تعرض الإخوان المسلمون منذ عام 4591 لتسع محاكمات عسكرية حتي الآن.. وكانت المحاكمة العسكرية الأولي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر في عام 4591، حيث تعرض جمال عبدالناصر لمحاولة اغتيال في الحادث الذي عرف ب »حادث المنشية« في محافظة الاسكندرية.. اتهمت السلطات حينذاك جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء الحادث.. وبدأت سلسلة اعتقالات واسعة اعتبارا من يوم 9 نوفمبر 4591 لأفراد الجماعة ورموزها وقادتها.. وصدرت ضدهم أحكام بالسجن بدأت من عشر سنوات إلي الأشغال الشاقة المؤبدة.. وصدرت في حق سبعة من أعضاء الجماعة البارزين أحكام بالاعدام وهم: محمود عبداللطيف يوسف طلعت إبراهيم الطيب هنداوي دوير محمد فرغلي عبدالقادر عودة، والمرشد حسن الهضيبي الذي خفف الحكم عليه إلي الأشغال الشاقة المؤبدة. وقد نظرت قضية الإخوان الأولي عام 4591 أمام ماعرف في حينها ب »محكمة الشعب« ذات الطبيعة العسكرية برئاسة جمال سالم وعضوية حسين الشافعي وأنور السادات.. وانتهت القضية في 4 ديسمبر 4591.. وكان من بين من حكم عليهم محمد مهدي عاكف الذي حكم عليه بالسجن المؤبد، لكنه خرج عام 4791 في عهد الرئيس أنور السادات بعد أن قضي عشرين عاما في السجون.. في الحلقة الماضية قدمنا صورة لقاضي المحكمة قائد الجناح جمال سالم، عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس محكمة الشعب، الذي لعب دور البطولة في هذه المحاكمة وخلق جوا من الرهبة يذكر بمحاكم التفتيش.. ولقد رسم المهندس سيد مرعي صورة بريشته لرئيس محكمة الشعب الذي جرت محاكمة الإخوان المسلمين أمامه، والذي عرفه حق المعرفة.. ولهذا كان جمال سالم علي وجه التحقيق آخر من يصلح لرئاسة محكمة الشعب. وكان لابد والأمر كذلك أن تشهد المحاكمات صورا ومهازل يندي لها الجبين.. وفي السطور التالية بعض المهازل.. أو الصور المبكية علي مصرع العدالة.. ونحن ننقلها كما نشرتها الصحف في ذلك الوقت وهي تنشر كل تفاصيل محاكمة الإخوان. خلال سماع أقوال علي نويتو أحد أعضاء الجهاز السري للإخوان وأثناء مناقشته عن هدف الجهاز.. قال الشاهد إن الغرض من الجهاز هو تدريب شباب الإخوان المسلمين لتكوين جيش إسلامي لمعاونة حركات التحرر في الدول الإسلامية كالجزائر وتونس.. كما كان يتدرب الإخوان ليساهموا في معارك فلسطين ومعارك القناة ضد قوات الاحتلال. سنواجه الشاهد بأقواله في التحقيق إذ قرر مايأتي.. ووقف المدعي العام وقال: »الجيش الإسلامي كان سيقاوم الحكومة التي لا تحكم بالقرآن، وأحضروا إلينا الأسلحة للتدريب العسكري، أما عن الخطة فكانوا بيقولوا لازم الشعب كله يقوم بثورة«. وقال علي نويتو: مش دي أقوالي؟ وصرخ فيه رئيس المحكمة: مش مضيت علي أقوالك؟ ويرد الشاهد: أنا ماقرأتش الأقوال دي. ويضحك رئيس المحكمة ويقول للمدعي: ياريت كنتم خليتوه يوقع علي شيك ب005 جنيه. ويرد المدعي ضاحكا: ياريت ياأفندم ولم يحقق رئيس الحكمة أقوال الشاهد.. ولا كيفية توقيعه علي أقوال لم يقلها.. ويشرح المستشار صالح أبورقيق هذه النقطة فيقول أن كل متهم من أعضاء الإخوان المسلمين كانوا يرغمونه علي التوقيع علي أقواله.. دون سماعها.. كانوا يوجهون الأسئلة علي الورق.. ويضعون لها الإجابة.. ثم يكلفون المتهم بالتوقيع.. ومن كان يحاول أن يقرأ أو يعترض يتعرض لكل أصناف التعذيب. وكانت تلك صورة تتكرر مع كل شاهد.. ومع كل متهم.. كان رئيس المحكمة جمال سالم لم يعتقد أبدا أن الأوراق التي أمامه وعليها توقيعات الشهود ممكن أن تكون أقوالا مزيفة أرغم علي توقيعها الشاهد.. كان لايخطر بباله أبدا هو أو عضوي المحكمة أن يكون عبدالناصر هو الذي رسم خيوط كل المؤامرة.. تماما كما اعتقد جميع زملائه أن ثورة الشعب والمظاهرات في أزمة مارس السابق علي إعادة الديمقراطية والحياة الحرة وعودة الضباط إلي ثكناتهم كانت ثورة تلقائية سببها تعلق الشعب بها.. ثم اكتشفوا بعد ذلك أنها كانت ثورة مدبرة دفع أجر لقيامها 4 آلاف جنيه إلي الصاوي أحمد الصاوي رئيس عمال النقل.. وأن الذين حركوا المظاهرات هم مجموعة الضباط الذين جمعهم عبدالناصر من غرز الحشيش والمواخير.. كما وصفهم لكمال الدين حسين. ولعل الدليل الأكيد علي أن الرئيس الأسبق عبدالناصر كان لاينقل إلي زملائه الحقيقة أبدا.. إنما كان يعطيهم دائما الصورة التي يرسمها بنفسه.. هو ماحدث خلال جلسات تلك المحاكمات عندما كان المرحوم منير الدلة أحد زعماء الإخوان المسلمين، وواحد ممن كانوا علي صلة بعبدالناصر حتي أنه رشحه للوزارة في عام 3591.. يدلي بشهادته أمام المحكمة.. ودار بين رئيس المحكمة وبينه الحوار التالي: سأله رئيس المحكمة: هل تذكر يوم مارحت مع صلاح شادي إلي جمال عبدالناصر في سنة 3591 وطلبتم منه أن تعرض عليكم مشروعات القوانين قبل صدورها؟ وأجاب منير الدلة: إحنا رحنا قابلنا الرئيس عبدالناصر لنبدي له أن الإخوان المسلمين يؤيدون الثورة، وتطرق الحديث بين السيد الرئيس وبين صلاح شادي إلي موضوع القوانين وقال له صلاح حبذا لو عرض الحاكم مشروعات القوانين علي الشعب قبل إصدارها.. ودا كان رأيي شخصي ولم يكن رأي الجماعة. وقاطعه جمال سالم صارخا: أنتم قلتم لازم الحكومة تعرض القوانين علي الجماعة فقال لكم الحكومة لاتقبل وصاية الإخوان والحكومة تمثل الشعب أكثر من الإخوان. ورد الشاهد: أنا أقسمت علي كلامي. ولم يتركه جمال سالم يكمل بل قاطعه قائلا: إحنا كمان أقسمنا اليمين بيننا وبين ربنا. فقال الشاهد: أنا أروي الواقعة كما حدثت فصرخ جمال سالم: كلامك ده فيه نوع من الاتهام لجمال عبدالناصر أنه مش عارف ينقل الكلام صح. وروي صلاح شادي لمصادر مقربة منه تفاصيل هذه المقابلة وحقيقة إذا كان الإخوان أرادوا الوصاية علي الحكومة كما أفهم عبدالناصر زملاءه وشحن مشاعرهم ضد الإخوان. قال الرجل الذي أمضي 02 عاما كاملة في الليمان لأنه كان ينصح عبدالناصر وأخذ عليه عهدا ليلة قيام الثورة أن تكون الثورة لله ولتطبيق شرع الله.. قال: حقيقة ذهبت أنا والمرحوم منير الدلة إلي عبدالناصر في مجلس قيادة الثورة بعد حل الأحزاب في عام 3591.. وكان من المقرر أن يجتمع بأعضاء مجلس الثورة في ذلك اليوم.. وكنا نتحدث بصراحة وبدون كلفة.. بمعني أن أناديه باسمه ويناديني باسمي.. قلت له: إن الموجة الوطنية جارفة وأخشي أن تندفع مع الموجة علي غير بصيرة وتخطئ.. وأخذت أشرح له تاريخ حركة كمال أتاتورك وانتكاسها لانفراده بالرأي.. وقلت له.. وأنا مازلت أذكر نص كلماتي: ياجمال.. قد تكون قوة صالحة.. ولكن يجب أن تضع نفسك في الموضع المناسب.. فالحصان القوي مكانه أمام العربة وليس خلفها.. فإذا أردت تأييد الشعب يجب عليك أن تعرض عليه رأيك، والرأي الصالح لابد أن يمشي.. أما أن تصدر القرار وتطلب من الشعب أن يصفق فهذا هو الخطأ بعينه. وفاجأني عبدالناصر باقتراحه: نعمل لجنة مننا ومنكم تعرض عليها القوانين. فقلت له: لا.. أعرضها علي الشعب. فقال: طيب نعمل لجنة ونضع فيها الشيخ الغزالي. ولم أعلق علي هذا الاقتراح.. وتركنا عبدالناصر وانصرف إلي اجتماع مجلس قيادة الثورة.. وبعد انصرافه بدقائق جاءنا الصاغ وحيد رمضان وقال لي إن عبدالناصردخل الجلسة متظاهرا بالثورة من مقابلته معنا وقال لزملائه: تصوروا الإخوان باعتين صلاح شادي ومنير الدلة عايزين يفرضوا وصاية علينا.. تصوروا.. وتعجبت من تصرف عبدالناصر.. ورويت لوحيد رمضان تفاصيل الحديث ثم انصرفنا. وانتهت بذلك رواية صلاح شادي التي أكدت ماكان جمال سالم لايتصوره من أن عبدالناصر لاينقل لهم الكلام صح كما حدث..