مشاهد للقمع فى المظاهرات التى نظمتها حركة احتلوا وول ستريت الكيل بمكيالين هو عنوان الاستراتيجية التي تنتهجها الولاياتالمتحدة في تعاملها مع دول العالم، ففي حين أدان البيت الأبيض قبل أيام الاعتداء علي النساء في التظاهرات التي تشهدها مصر، لم تكن أمريكا نفسها وهي بلد الحريات بمنأي عن تلك الخطيئة في حق نون النسوة في بلاد العم سام، ولعل أبرز مثال علي ذلك هو ما تابعه العالم أجمع علي شاشات المحطات الإخبارية من مشاهد قمع شديد واعتداء وحشي علي النساء في التظاهرات التي شهدها شارع »وول ستريت« في سبتمبر 1102 عقب اندلاع ثورات الربيع في عدد من الدول العربية، ما يجعل انتقاد الإدارة الأمريكية الأخير، مثيراً للدهشة ويؤكد أنه بحسب المثل الدارج في مصر أن »البيت الأبيض من زجاج«، ومن كان بيته من زجاج لا يجب أن يرمي الناس بالحجارة. لا يكاد يختلف أحد علي رفض التعامل بعنف مع مَنْ يخرج للتظاهر السلمي تعبيراً عن رأيه، ولم يؤيد أحد ما تعرضت له المرأة المصرية من اعتداءات سواء إبان ثورة يناير 1102 أو ما تلاها من أحداث متوالية وصلت ذروتها بتعرض فتيات للتحرش الجماعي والاغتصاب أثناء مشاركتهن في فعاليات الذكري الثانية للثورة، انتهاء بالمشهد المؤسف الذي لطم فيه شاب ينتمي إلي جماعة "الإخوان المسلمين" وجه ناشطة سياسية وطرحها أرضاً، خلال الاشتباكات التي شهدها محيط مقر مكتب إرشاد الجماعة قبل أكثر من أسبوعين. إلا أن موقف الإدارة الأمريكية الأخير من إدانة هذه الوقائع أثار العديد من التساؤلات بشأن قيام البيت الأبيض بدور "راعي الحريات في العالم" بينما كان الأجدي أن يخرج ببيان يدين فيه العنف الذي يمارس ضد المرأة في أمريكا. وكان البيت الأبيض قد أدان مطلع الأسبوع الجاري الاعتداءات التي تعرضت لها نساء في تظاهرات شهدتها مصر في الآونة الأخيرة، ودعا الحكومة المصرية إلي منع العنف الجنسي وملاحقة المسئولين عن هذه الاعتداءات. وقال نائب السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش إرنست في تصريحات إعلامية إن الولاياتالمتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء تقارير عن حوادث اغتصاب واعتداءات جنسية في ميادين عامة في مصر. وأضاف "وقعت حوادث عنف جنسي بينها اغتصاب جماعي أثناء مظاهرات نظمت في الآونة الأخيرة في مصر. هذا مبعث قلق بالغ للولايات المتحدة والمجتمع الدولي ولكثير من المصريين. هؤلاء الضحايا أمهات وزوجات وبنات وشقيقات." وقال إرنست الذي كان يتحدث علي متن طائرة الرئاسة الأمريكية التي أقلت الرئيس باراك أوباما من واشنطن إلي ميامي إن الحكومة المصرية مسؤولة عن اتخاذ إجراءات قانونية لمنع العنف الجنسي ومحاكمة المشاركين في هذه الجرائم. وتابع "إنه لأمر مقزز أن يلقي بعض المصريين باللوم علي ضحايا الاغتصاب والاعتداءات في ذلك. ندين بقوة هذه الآراء ونؤكد من جديد حق النساء في التعبير عن أنفسهن في الميادين العامة إلي جانب الرجال." وكانت جماعات حقوقية رصدت وأبلغت عن 81 حالة اعتداء جنسي تعرضت لها نساء خلال التظاهرات التي نُظمت في يناير الماضي احتفالاً بالذكري الثانية لثورة يناير 1102. الفتاة المسحولة أما المشهد الأكثر شهرة للاعتداء علي النساء في مصر، فكان مشهد "الفتاة المسحولة" علي يد قوات الجيش في ديسمبر 1102 إبان تولي القوات المسلحة إدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية بعد سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، ورغم أن هذه الواقعة تواكبت زمنياً مع أحداث قمع للنساء في الولاياتالمتحدة نظمتها حركة "احتلوا وول ستريت" في نيويورك، إلا أن وزيرة الخارجية الأمريكية وقتذاك هيلاري كلينتون، أعمت عينها عن مشاهد الاعتداء علي بنات جلدتها، وفضلت إدانة واقعة "فتاة مصر المسحولة"، حينما تخلت كلينتون عن دبلوماسيتها المعهودة، وأدانت بشدة العنف الذي يمارس ضد النساء خلال تظاهرات وقعت في ميدان التحرير، للفتاة المحجبة التي سحلتها قوات الجيش علي الأرض إلي أن تمزقت ملابسها وتعري جسدها، ووصفت كلينتون الواقعة حينئذ بأنها "صدمة ووصمة عار وجريمة". واتهمت كلينتون في كلمة ألقتها بجامعة جورج تاون حول دور النساء في حل النزاعات وتحقيق السلام، السلطات المصرية بإساءة معاملة المرأة وإذلالها في الشوارع، ولفتت إلي أن "هذا الحط المنتظم لمكانة المرأة المصرية يخزي الثورة ووصمة عار علي الدولة وجيشها وليس جديراً بشعب عظيم". ويبدو أن الحكومة المصرية في المقابل أدركت "خبث" هذه التصريحات الأمريكية، وهو ما تُرجم علي الفور برد واضح من جانب وزير الخارجية المصري وقتذاك محمد كامل عمرو علي تصريحات نظيرته الأمريكية بقوله "إن القاهرة لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية"، وتعاود كلينتون الرد علي تصريحات مصر بالتأكيد علي أن ما أدلت به من تصريحات في هذا الصدد "ضرورية وليست تدخلاً في شؤون الدول الأخري". وول ستريت قمع المحتجين السلميين لا يرضي أحداً، ودائماً ما تخرج الحكومة المصرية والدوائر السياسية المختلفة بتصريحات وبيانات إدانة لأي خروقات في هذا الشأن في مصر، ولكن ظهور مثل هذه التجاوزات في الشارع المصري قد يكون سببه حالة التوتر الميداني التي يشهدها الشارع منذ قيام ثورة يناير 1102 وكذا حالة الاحتقان المستمرة بين الحكومة والنظام برمته من جهة، والتيارات والأحزاب السياسية من جهة أخري، وهو ما أدي إلي فوران الشارع وتقسيمه بالتبعية إلي جبهات متناحرة مختلفة الرؤي والتوجهات، وكذا حالات الاحتشاد الدائمة في الشارع بسبب الاعتراض علي قرارات سياسية معينة أو تنظيم وقفات احتجاجية فئوية، تضطر معها قوات الشرطة للتواجد في حالة تأهب قصوي علي مدار ساعات طويلة، وهو ما قد ينتج عنه حالات انفلات من جانب الشرطة والمحتجين تنتهي بمشاهد مؤسفة كتلك التي نتابعها بين الحين والآخر. وعلي الرغم من أن جهاز الشرطة هو المنوط به حفظ الأمن وحماية المواطنين في تظاهرات سلمية، إلا أن ما يقع من أحداث مؤسفة بحق المتظاهرين عموماً أو النساء علي وجه التحديد، يثر غضب الجميع وبخاصة الناشطون السياسيون والعاملون في مجال حقوق الإنسان باعتبار أن هذه التجاوزات سواء كانت من جانب الأمن أو مجهولين يستهدفون النساء في فعاليات ميدانية، تتعارض مع حق التظاهر السلمي المكفول بالدستور. أما الدول المتشدقة بالحرية ورافعة لواء الديموقراطية والمنادية بحماية حقوق المرأة، مثل الولاياتالمتحدة، فليس لديها أي مبرر أو سبب يدفعها إلي قمع النساء، وقد كانت أحداث شارع "وول ستريت" خير شاهد علي الطريقة الوحشية التي تعاملت بها الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين ومن بينهم النساء لقمع احتجاجاتهم التي خرجت في سبتمبر 1102 اعتراضاً علي السياسات الاقتصادية في البلاد، وكشفت أمريكا عن وجهها القبيح حينما تجاوزت المدي في قمع النساء المشاركات في هذه التظاهرات بطريقة وحشية، استخدمت فيها كل الوسائل المتاحة لفض اعتصامات المتظاهرين، من ضرب بالهراوات وقنابل مسيلة للدموع وغيرها، في مشهد أدهش سكان العالم الثالث من الطريقة الوحشية التي تتعامل بها دولة الديمقراطية الأولي في العالم مع شعبها الغاضب. وتعتبر حركة احتلوا وول ستريت أو Occupy Wall Street حركة احتجاجية تدعو إلي احتلال شارع المال "وول ستريت" في مدينة نيويوركبالولاياتالمتحدة، وقد بدأت التظاهرات هناك عندما دعا إليها نشطاء علي موقعي التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر"، وذلك تأثراً بحركة ثورات الربيع العربي في العام1102 وفي 51 أكتوبر دُعيَ إلي عولمة المظاهرات لتصبح حدثاً عالمياً يستهدف جميع مدن وبلدان الأرض، ما أدي إلي خروج التظاهرات في أكثر من ألف مدينة في 52 دولة تضم بعضاً من أكبر اقتصادات العالم، وتوسعت الحركة لتتحول إلي حركة عالمية. يذكر أن احتجاجات أمريكا بدأت بمسيرة صغيرة في 71 سبتمبر 1102 في "وول ستريت" حيث شارك فيها قرابة مئة شخص، واستمرت أعدادهم في التنامي شيئاً فشيئاً علي مدي أسبوع، حتي جاءت الشرطة واعتقلت منهم نحو 08 شخصاً في 42 سبتمبر 1102 بحجة "عرقلة حركة المرور". وبعد هذا الاعتقال الجماعي الأول من نوعه ترك المحتجون "وول ستريت" واتجهوا إلي ساحة في "حديقة زوكوتي" المُجاورة، وأصبحت هذه الساحة هي معقلهم الرئيسي حيثُ ابتعدت عنهم الشرطة نظراً إلي أن الحديقة مكان عام يُفترض أن يفتتح طوال اليوم. وفي 03 سبتمبر 1102 قادت الحركة مسيرة إلي مقر شرطة نيويورك احتجاجاً علي الاعتقالات المستمرة، ثم حاولت قيادة مسيرة أخري شارك فيها نحو ألفي متظاهر عبر جسر بروكلين، لكن الشرطة اعتقلت 007 شخص منهم بحجة عرقلة المرور أيضاً، علي الرغم من الإفراج عن معظمهم بعدها بساعات. وفي 51 أكتوبر وبعد أسبوع من الدعوات المسبقة انتشرت الاحتجاجات للمرة الأولي لتشمل جميع مدن العالم، إذ خرجت المظاهرات في أكثر من 0051 مدينة حول العالم مئة منها في الولاياتالمتحدة وحدها، وتحولت المظاهرات إلي اشتباكات عنيفة في العاصمة الإيطالية روما وغيرها من المدن الأوروبية. وعلي الرغم من انحسار المظاهرات قليلاً بعد ذلك اليوم فقد استمرَّت الاعتصامات ببعض المدن الأمريكية خصوصاً نيويوركوواشنطن طوالَ الأسبوع التالي، لكن الشرطة هاجمت الاعتصامات مجدداً في 61 أكتوبر واعتقلت أكثر من 003 متظاهر في أمريكا. إعلام أمريكا المتناقض وهكذا تتضح حالة التناقض الغريب ما بين هرولة الإعلام الغربي إلي رصد أدق تفاصيل قمع الحريات في مصر والعالم العربي، ومن ورائه جمعيات حقوق الإنسان التي يدار معظمها بالأساس من واشنطن، في مقابل تعامل هذا الإعلام ذاته مع قضايا المرأة في أمريكا علي استحياء، ففي حين اندلعت تظاهرات "وول ستريت" وتعاملت معها الشرطة الأمريكية بعنف شديد أصيب الإعلام الأمريكي بحالة "خرس" إلي أن فضحتها صفحات التواصل الاجتماعي التي نشرت فيديوهات تكشف فضائح الشرطة في التعامل مع نون النسوة من بنات العم سام.. وبما يؤكد المثل الشعبي الدارج "اللي بيته من إزاز ميحدفش الناس بالطوب"، ويبدو أن البيت الأبيض من زجاج، يبقي الحال من بعضه!