سوف تكتشف أن من يتصدون للكتابة عن السينما في الصحف والمجلات المصرية ينقصهم الكثير ليتعلمونه عن هذا الفن الممتد عمره لأكثر من مائة عام! فنحن نعيش أسري لبعض المفاهيم الغريبة التي لاتدل إلا علي جهل عظيم بمكونات فن السينما، ولايحاول البعض أن يبذل جهدا لإدراك ما يغيب عنهم، فنحن نسارع باتهام من يعيد إنتاج أحد الأفلام القديمة بأنه أفلس فنيا، أو أنه يسرق أوعلي أقل تقدير يقتبس، رغم أن إعادة تقديم الأفلام مسألة تحدث في سينما العالم دون أن تلاحقها الاتهامات، لأن الفيلم ليس الحدوتة ولكن كيف ترويها، اختلاف التفاصيل، أو بعضها يجعلنا أمام فيلم آخر، يستحق الاهتمام، ربما يكون أفضل أو أقل من سابقه، ودور السينما المصرية، تعرض هذه الأيام مجموعة من الأفلام التي أعيد إنتاجها أكثر من مرة، مثل البؤساء، وآنا كارنينا، وساحر أوز، وأحدثها GAMBIT أو المناورة، وهو عن سيناريو للأخوين إيثان وجويل كوين، وإخراج مايكل هوفمان، وبطولة كولين فيرث، وكاميرون دياز، آلان ريكمان، وهو إعادة لفيلم يحمل نفس الاسم تم إنتاجه في عام 1966 من بطولة مايكل كين، وشيرلي ماكلين، عن قصة لسيدني كارول، وطبعا الحدوتة واحدة في كل من الفيلمين، ورغم ذلك فإن اختلاف التفاصيل يجعل من كل منهما عملا فنيا مستقلا بذاته. هاري دين، هو اسم الشخصية المحورية في الفيلمين، نصاب ومغامر إنجليزي يهوي سرقة التحف، والمتاجرة فيها، يقوم بعملية يعتبرها الأهم في حياته، حيث يقرر سرقة تمثال عبارة عن رأس إحدي ملكات الصين "في النسخة القديمة"، يمتلكه أكثر رجال العالم ثراء، وفي النسخة الجديدة يقرر سرقة إحدي اللوحات الفنية النادرة، ومن أجل أن يحقق خطته، يضطر للاستعانة بفتاة، ويغريها بمبلغ مالي لم تكن تحلم به، بالإضافة إلي رحلة سياحية وإقامة في أرقي فنادق العالم! ولكن الخطة لاتسير وفق تصوراته، حيث إن الثري المطلوب سرقته، كان أكثر حرصا وذكاء مما كان يعتقد هاري دين! في النسخة الجديدة التي يلعب بطولتها كولين فيرث، تدور الأحداث في لندن، وبالذات في فندق سافوي الذي يعتبر أكثر فنادقها فخامة، أما الخطة فهي تتلخص في ادعاء أن فتاة أمريكية من تكساس »كاميرون دياز« تمتلك لوحة فنية لاتدرك قيمتها، ورثتها عن أسرتها، وهي اللوحة التي تكمل مجموعة الثري "آلان ريكمان" الذي أعلن عن استعداده دفع أي مبلغ مقابل اقتنائها، وفي الفيلمين يستعرض السيناريو تفاصيل الخطة، عندما تسير وفق خيال هاري دين، وتكتمل ببساطة بدون أي معوقات، وفي هذا الجزء لاتتحدث البطلة كلمة واحدة، وكأنها إنسان آلي ينفذ تعليمات، ولكن ما يحدث في الواقع شيء آخر، حيث تخرج الفتاة عن النص، وينبهر بها الثري، بينما يجنب هاري دين تماما، ويستبعده، مما يضطره أن يغير من خطته، حتي يحصل علي اللوحة الفنية التي أراد سرقتها لأنها سوف تنقذه من الإفلاس، بعد أن تكبد مصاريف باهظة من أجل الحصول عليها، وتدور الأحداث في إطار من الكوميديا والتشويق، وينتهي الأمر بسرقة اللوحة باستخدام كل أنواع الحيل الممكنة، ويبيعها لثري من اليابان، أما الفتاة فهي تحصل علي المكافأة التي وعدها بها "هاري دين" وتعود من حيث أتت! أما التشابه الذي لم أجد له تفسيرا بين كل من الفيلمين، فهو يخص اختيار الأبطال حيث يلعب شخصية هاري دين ممثل إنجليزي قُح، أما الفتاة فهي أمريكية في نسخة 2013 هي لاعبة روديو "ترويض خيول" من تكساس ويمكن أن نطلق عليها كاو جيرل، أما في نسخة عام 1966 فهي راقصة في ملهي بمدينة هونج كونج، ربما لاستخدام مهارات شيرلي ماكلين في هذا المجال، وفي الحقيقة وجدت من الصعب الانحياز لإحدي النسختين فلكل منها مميزاتها ومصادر بهجتها، النسخة القديمة وضع لها الموسيقي موريس جار، وهي تجمع بين الأجواء الشرقية والغربية، ولكن يجدر ملاحظة، أن في سنوات الستينيات كانت السينما العالمية تجهل الكثير عن عالمنا العربي، وتقدم نموذجا يقترب من الصور الكاريكاتيرية عن هذا العالم، فالأحداث تنتقل من هونج كونج إلي مدينة غير موجودة علي الخريطة، المفروض أنها بلد عربي، حيث يتحدث الناس بالعربية، وتسمع فيها صوت الأذان، وتتابع وصلات من الرقص الشرقي، ولكن هناك خلط بين الدول العربية والهند مثلا، حيث إن ملامح الثري تبدو هندية، وكذلك طريقة نطقه للإنجليزية ولون بشرته، إنه أقرب إلي مهراجا، بالإضافة إلي ديكورات قصره المنيف والشكل المعماري الذي التزم به الفيلم، ولكن لو تحدثنا عن الممثلين فبالتأكيد أن كفة شيرلي ماكلين سوف تكون الرابحة، فقد كانت في تلك المرحلة في أوج تألقها، بينما أصاب الذبول كاميرون دياز، فبدت وكأنها قد شاخت، وفقدت ألقها، وخفة ظلها ولم يبق منها إلا بعض ملامحها، ولكن المقارنة بين مايكل كين وكولين فيرث تبدو شديدة الصعوبة، سيناريو الفيلم الأول جعل منه شخصا شديد التجهم والتحفظ وكأنه لايفكر إلا في أمر واحد هو إنجاح خطته، ثم تتغير مشاعره ويقع في حب الفتاة نيكول التي بادلته الحب، ومن أجلها يضحي بكل ما جناه من مغامراته، أما كولين فيرث فقد وضعه السيناريو في مواقف أكثر طرافة وخفة ظل، وسخونة من نظيره في الفيلم الأول، ولم يلجأ الأخوان كوين للنهاية المتوقعة وهي أن يقع البطل في حب الفتاة التي ساعدته في عملية النصب! طبعا بالنسبة لكولين فيرث، فمن الصعوبة بمكان أن ينتظر أن يأتيه دور في قيمة ماقدمه في فيلم خطاب الملك الذي حصل عنه علي أوسكار أفضل ممثل، ولكنه قد خرج من الشرك أو الورطة التي يقع فيها أحيانا من يحصلون علي الأوسكار حيث يتحول إلي عقبة يصعب تجاوزها، مثل ماحدث مع بن كينجسلي بطل فيلم غاندي، أو "فريد إبراهام" بطل أماديوس وغيرهم كثر، ويبدو أن كولين فيرث قرر أن يتمرد علي الأوسكار ويقدم أدوارا بعيدة تماما عن تركيبة الملك جورج، هذه المرة قرر أن يكون نصابا إنجليزيا محترفا!