بأي صيغة سوف يذكر التاريخ قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما، رفضه، إبان الأيام الأخيرة في فترته الرئاسية الأولي (أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر 2012) إمداد المتمردين السوريين، الساعين لإسقاط حكم بشار الأسد، بالسلاح؟ هل هو حكمة وحنكة؟ أم خطأ استراتيجي؟ بشكل غير متوقع ظهر السؤال السابق مرة أخري علي السطح، في جلسة لمجلس النواب الأمريكي، حينما أكد مسئولان بارزان في وزارة الدفاع الأمريكية، أنهما ساندا، في صيف 2012، توصيات صادرة من وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، و"دافيد بيترايوس" مدير المخابرات المركزية الأمريكية، اللذين أوصيا بضرورة تزويد المعارضين لنظام الأسد بالسلاح، وحينما سأل أعضاء مجلس الشيوخ، كلا من الجنرال "ليو بانيتا" وزير الدفاع (علي وشك إخلاء منصبه لتشاك هاجل)، والجنرال "مارتن ديمبسي" قائد أركان الجيش الأمريكي، أجابا بأن هذا الطرح تمت معارضته بقرار "فيتو" من قبل الرئيس أوباما، بينما كان عليه شبه إجماع بين أفراد إدارته. تلك الخلافات العلنية التي حدثت في جلسة علنية لمجلس الشيوخ، كانت في غاية الحدة والعنف لدرجة أنها استغرقت أربع ساعات كاملة، علما بأن الجلسة كانت مخصصة في الأساس لمناقشة سبل تفادي تعرض الدبلوماسيين الأمريكيين في الخارج لعمليات اغتيال، علي غرار ما حدث للسفير الأمريكي في مدينة بني غازي الليبية في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، وبدأت المناقشة في اتخاذ طابع حاد حينما نهض السيناتور "جون ماكين"، منافس أوباما في انتخابات 2008 ومؤيد لدعم عسكري للمعارضة السورية، وصرخ بغضب موجها سؤاله لكل من "ليو بانيتا"، و"مارتن ديمبسي"،" كم من القتلي تحتاجون في سوريا لكي تتخذوا رد فعل عسكري؟! لقد تجاوزنا اليوم حاجز ال60 ألف قتيل وأنتم تتفرجون !!ألم يكن البنتاجون (وزارةالدفاع الأمريكية) مؤيدا لقرار الدعم العسكري للمعارضة السورية؟! ألم تكونا مؤيدين لهذا القرار؟!، وهنا جاء الدور علي "بانيتا" و"ديمبسي" ليجيب كل بدوره:" نعم كنت مؤيدا لهذا لقرار". وكانت صحيفة النيويورك تايمز قد أفصحت في عددها الصادر بتاريخ 2 فبراير، عن خطة جهزتها هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية المنتهية ولاياتها، و"دافيد بيترايوس" مدير المخابرات، تقضي "بإخضاع الجماعات المسلحة في سوريا لتحقيقات متعمقة للتعرف علي أيدولوجية كل منها بالتفصيل، قبل أن يتم تدريب ودعم من تراه واشنطن مناسبا لإنجاز المهمة في سوريا"، ومن الواضح أن جزءا من تلك الخطة كان قد تم إنجازه بالفعل وهو ما تجسد في تطور نوعي كبير طرأ علي الأداء العسكري للمعارضة المسلحة السورية ممثلة في كتائب الجيش الحر، وتحديدا يوم الثامن عشر من أغسطس حينما تمكن الجيش الحر من تفجير مقر وزارة دفاع الأسد، وهو ما أودي بحياة وزير دفاعه وعدد من كبار قادته العسكريين، فضلا عن إصابة شقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة بالحرس الجمهوري بعاهة مستديمة، طبقا لروايات مؤكدة يعززها عدم ظهور ماهر بشكل علني منذ ذلك التاريخ وحتي الآن. غير أن هذا التطور النوعي توقف بشكل مفاجئ ولأسباب غير معلومة، فاستغل الأسد الفرصة وكثف غاراته الجوية علي معاقل المعارضة، فتوقف زحفها علي العاصمة، وما كان تسميه وقتها "عملية تحرير دمشق"، ومنذ ذلك الحين تكتفي الولاياتالمتحدة بمراقبة تسليم الأسلحة الخفيفة للمعارضة السورية، والتي تأتي من قطر عن طريق تركيا، وتساهم واشنطن بأجهزة رؤية ليلية متطورة، ووسائل نقل معدات ومساعدات إنسانية، فيما تفرض حظرا بخصوص الأسلحة المضادة للطيران، خوفا من أن يتم استخدامها ضدها فيما بعد. ومنذ "فيتو" الرئيس الأمريكي، تحقق المعارضة السورية تقدما ضئيلا علي الأرض، يصاحبه تكلفة بشرية باهظة، ولذلك الفعل ردا فعل، الأول: قبول النظام بمبادرة حوار طرحها معاذ الخطيب زعيم المعارضة السياسية، بشروط إلغاء الشروط المسبقة من قبل الخطيب، والثاني: تفكير جدي من قبل الأوربيين في رفع حظر تسليح المعارضة السورية بأسلحة ثقيلة مضادة للطائرات والدبابات، وتتحمس لتلك الفكرة إنجلترا، وبدرجة أقل فرنسا، بينما يعارضها وبشدة الدول الإسكندنافية (النرويج والسويد والدانمارك)، ومن المقرر طرح الأمر للنقاش علي جدول أعمال قمة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الثامن عشر من فبراير الجاري. الجدير بالملاحظة هو أن الموقف الأمريكي لم يتغير منذ إعادة انتخاب الرئيس أوباما لولاية ثانية في الثاني من يناير الماضي، وبسؤاله عن الأمر في مقابلة أجرتها معه محطة "سي بي إس"، بدا الرئيس الأسمر أقل حزما حينما أجاب :"نحن لا نقدم خدمة لأحد حينما نهرول إليه بأعين مغلقة وبخطا غير محسوبة العواقب سواء لنا أو له"، وكان من المفترض أن استخدام أسلحة كيماوية ضد المعارضة في حمص (بحسب تقارير إعلامية)، أن يغير موقف البيت الأبيض الذي طالما حذر من ذلك معتبرا إياه خطا أحمر، إلا أن رد الخارجية الأمريكية جاء فاترا بتعليق تقول من خلاله أنها غير قادرة "لا علي نفي الأمر ولا علي إثباته". المراقبون في الولاياتالمتحدة يرون أن رحيل هيلاري كلينتون عن حقيبة الخارجية، وتولي جون كيري المسئولية بدلا منها وكذلك رحيل"ديفيد بيترايوس" عن منصب مديرالمخابرات المركزية الأمريكية (سيخلفه "جون برينان") ، قد يساعد علي تغيير موقف أوباما من رفضه تسليح المعارضة السورية، لا سيما أن الرجلين يميلان لمعالجة الأمور في العلن، و عدم كتمان أي شيء عن الرأي العام، لا سيما في القضايا الهامة، وبدأ كيري مهام منصبه بتصريح عن الشأن السوري قائلا:"سوف ننظر في كل الطرق، خاصة الدبلوماسية أولا، لتقليص موجة العنف في سوريا، ورفض كيري التعليق علي ما كشفه "ليو بانيتا" و"جون ديمبسي"، قائلا:"لن أعود للخلف، فهذه حكومة جديدة، وولاية ثانية للرئيس أوباما وأنا وزيرالخارجية الجديد، فلننطلق إذا من تلك النقطة ".