيث لا خطوط واضحة للمعارك، ولكن عمليات وعمليات تفجيرية مضادة في مناطق بعينها، وعمليات اغتيال لقادة سياسيين، علي سبيل الانتقام، سينفذها كل طرف ضد الطرف الآخر. الأزمة السورية كان لها تاثيرات واضحة في الكثير من دول المنطقة، ففي لبنان أعادت الحياة لخطوط القتال في صيدا وطرابلس، هذا فضلا عن أن حالة اللاتوافق بين الأطياف اللبنانية، علي خلفية الصراع المسلح في سوريا، أدي إلي أن البلد يعيش منذ عدة أشهر بدون حكومة وبدون برلمان، وأضحت البلد منقسمة بين معسكرين: الأول شيعي، مؤيد للأسد، بقيادة حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، والثاني سني، مساند للمتمردين علي الأسد، يتزعمه سعد الحريري رئيس تيار المستقبل وبجانبه تيار سلفي بقيادة الشيخ أحمد الأسير. ويري "فانسون جيسيه" أن حياد الدولة اللبنانية ككيان، أدي إلي إفساح المجال لإضفاء نبرة راديكالية وتعميق حالة الانقسام الفئوي في خطب كلا المعسكرين المتصارعين، حيث بات رجال السياسة يتهم كل منهما الآخر باستيراد الأزمة السورية للداخل اللبناني، وأضحي كلا الطرفين يري في الأزمة السورية صراعا وجوديا وأن مسألة استمرار أو رحيل الأسد، يتوقف عليها بقاء أو فناء طائفته، وما بين المعسكرين الشيعي والسني انقسم مسيحيو لبنان أيضا، ما بين عائلة فرنجية الموالية لبشار الأسد وعائلة الجميل المعارضة له. وشهدت الأمور تطورا ملحوظا، خلال الأشهر الماضية، علي صعيد تورط كلا المعسكرين في إرسال أسلحة ومقاتلين إلي سوريا، وكانت معركة القصير(مدينة سورية) في شهر مايو الماضي، شاهدا حيا علي حالة اقتتال لبناني-لبناني، فبينما أرسل حزب الله رجاله وعتاده للقتال لصالح بشار الأسد، كان رجال الشيخ السلفي أحمد الأسير، وبدعم مالي من المملكة العربية السعودية، علي الجانب الآخر يتصدون لهم. حزب الله الذي احتفل علانية بانتصاره في مدينة القصير، واضعا بذلك نهاية لعملية "التطبيع" التي دخل فيها عام 2005 مع باقي القوي السياسية اللبنانية، أصبح الآن موضع انتقادات لاذعة لم يكن أحدهم يجرؤ علي توجيهها، علي مدار السنوات الماضية، لاسيما بعدما حققه الحزب من انتصار عسكري علي إسرائيل في حرب يوليو 2006، مما شجع كثيرين علي الحديث عن ميلشيات السيد نصر الله باعتبارها قوات معتدية. وليس حزب الله فقط الذي أصبح موضع انتقاد في لبنان ، بل إن الجيش اللبناني أيضا ناله ما ناله من السباب واللعنات من المعسكر السني، علي خلفية انحياز المؤسسة العسكرية ، بل وتدخلها الصريح لصالح حزب الله في معاركه ضد أنصار الشيخ السلفي أحمد الأسير، في يونيو الماضي، وبعدما كان حياد الجيش اللبناني سببا في أن تعتبره القوي السياسية كافه، حارس الوحدة الوطنية في بلاد الأرز، بات ينظر إليه علي أنه انزلق في مستنقع ما كان له الدخول فيه. خلال سنوات الحرب الأهلية ، ظل الجيش اللبناني مفككا في هيئة وحدات طائفية، وحتي بعد إعادة بنائه بمعرفة النظام السوري، ظل الطابع الفئوي مسيطرا علي ثكناته، واستطاع حزب الله أن يزرع فيه خلايا مخابراتيه تابعة له ، فيما كانت وحدات أخري وأجهزة أمن داخلي تحت قيادة الجنرال وسام الحسن، الذي لقي مصرعه في تفجير بالعاصمة بيروت في ديسمبر 2012، وأرجع الخبراء مقتله علي هذا النحو إلي انتمائه السياسي لجبهة 14 آذار التي أسسها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. في ظل هذا التوازن المؤقت ينظر الجميع لكل قفزة في الأحداث نظرة ترقب، ودائما ما يتبادر إلي الذهن سؤال : هل ستندلع في لبنان حرب أهليه؟، وهو ما يجيب عنه "جوزيف باؤوت" بالقول:" نحن أمام خط أحمر ولكن مازال بالإمكان تجنب القتال، و يتوقف ذلك علي مدي رغبة الأطراف الإقليمية والدولية في ألا تنفجر لبنان، لاسيما أن مظلة الاستقرار، و الحديث هنا عن سوريا، التي كانت تضمن هدوء لبنان، قد انتهت إلي غير رجعة، وأصبحت هي نفسها مسرحا لتصفية حسابات إقليمية بين دول الخليج من جهة وإيران من جهة أخري، حيث يغامر الجميع باللعب بكل ما لديه من أوراق، بينما يتردد الغرب ما بين المشاركة والاستمرار في الفرجة من بعيد. و يضيف "فانسون جيسيه":" ما يملكه حزب الله من مميزات عسكرية واستراتيجيه تفرمل المتربصين به عن القيام بأي فعل عدائي تجاهه ، إنه جيش قوي وطائفي بكل معني الكلمة، ويملك ما بين 5000و 7000 آلاف مقاتل مدربين علي أعلي مستوي قتالي، فضلا عن ترسانة متطورة من الأسلحة، وتعد قوة حزب الله في حد ذاتها عاملا مهما في تحييد الجميع وإن كانت ليست ضامنا للأمن والاستقرار"، ويكمل"جيسيه":" حزب الله لن يركن طويلا إلي قوته الرادعة ومن الممكن أن يرد في أي وقت علي الاستفزازات التي يمارسها البعض ضده، كهجوم التاسع من يوليو، لا سيما أن المعارك الطاحنة مستمرة في سوريا ومعها تشن إسرائيل غارات جوية علي دمشق من وقت لآخر". علي صعيد الداخل، يري "جوزيف باؤوت" أنه طبقا للقاعده اللبنانية الشهيره "لا غالب ولا مغلوب"، فإن حزب الله يمكنه سحق خصومه عسكريا، ولكنه لن يستطيع مهما فعل أن يرسي الأمن والإستقرار في المناطق السنية والمسيحية التي بإمكانه احتلالها عسكريا، يضاف إلي ذلك فإن تدفق المال والسلاح علي الفصائل الأخري قد يغير معادلة القوة علي الأرض، إذ بدأت الفصائل السنية، لا سيما المحسوبة علي تيار المستقبل وأنصار الشيخ السلفي أحمد الأسير، في امتلاك أسلحة ثقيلة وخفيفة ومتوسطة من طرازات متطورة، كما أنشأوا لجانا وتحصينات دفاعية، يصعب اختراقها، في المناطق الخاضعة لهم، وتبقي الورقة الأهم لدي المعسكر السني هي وجود 900 ألف لاجئ سوري في الجنوب، بالقرب من معاقل حزب الله، أي ما يعادل ثلث سكان لبنان، و يمثل هؤلاء قنبلة ديموجرافية موقوتة قد تقلب موازين القوي في أي مواجهة، خاصة وأن الحالة الاقتصادية المتردية للاجئين السوريين، تجعل من السهل تجنيد شبابهم بالقليل من المال وتحت مسمي الدفاع عن أهل السنة في مواجهة الشيعة الروافض.