أعترف بأنني من أنصار ثورة 23 يوليو .1952 أعترف بأنني أؤيد القضاء علي الاحتكار وسيطرة رأس المال علي الحكم وإقامة العدالة الاجتماعية وإقامة جيش وطني قوي وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وأؤيد ما قامت به الثورة بالقضاء علي الاستعمار وأعوانه من الخونة المصريين والقضاء علي الإقطاع . أعترف بكل هذه المبادئ ومستعد للدفاع عنها لكي تستمر ولا ينقص منها مبدأ واحد، فهذه المبادئ ليست مبادئ الثوار الذين قاموا بالثورة يوم 23 يوليو، بل هي أحلام وآمال شعب جسدها عدد من أبنائه الشباب الذين سبقوا عمرهم وحملوا المسئولية والأمانة وحرروا وطنهم من قيود واستعباد قرون طويلة عاني خلالها من الاستعمار بصور مختلفة ومن الإقطاع وسيطرة رأس المال علي الحكم، مما أبعد أبناء الشعب الحقيقيين عن كل ما يمكنهم من رسم مستقبلهم وحياتهم بأنفسهم. إن الثورة لا تندلع إلا إذا كانت هناك أسباب تهيئ لها المناخ المواتي، أسباب تؤدي إلي أن يفقد الشعب الثقة في حكامه وفي النظام الذي يقوم عليه الحكم، وإذا لم يكن هناك إصلاح، فالوسيلة البديلة هي الثورة . ولقد أيقظت ثورة 23 يوليو الشعب المصري من سبات عميق، أيقظته بعد أن حكمت الأسرة المالكة الدخيلة التي يتوهم السذج من خلال المسلسلات التليفزيونية أنها كانت أسرة رومانسية يتمتع الشعب في ظل حكمها بكل الرفاهية حكمت بالمصلحة والهوي وفرضت المذلة والخنوع، وكان الإقطاع يملك الحقول ويحتكر لنفسه خيراتها ولا يترك لملايين الفلاحين العاملين بها غير الهشيم الجاف بعد الحصاد . كان رأس المال يمارس ألوانا من الاستغلال للثروة بعدما استطاع السيطرة علي الحكم وترويضه لخدمته . لقد تحالفت كل هذه القوي مع بعضها في مواجهة الشعب، فكان من الخطورة للقوي الثورية الشعبية أن تواجه تلك القوي الحاكمة فاستسلمت قوي النضال الجماهيري واحدة بعد الأخري واجتذبتها الامتيازات الطبقية وامتصت منها كل قدرة علي الصمود . لم يكن خروج الضباط الأحرار وهم اسم علي مسمي ليلة 23 يوليو هو في حد ذاته الثورة، لكنه كان تتويجا لنضال وكفاح طويل عاشه الشعب سواء في ثورات لم يكتب لها النصر أو في حركات ومحاولات لم تتمكن من تغيير الحال . تبنت الثورة مبادئها الستة، وسعت لتطبيقها مؤكدة أن إرادة الشعب لا تعيقها العوائق أو القيود وأن التغيير لا يتوقف علي احتياجات الجماهير ومطالبها العادلة . لقد قامت الثورة بينما قوات الاحتلال رابضة علي أرضنا وبالقرب منا في قواعد مدججة بالسلاح ترهب المواطن المصري وتحطم إرادته في المقاومة، لكن الثورة كانت بمثابة إعادة اكتشاف للشعب لكي يفتح بصره علي إمكانيات هائلة كامنة فيه . مكنت الثورة الشعب من السيطرة الكاملة علي كل أدوات الإنتاج . سعت إلي تذويب الفوارق بين الطبقات وتطلعت إلي استخلاص علاقات اجتماعية تقوم علي قيم أخلاقية جديدة، عابرة المسافة الشاسعة بين رواسب المجتمع الإقطاعي والرأسمالي، إلي مرحلة تحول فيها المجتمع إلي الاشتراكية بدون إراقة الدماء، فلم تكن ثورة يوليو دموية، بل كانت ثورة اشتراكية هدفها تحقيق مجتمع الرفاهية. حركت ثورة يوليو الثورة العربية في كل مكان، وكانت لها آثارها البعيدة علي حركات التحرر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . كانت معركة السويس أحد الأدوار البارزة للثورة، وكانت عالمية الأثر، وليس محليا أو إقليميا فحسب، رأت فيها الشعوب المغلوبة علي أمرها أن في نفسها طاقات كامنة لا حدود لها وأنها تقدر علي الثورة . كان قصاري الجهد قبل الثورة، الدعوة إلي تمصير بعض أوجه النشاط المالي، ولكن بعد الثورة تحول الأمر إلي حتمية إعادة توزيع الثروة بدون تأجيل أو إبطاء . ضمنت الثورة للعمال والفلاحين نصف مقاعد البرلمان والمجالس الشعبية المنتخبة باعتبارهم أغلبية الشعب التي طال حرمانها من حقها الأساسي في صنع مستقبلها . أكدت الثورة أن سلطة المجالس المنتخبة يجب أن تتأكد باستمرار فوق سلطة الحكومة والأجهزة التنفيذية، فذلك هو الوضع الطبيعي الذي ينظم سيادة الشعب . إن الذين يهاجمون ثورة يوليو، إما جاهلون أو مغرضون، أصحاب مصلحة في عودة الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل الثورة . يحنون إلي ممارسة دور السيد . يتشوقون إلي عودة سيطرتهم علي الحكم بأموالهم ليحتكروا التشريع والسلطة وتتراكم ثرواتهم من دماء الشعب الغلبان . يقول الفيلسوف الإنجليزي الاشتراكي هارولد لاسكي : ليس هناك سوي وسيلة واحدة لدرء خطر الثورة . وهي الإصلاح، الذي يمنح الأمل لأولئك الذين يعد نداء الثورة بالنسبة لهم دعوة لا تقاوم، لكن منطق الإصلاح لا يجدي في جميع الحالات بسبب سيطرة الخوف علي طبقة أصحاب الامتيازات التي تتخوف علي امتيازاتها وتري أن التنازل عن شيء من هذه الامتيازات معناه فتح الباب لتنازلات أخري لا تنتهي . ولهذا يدهشهم أن تكون طريقة الحياة التي ألفوها يمكن أن تكون موضع مناقشة، وينظرون بانزعاج إلي أي تغييرات قد تمس البناء الاجتماعي القائم، فيؤدي منطق الخوف الذي يحكم هذه الطبقة إلي اتخاذ موقف سلبي من الإصلاح المطلوب، بل ويدفع أصحاب الامتيازات إلي مقاومة الدعوات الإصلاحية بممارسة القمع والاضطهاد، لأن كل جديد بالنسبة لهم يعتبر نذيرا وكل جديد يعتبر مقدمة تخفي وراءها ما هو أبشع. سلام علي جمال ورفاقه الذين رحلوا، وتحية للرجال الموجودين بيننا من ثوار يوليو الأحرار .