رحل عن دنيانا في الأسبوع الماضي رجل دين مسيحي من طراز خاص، فقد كان أحد رموز الكنيسة القبطية الوطنية البارزين، وكانت أهم صفاته ذلك التحيز الواضح للطبقات الفقيرة، إنه القس بولس باسيلي الذي حمل بين طياته طوال تاريخه الوطني المشرف رسالة حب وسلام بين المسيحية والإسلام، وظل يرفرف بها علي كل من يلقاه: مسلمين.. وأقباطا.. وقد يندهش قاريء هذه السطور عندما يعلم أن القس بولس باسيلي يعتبر أول كاهن مسيحي يدخل مجلس الشعب بالانتخاب الحر المباشر، عندما أجمع عليه أهالي دائرة شبرا عام 1971 علي اختلاف طبقاتهم ودياناتهم ليمثلهم تحت قبة البرلمان، وكان منافسه مليونيرا مسلما، لكنهم اختاروه لتواضعه، وتفانيه في خدمة الفقراء، ومواصلته للخدمة الإنسانية من خلال تأسيسه لجمعية الكرمة لرعاية المكفوفين والمسنين والمغتربين من الجنسين، ومع حلول شهر رمضان كل عام، كان يقيم حفل إفطار للوحدة الوطنية داخل جمعيته بشبرا يحضرها الكثير من رموز المسلمين والأقباط والشخصيات العامة والطبقات الفقيرة أيضا. وكان يؤمن إيمانا راسخا أن الاختلاف في الدين لم يكن حائلا دون تلاحم عنصري الأمة وتعايشهما في حب وسلام، وذكر لي أكثر من مرة كصديق عرفته منذ حوالي 30سنة أن التاريخ شاهد بأن هناك كنائس بناها مسلمون، ومساجد بناها مسيحيون، وأن كثيرين من حكام المسلمين كانوا يرصدون الهبات والأوقاف علي كنائس الأقباط وأديرتهم، ويعنون عناية خاصة ببنائها وترميمها. حصل زميلنا القس بولس باسيلي (فهو عضو بنقابة الصحفيين) علي نوط الامتياز من الدرجة الأولي، والعديد من الأوسمة وشهادات التقدير من مصر وخارجها، وعرف بصداقته الحميمة لمشايخ الأزهر، ومعظم مؤلفاته التي تجاوزت عشرين كتابا تحكي ذكريات وتواريخ ووثائق وشهادات علي عصور الوحدة الوطنية.