المعارضة اعتبرت هذه الحشود محاولة استعراض للقوة في الوقت الذي يترقب فيه الشارع المصري الدعوة التي أطلقتها قوي المعارضة وعلي رأسها حركة "تمرد" للتظاهر الأحد30يونيو بهدف إسقاط النظام الحاكم وإجراء انتخابات رئاسية جديدة، بدأ الصدام المكتوم بين مؤيدي الرئيس القادم من خلفية إخوانية محمد مرسي ومعارضيه تخرج إلي فضاء العلن، عبر حرب تصريحات تفجرت عقب مليونية الجمعة الماضية التي حملت شعار "لا للعنف" وتصدر واجهتها تيارات الإسلام السياسي المؤيدة لبقاء الرئيس في منصبه واستكماله مدة رئاسته المقررة دستورياً بأربع سنوات، ما يؤشر إلي وقوع صدامات ميدانية مبكرة تستبق التظاهرات المرتقبة نهاية الشهر الجاري. وفي حين ارتقي ضجيج مليونية "لا للعنف" إلي حد "الطحن" المباشر، عبر هجوم بعض رموز وقيادات جماعة الإخوان المسلمين ممن اعتلوا المنصة في ميدان رابعة العدوية، في تلميحات صريحة ضد تيارات معارضة بل وضد مؤسسات رسمية وسيادية، أكد حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، أن تصريحات الدكتور محمد البلتاجي علي المنصة، لم تتطرق بأي صورة سلبية إلي الجيش المصري الذي نكن له جميعا كل الاحترام والتقدير علي النحو الذي ورد في بيان المليونية الختامي. وأضاف الحزب في بيان له علي لسان البلتاجي: "يبدو أن نجاح مليونية (لا للعنف)، التي دعا إليها أكثر من 30حزباً وائتلافاً سياسياً، وتجاوب الشعب المصري معها أزعج رؤوس الفتنة في مصر ومدبري الثورة المضادة ودفعهم إلي افتعال أزمة وهمية للتغطية علي هذا النجاح، وذلك بتأويل تصريحاتي في محاولة منهم لإعادة الزج بالجيش المصري العظيم إلي المعترك السياسي والتغطية علي فشلهم". وتابع البيان علي لسان البلتاجي: "في هذا الصدد أؤكد أنني لم أتطرق في كلمتي خلال المليونية بأي صورة سلبية تمس الجيش المصري، وإنما كنت أتكلم عن التيارات السياسية والثقافية التي قادت مصر خلال الستين عاماً الماضية وأودت بها لسلسلة من الهزائم والنكسات والتراجعات علي كل صعيد". من جانبها أثارت التظاهرة الحاشدة ردود فعل واسعة علي صعيد القوي السياسية والحزبية المعارضة، والتي اعتبرت أن جماعة الإخوان تستهدف من وراء هذه المليونية استعراض قواها في الميادين عبر حشد مؤيديها من محافظات مصر المختلفة، لتخويف المعارضة وإرهابها، مؤكدين أن العكس هو الصحيح وأن ذلك الأمر سيزيدهم إصراراً علي النزول والمشاركة في ما أسموه "الثورة القادمة لإسقاط النظام". وترجم هذه الرؤية بيان أصدره حزب "التجمع" اليساري أكد "أن مليونية (لا للعنف) التي نظمتها جماعة الإخوان وحلفاؤها يوم الجمعة، دعوة للعنف والاقتتال الأهلي، وطالب البيان الرئيس محمد مرسي بتقديم استقالته والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة قبل 30يونيو، باعتبارها الفرصة الأخيرة أمامه للتخلي عن السلطة طواعية قبل إسقاطه من قبل الشعب". وأضاف: "إذا لم يقم مرسي بالاستقالة ستظل السيناريوهات مفتوحة في اتجاهات أخري منها العنف والعنف المضاد، واحتمالات انقلاب عسكري عبر نزول الجيش، وحدوث اعتقالات واسعة في صفوف الإخوان، لأنهم في هذه الحالة سيكونون مسؤولين عن هذا الحريق وما يجنبنا هذا كله هو أن يتركوا الحكم سلمياً". إلي ذلك، علق محمود بدر، المتحدث الرسمي لحملة "تمرد" الداعية إلي تظاهرات إسقاط النظام في نهاية الشهر الجاري، علي مليونية "لا للعنف"، قائلاً إن هذا الحشد جعلنا نطمئن إلي أننا في 30يونيو سوف نريهم الحشد الحقيقي للمصريين، مشيراً في تصريحات إعلامية إلي نقص شعبية مرسي وجماعته الواضحة، مدللاً علي ذلك بالمقارنة بين الحشد في مليونية الشريعة التي نظمت منذ أشهر عند جامعة القاهرة وحشد المليونية الأخيرة، وقال إن الإخوان خسروا حزب "النور" وجمهوره من السلفيين، في إشارة منه إلي تصريحات بعض القيادات السياسية والدينية بشأن المشاركين في المليونية من المنتمين إلي الحزب السلفي. في الأثناء، وبينما تعرض مقر حزب النور بمدينة المحلة في محافظة الغربية إلي هجوم نفذه بلطجية أدي إلي حرق المقر، رفض نادر بكار، مساعد رئيس حزب "النور" السلفي لشؤون الإعلام، تصريحات القيادات والرموز في الجماعة الإسلامية وغيرها من القيادات السياسية المشاركة في مليونية "لا للعنف"، واصفاً إياها بأنها "تصريحات غير مسؤولة وتؤدي إلي ازدياد حجم الفجوة بين أبناء الوطن الواحد"، نافياً في تصريحات إعلامية أدلي بها عقب انتهاء فعاليات المليونية، مشاركة حزبة في فعالياتها، مشدداً علي أن مشاركة محمد عمارة، عضو الحزب، في هذه المليونية، كانت بشكل شخصي، لا يعبر فيه إلا عن نفسه. وفي حين أهاب بكار بالمتحدثين باسم حزب "الحرية والعدالة" والجماعة الإسلامية بألا يتبرعا بالحديث نيابة عن حزب "النور" أكد أن الأخير لن ينزل مطلقاً إلي الشوارع في تظاهرات 30 يونيو، حرصاً علي عدم وقوع صدام بين أي من الأطراف المشاركة، وإن كان قد اعتبر أن مطالب المشاركين فيها عادلة ومشروعة. وفي الوقت الذي عبرت فيه قوي المعارضة عن رفضها لغة التخويف، أكد الرئيس محمد مرسي أن متظاهري مليونية "لا للعنف" التزموا السلمية وعادوا بالثورة إلي اتجاهها الصحيح والذي ينبذ العنف ويسعي للتعبير عن الرأي، وذلك علي الرغم من أرقامها المليونية، مطالباً خلال الاحتفالية التي أقيمت السبت الماضي بقاعة المؤتمرات بمناسبة مرور 50عاماً علي المهندسين العرب، جميع المتظاهرين بأن يلتزموا السلمية والحفاظ علي التكامل وحب الوطن، وشدد علي أنه لا يمكن لأي فصيل أن يفرض رأيه علي الجميع، ويجب علي كل القوي في مصر أن تسعي للتكامل والتعاون بما يحقق مصلحة مصر. وعزز فكرة الصدام المبكر بين القوي الداعمة للرئيس والمعارضة له قبيل 30 يونيو، لغة التصريحات النارية التي لجأ إليها البعض أخيراً، ومحاولة استقطاب الشعب عبر احتكار موقفه مسبقاً والحديث بلسانه، حيث قال زعيم الأغلبية في مجلس الشوري، النائب الإخواني عصام العريان، إن هناك "حملة واضحة لإخافة الشعب، لكن لن يمر أحد علي إرادة الشعب أبداً". وأضاف العريان في بيان عاجل أمام المجلس: "الدستور ينص علي أن السيادة للشعب يمارسها ويحميها، الشعب يحمي سيادته بكل الطرق إذا قصر أحد أو تراخت جهة، فالشعب قادر علي حماية سيادته وإرادته"، بينما دعا النائب القبطي بمجلس الشوري، ممدوح رمزي، القوات المسلحة إلي "تحمل مسؤولياتها والنزول إلي الشارع يوم 30يونيو"، وقال في بيان عاجل أمام المجلس: "نريد من الجيش أن ينزل إلي الشوارع لمواجهة البلطجية والمجرمين والخارجين علي القانون الذين يبثون الرعب في نفوس البلاد والعباد"، رافضاً ما وصفه ب"التطاول علي المقامات الدينية، في تظاهرات رابعة العدوية"، وقال إن التطاول علي الأزهر والكنيسة "خط أحمر". وكان الداعية د. صفوت حجازي قد وجه ثلاث رسائل من علي منصة مليونية "لا للعنف"، بينها رسالة إلي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قال فيها لفضيلته: "أنت من أفتيت بأن الخروج علي الحاكم حرام قبل أن يتنحي مبارك.. هل مازلت عضواً في لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، لكي تصدر فتوي تقول فيها اليوم بعد أن سقط مبارك إن التظاهر في 30 يونيو والخروج علي الحاكم الشرعي المنتخب حلال، مؤكداً أن هذه فتوي باطلة وهناك فرق كبير بين الأزهر وشيخ الأزهر، حسبما قال". كما وجه رسالة أخري إلي بابا الأقباط تواضروس الثاني، قال فيها: "الرئيس محمد مرسي رئيسك ورئيس كل الشعب المصري ورئيس الكنيسة المصرية ولو الإخوة المسيحيين نازلين يوم 30 يونيو، فإننا كمسلمين سوف نحمي كنائسهم ومحلاتهم وممتلكاتهم". وفي أول رد فعل لها علي هذه التصريحات ردت مشيخة الأزهر، ببيان شديد اللهجة، جاء فيه: أن ما يحدث الآن ما هو إلا ترد لأحوال الدعوة الدينية، واصفاً الهجوم الذي شن علي الإمام الأكبر، بأنه ثمرة خيال سقيم وعقل مريض، فإن شيخ الأزهر لم يدع للخروج علي رئيس الجمهورية المنتخب، لكنه في ظروف احتقان وحشد متبادل، في الوقت نفسه قرر ما يجمع عليه فقهاء الإسلام من النهي عن تكفير الخارجين بالقوة ، أما المعارضة السلمية فلا خلاف بين المسلمين في جوازها أو مشروعيتها، بل هو ما تكفله الآن القوانين والدساتير، فهل يريدون من شيخ الأزهر أن يغير أحكام الشرع! بينما أكد القس عزمي جوهر، عضو لجنة الحوار بالكنيسة الإنجيلية، في تصريحات له، أن مليونية "لا للعنف" كانت برائحة العنف وتحولت إلي مليونية طائفية تشعرك كأنها كانت لنصرة الإسلام، متسائلاً: هل الإسلام في خطر أو تعرض للإساءة؟! في السياق، انتقد عدد كبير من القنوات الفضائية الخاصة، تعاطي التلفزيون الرسمي مع تغطية أحداث الجمعة، حيث اكتفي بالتركيز علي مليونية "لا للعنف" في حين تجاهل تظاهرات ومسيرات أخري نظمها معارضون للنظام ومطالبون بنزول الجيش، كما أثارت بعض التفاصيل التي تضمنتها تظاهرات مليونية "لا للعنف" حفيظة الكثيرين، ففي الوقت الذي حملت فيه المليونية شعاراً يرفض التحريض والعنف، نقل الصور التلفزيونية مشاهد تحريضية واضحة ضد عدد من الإعلاميين، حيث رفع المتظاهرون لافتة تضمنت صوراً لعدد من الإعلاميين ملفوفة أعناقهم بالمشانق، وهتفوا عبر مكبرات الصوت علي المنصة الرئيسية للمليونية ضدهم. ولم يكن ذلك هو المشهد الوحيد المؤسف، بل رفع آخرون لافتة تضمنت قائمة بأسماء المعارضين لهم من الإعلاميين والسياسيين والرياضيين حول اسم شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، في سابقة لم تحدث من قبل، ومن بين هذه الأسماء: حسني مبارك، وبشار الأسد، وأحمد الزند، وحسن نصر الله، ومحمد البرادعي وعمرو موسي وحمدين صباحي وأحمد شفيق وخالد صلاح ومجدي الجلاد ولميس الحديدي وعمرو أديب وباسم يوسف وإبراهيم عيسي وثروت الخرباوي وأحمد شوبير ومدحت شلبي وعمرو حمزاوي وإلهام شاهين وغادة عبدالرازق، وغيرهم. كما رفع المتظاهرون لافتة أخري عليها صور لعدد من الإعلاميين تحت عبارة "العصابة" تضمنت قيمة الراتب الذي يتقاضه كل إعلامي إلي جوار صورته، وضمت اللافتة صوراً لكل من الإعلاميين عمرو أديب، ولميس الحديدي، ومحمود سعد، وباسم يوسف، وخيري رمضان، ووائل الإبراشي، بينما مارست حشود من المتظاهرين "العنف اللفظي" ضد رموز المعارضة.