جامعة القاهرة عند الحديث عن أهم معالم القاهرة الحديثة لايمكن إغفال أنها هبة فيضانات النيل المتعاقبة علي فترات تاريخية وصلت لحوالي 1325 سنة فقد استحدثت النصف الغربي بالكامل من القاهرة، حددها بعض المؤرخين ب8 مراحل لهذا الطرح والبعض الآخر وصل بها إلي 9 مراحل وهذا الاختلاف راجع إلي أن الطرح التاسع تم بطريقة صناعية وليس بفعل التربة المتجددة التي يجلبها فيضان النهر معه ..والذي لايعرفه الكثيرون أن هذا الطرح غير الطبيعي كان وراء بناء أهم معالم الجيزة الأقدم إنشائيا والأعظم تأثيرا وهي جامعة القاهرة بكلياتها وحديقتا الأورمان والحيوان وهيئة المساحة ووزارة الزراعة والمتحف الزراعي ومديرية أمن الجيزة. ومن خلال دراسة هامة قام بها الدكتور جمال فتحي مدير عام البحث العلمي والأثري بوزارة الآثار، أكد فيها أن النصف الغربي من القاهرة الحديثة.. هبة فيضانات النيل المتعاقبة وهي الجزء الأكبر مساحة والأعظم عمرانا والأكثر حداثة. في حين ذكر أن هذه المناطق والأحياء تقع غرب ضفة نهرالنيل الشرقية ومنها منطقة الدقي بالجيزة (والتي ألحقت بها إداريا) فقد استحدثت نتيجة التحويل الصناعي لمجري النهر بالجانب الغربي وعن هذا الطرح يقول الدكتور فتحي ، منذ حوالي 150 سنة حدث هذا الطرح (1287ه 1863م) بطريقة هندسية (صناعية) بالجانب الغربي بمحافظة الجيزة وبمحاذاة جزيرتي الروضة والجزيرة الوسطي (الزمالك حاليا). أما عن السبب وراء أحداث هذا الطرح أو بمعني أدق تحويل مجري نهر النيل الرئيسي صوب القاهرة ، فيوضح الدكتور فتحي أن الخديو إسماعيل قد عزم علي إجراء تجديدات وتغييرات في ملامح عاصمة القطر المصري في عهده ، في محاولة منه أن يجعل من القاهرة عاصمة علي الطراز الأوربي وأن تكون القاهرة عاصمة الشرق مثل باريس التي كانت آنذاك مدينة النور عاصمة الغرب ، مضيفا أن الخديو أراد في قرارة نفسه أن يكون نهر النيل يتوسط العاصمة كما يتوسط نهر السين العاصمة الفرنسية باريس ، لذلك فقد بدأ في تنفيذ برنامج شامل للتطوير والتغيير وقد عمل علي باشا مبارك مدة من الزمن في تنفيذ هذا البرنامج ، ونظرا لأن مجري النهر الرئيسي عند جزيرتي الروضة والجزيرة الوسطي ، كان بالجهة الغربية بالساحل الغربي للنهر حيث كان النيل حوالي عام 1800م واقعا تحت مساكن مدينة الجيزة ويسير مائلا نحو الغرب قليلا ، فيمر شرق مبني كلية الزراعة ثم يسير مخترقا أرض حديقة الحيوان ثم يمر شرق مبني كلية الهندسة إلي أن يصل إلي شارع الدقي ويحاذيه من الجهة الشرقية ثم يسير شرق مبني وزارة الزراعة والمتحف الزراعي ثم عزبة الحوتية ثم يسير نحو الشرق حتي يتلاقي بمجراه الحالي جنوب مساكن مدينة إمبابة ، ويذكر الجغرافي محمد رمزي بأن آثار الجسر الغربي القديم لنهر النيل لاتزال موجودة بين الدقي وإمبابة ، كما هو مبين علي خريطة القاهرة (1349ه / 1930م).ويتابع الدكتور فتحي علي أي حال فقد بدأت عملية تحويل مجري نهر النيل أواخر عام1863م وانتهت بعد عام ونصف العام فقط، حيث أقيم جسر من الأحجار والمصدات بإزاء الساحل الغربي ابتداء من الجيزةجنوبا وحتي إمبابة شمالا في نفس موضع شارع النيل أو الكورنيش حاليا، وكان الهدف من إقامة هذه الجسور والسدود والمصدات هو توجيه التيارات المائية نحو الشرق، لذلك فقد اندفعت المياه بشدة نحو الساحل الشرقي للنيل والذي تشرف عليه القاهرة حتي تبدلت الأوضاع تماما، فأصبح الفرع الشرقي هو الأكبر والأوسع بينما تحول الفرع الغربي الرئيسي إلي سيالة ضيقة للمياه أطلق عليها العامة فيما بعد البحر الأعمي نظرا لفقده المياه تشبيها بمن يفقد بصره! أما عن أهم نتائج هذا الطرح الذي جاء نتيجة عمل هندسي صناعي.. فيؤكد الدكتور فتحي انحسار مياه النيل عن أراض شاسعة بالبر الغربي والتي تمتد ما بين شارع الجيزة وشارع المنيل (شارع فاروق الأول سابقا) علي النيل في المسافة الواقعة بين كوبري الجيزة (عباس سابقا) وبين كوبري إمبابة مرورا بكوبري الجلاء (كوبري فم البحر الأعمي سابقا)، وكوبري الزمالك ومنطقة الكيت كات. ويشير الدكتور فتحي إلي أن الأماكن السابق ذكرها هي المساحة الشرقية للطرح الصناعي ولها ظهير داخلي تتفاوت أعماقه من منطقة لأخري وتمتد هذه المساحة من الشرق إلي الغرب، فمن الشاطئ والجسر الجديد شرقا إلي بولاق الدكرور والعجوزة غربا، وكانت المنطقة الجنوبية من هذا الطرح مرتفعة نسبيا عن سائر أراضي الطرح، فتم إسناد أمر ردمها إلي شركة فرنسية. وأما الجزء الشمالي الواقع في المسافة بين شارع ثروت وإمبابة، فقد غمرته مياه الفيضانات المتتالية حتي تم طمرها بطرق متنوعة وأصبحت أراضي زراعية من أجود الأراضي ويتوسطها قريتا العجوزة والحوتية. ولم تكن هذه النتيجة الوحيدة لهذا الطرح كما يقول الدكتور فتحي ولكن عندما انحدرت مياه النهر بشدة نحو الجانب الشرقي وكان في طريقها الجزء الجنوبي من الجزيرة الوسطي (الزمالك حاليا )، فالتهم التيار المائي الأجزاء الجنوبية منها وكذلك ساحلها الشرقي والذي حدث أن أضاف التيار ماحمله من طمي وتربة من هذا الموضع إلي رأس الجزيرة في الجهة الشمالية حتي تغيرت ملامح الجزيرة من شكل عرضي بالمجري إلي شكل طولي حيث استطالت وأصبحت علي ماهي عليه الآن. أما عن أشهر المنشآت الناتجة عن الطرح بالضفة الغربية من النهر والتي تمثل أهم معالم الجيزة الحديثة.. كما يري الدكتور فتحي فهي مباني جامعة القاهرة أو جامعة فؤاد الأول سابقا وهي ثاني أقدم الجامعات المصرية والعربية بعد جامعة الأزهر وتقع في الجيزة غرب القاهرة ومن أقدم كليات الجامعة، كلية الزراعة وكلية الهندسة، وهناك حديقة الأورمان التي تقع أمام حديقة الحيوان وتعتبر من أكبر الحدائق النباتية في العالم، حيث إنها أقيمت علي مساحة 95 فدانا عام 1879م، وتضم الحديقة مجموعة نادرة من الأشجار والنخيل، وقد أقامها الخديو إسماعيل بهدف إمداد القصور الخديوية بالفاكهة والموالح والخضر والتي تم استجلابها من جزيرة صقلية وكانت الحديقة جزءا من قصر الخديو الذي عرف آنذاك بسراي الجيزة، وقد استقطع منها جزءا لإقامة واحدة من أقدم حدائق الحيوان في العالم وبينهما يقع تمثال نهضة مصر رمز الوطنية ، ويضيف الدكتور فتحي وهناك مبني وزارة الزراعة بملحقاته والذي تبرعت به الأميرة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل وكان أحد قصورها إلي جانب تبرعها بسرايا المتحف الزراعي وأرض جامعة القاهرة وغيرها وذلك لأنها كانت تمتلك معظم هذه الأراضي التي ورثتها عن والدها وهناك مباني هيئة المساحة ومبني مديرية أمن الجيزة والعديد من المباني الهامة الحديثة بالمحافظة. وأخيرا يؤكد الدكتور فتحي أن نتيجة لهذا التحول الصناعي للنهر بالجانب الغربي واتجاه التيار المائي نحو الشرق، فقد ضعف التيار المائي بالساحل الغربي وحدث إطماء وانحسار المياه عن الجزء الواقع بين شارع النيل ثم احتفظ كل من الشاطئين الغربي والشرقي للنيل بحالتهما منذ أواخر القرن التاسع عشر حتي الآن دونما تغيير بسبب التمكن من السيطرة علي مياه النيل وضبطه بعد بناء السد العالي.