جاء قرار التحفظ علي أموال 21 رجل أعمال ثم إلغاؤه بمثابة صدمة للعاملين في البورصة وللاقتصاد المصري ككل ليعكس مدي التخبط في القرارات في البلاد في ظل المخاوف من أن تكون هذه القرارات العشوائية بابا طاردا للاستثمارات الأجنبية من البلاد.. وكان النائب العام قد أصدر الأسبوع الماضي قرارا بمنع 21 رجل أعمال من التصرف في أموالهم علي ذمة التحقيقات في قضية التلاعب بأموال البورصة والتربح في صفقة بيع البنك الوطني المصري لبنك الكويت الوطني. وتضم القضية 21 شخصية من كبار رجال الأعمال في مصر والسعودية وأعضاء في مجلس إدارة البنك المصري وبعض أعضاء شركات تداول الأوراق المالية وعملاء لتلك الشركات. ونسبت النيابة إليهم أنهم استغلوا علمهم بالمعلومة الداخلية الخاصة ببيع البنك الوطني المصري، وتربحوا جراء ذلك باستحواذهم علي حجم كبير من الأسهم وبيعها لاحقا بأسعار عالية. ومن جانبه، أكد خبير البورصة محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار، أن قرار التحفظ علي أموال 21 من رجال الأعمال العرب والمصريين دفع بأسهم البورصة إلي التهاوي إلي أسعار تقل عن قيمتها الفعلية، ما دفع العديد من المستثمرين إلي البيع العشوائي. وأوضح أن استثمارات هؤلاء تبلغ قيمتها أكثر من 20 مليار جنيه، 50٪ منها في صورة أوراق مالية تتداول في البورصة، والنسبة المتبقية الأخري أصول عينية عقارية وسياحية. فيما أكد السفير علاء الحديدي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء احترام الحكومة لاستقلال السلطة القضائية وعدم التدخل في أعمالها، وذلك فيما يتعلق بمنع عدد من الأشخاص من السفر والتحفظ علي أموالهم في القضية المعروفة إعلامياً بقضية التلاعب في البورصة. وأوضح الحديدي، التزام الحكومة بتشجيع الاستثمارات وتوفير البيئة اللازمة لزيادة معدلات الاستثمار المحلي وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك إعلاء مبدأ سيادة القانون الذي يضمن حقوق المستثمرين الشرفاء ويوفر الإطار القانوني لحماية أنشطتهم ويوفر بيئة استثمارية تتوافق مع المعايير الدولية. علي الجانب الآخر، قال عمرو موسي رئيس حزب المؤتمر والقيادي في جبهة الإنقاذ الوطني إن التعامل مع رجال الأعمال علي أنهم مجرمون "كلام فارغ" وأن قرارات التحفظ علي أموال 21 رجل أعمال وما حدث مع شركات "ساويرس" يجعل رجال الأعمال يفكرون ألف مرة قبل "ضخ" الأموال والعودة لمصر. فيما تؤكد دراسة اقتصادية أن أداء السوق المصري تأثر سلبيا خلال تعاملات الاثنين بعد قرار النائب العام بالتحفظ علي أموال مجموعة من كبار رجال الأعمال في مصر، خاصة أن قائمة رجال الأعمال الذين صدرت ضدهم قرارات تضم عددا من الكبار في السوق المصرية الأمر الذي يثير مخاوف المستثمرين من حملة أسهم تلك الشركات. وأضافت أن رجال الأعمال الذين تثبت ضدهم تهم الفساد المالي والجنائي، خاصة قضايا المال العام لا يمكن التصالح معهم، بل يجب أن يطبق عليهم صحيح القانون، مشيرة إلي أن إرساء هذه القواعد من شأنه توفير عناصر المناخ الاقتصادي والاستثماري الجاذب للاستثمار الأجنبي، ويشجع المستثمر الوطني علي تعزيز استثماراته في الداخل، لتوفير مزيد من فرص العمل والحد من معدلات الفقر والبطالة.. في حين، تري خبيرة البورصة المصرية مارينا عادل أن قرار التحفظ علي أموال 21 من رجال الأعمال يعرض مناخ الاستثمار بمصر إلي حالة من التشويه والقلق ويجعل الاقتصاد المصري يتلقي ضربات متتالية جعلته طارداً للسيولة. وأشارت إلي أن الضربة هذه المرة ستؤدي إلي تحول استثمارات رجال الأعمال والمستثمرين المصريين الذين ضمتهم قائمة التحفظ إلي الخارج، بعد أن أصبح بقاؤهم في السوق المصري بمثابة عقاب لهم، خاصة أنه تم التحفظ علي أرصدتهم دون التحقيق معهم أو صدور أحكام ضدهم، ما سيسفر عن خسارة الاقتصاد استثمارات مليارية يفترض ان تضخ في مشروعات واستثمارات محلية، لتقضي الدولة علي آخر فرص استقطاب الاستثمارات سواء من الداخل أو الخارج. وقالت إن التشويه بسمعة عدد من كبار رجال الأعمال في مصر وذوي الملاءات المالية الضخمة في مثل تلك الظروف الحرجة للبلاد التي تحتاج إلي استثماراتهم ودعمهم، غباء إداري غير مسبوق ويتعارض مع التصريحات المتتالية للحكومة بنيتها التصالح مع رجال الأعمال، فهؤلاء المستثمرون ورجال الأعمال سيمتنعون عن ضخ أي استثمارات جديدة في مصر وسيوجهون مشروعاتهم واستثماراتهم إلي أسواق خارجية تعي جيداً قيمة الاستثمار وتحترم رجال الأعمال. علي الجانب الآخر، قال عيسي فتحي نائب رئيس الشعبة العامة للأوراق المالية: إن البورصة تتأثر بأي حدث سواء سياسياً أو اجتماعياً. كما أن السوق المصري يتعرض حالياً لعملية ممنهجة ضد المناخ الجاذب للاستثمار. وأن رجال الأعمال أصبحوا مستهدفين من القرارات العشوائية. وصف تلك القرارات بأنها تستهدف قتل الأسهم لصالح نظام الصكوك الذي سيستفيد منه فئة محددة. وإرسال رسائل بأن عملية التداول في البورصة غير آمنة بهدف الترويج لقانون الصكوك المالية الذي أقره مجلس الشوري الأسبوع الماضي. قرارت الحكومة العشوائية دفعت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية لأن تصدر تقريرا مؤخرا ذكرت فيه أن قرار منع أفراد عائلة رجل الأعمال نجيب ساويرس من السفر يشكل إشارة مزعجة للمستثمرين الأجانب. وذكرت المجلة، أن النائب العام، المستشار طلعت عبدالله، أصدر قرارا بوضع كل من رجلي الأعمال، أنسي نجيب ساويرس، وناصف أنسي نجيب ساويرس، علي قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول، علي خلفية اتهامات بالتهرب من الضرائب. وأضافت "الإيكونوميست" أن مثل هذه القضايا والتدابير تقلق المستثمرين الأجانب الذين من المتوقع هروبهم من مصر، بسبب عدم استقرار الأوضاع، في الوقت الذي تسعي فيه الحكومة لتشجيعهم علي العودة، ولكن جهود الحكومة المصرية في التحقيق ومحاكمة أولئك الذين تزعم أنهم استفادوا بشكل غير قانوني من النظام السابق تهدم تلك المساعي. من ناحية أخري، أكد هاني توفيق، الرئيس السابق للاتحاد العربي لرأسمال المخاطر، أن درجة عدم تقدير العواقب عند القائمين علي إدارة ملف العلاقات مع المستثمرين المحليين والعرب والأجانب، أكبر من أي بادرة أمل لاستيعاب النتائج السلبية لقرار النائب العام بالتحفظ علي عدد منهم. وأشار إلي أن القائمين علي الملف أقحموا هذه الأسماء الكبيرة في عالم البيزنس والاستثمار، ليس فقط عربياً ولكن عالمياً، من أجل إطالة أمد قضية البنك الوطني، واستمرار حبس علاء وجمال مبارك، خصوصاً أن كل المؤشرات تؤكد أن هذه القضية غير مكتملة وسيحكم فيها بالبراءة وقال إن هناك تعنتاً من النيابة في القضية، وأن السياسة تستخدم النيابة في هذا الملف علي حد وصفه، موضحا أن سمعة مصر عالميا أصبحت سيئة جدا في مجال مطاردة المستثمرين الجادين.