تتوالي الحلقات في مسلسل الفشل الذي يلاحق جهاز (الموساد) الإسرائيلي فلم تتوقف عند اغتيال المبحوح في دبي وما تكشف مؤخرا عن أن العملية كانت تستهدف خطفه لمبادلته بشاليط وصدور أوامر بإنهائها بعد وفاته، وجاءت عملية الهجوم علي أسطول الحرية وماسقط فيها من ضحايا نتيجة نقص المعلومات الاستخبارية ليضاعف فشل الموساد خاصة بعد القبض علي أحد عملائه في بولندا ثم القبض علي ضابط صف بالجيش الإسرائيلي بتهمة تسريب أسرار عسكرية لحزب الله عبر تجارمخدرات لبنانيين علي صلة بحزب الله، ثم القبض علي أخطر عميل للموساد في لبنان في شركة (ألفا) للهاتف المحمول في مسلسل تساقط خلايا وشبكات التجسس الإسرائيلية، والعملاء يتساقطون في غزة في فترة تسليمهم لأنفسهم طواعية خلال هذه الأيام. جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) دخل عامه الستين ويبدو أن علامات الشيخوخة والترهل أصابت الجهاز الذي يعد خط الدفاع عن أمن الدولة العبرية ضد أعدائها ويضم خلاصة عقولها الذكية والشريرة والذين قدموا من كافة البقاع وهوماأعطي هذا الجهاز قدرات علي التوغل عالميا بفضل تركيبته المختلطة (نموذج استخدام جوازات السفر في قضية قتل المبحوح وغيرها) وأبرز أقسامه (الماتسادا) الذي يتولي عمليات اغتيال وتصفية الشخصيات الهامة في العالم والتخريب , وعلي الرغم من نجاحات الجهاز في بداياته في زرع العملاء والخلايا السرية مثلما حدث مع إيلي كوهين في سوريا رغم إعدامه في ميدان عام (1960) وخطف أحد مجرمي النازية (أدولف إيخمان) من الأرجنتين في نفس العام وخطف الفني النووي (مردخاي فانونو) من لندن واغتيال عناصر من جماعة أيلول الأسود وتصفية نائب ياسر عرفات (أبوجهاد) عام 1988في تونس، وعملية استهداف عماد مغنية قائد شعبة العمليات بحزب الله بشحنة ناسفة في سيارته أثناء تواجده في دمشق عام 2008ولكن الفشل وحلقاته طغت علي نجاحات الجهاز بعد اغتيال إسحاق رابين في أحد ميادين تل أبيب عام1995 وسقوط سبع شبكات تجسس في مصر عام 1996 ثم المحاولة الفاشلة لقتل خالد مشعل في الأردن عام 1997وتداعياتها الخطيرة ومنها إطلاق سراح زعيم حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وعلاج مشعل وإنقاذ حياته بعد تهديدات الملك الراحل حسين بعد القبض علي المجموعة التي نفذت المحاولة ثم توالت نوبات الإخفاق من حرب لبنان صيف 2006 إلي حرب غزة في بداية العام الماضي والتي كشفت عن هشاشة وضعف أداء الجهاز وعدم فاعليته في جمع المعلومات الاستخباراتية عن تسليح كل من حزب الله وحماس إضافة للفشل الأكبر في عدم التوصل إلي مكان الجندي الأسير لدي حماس (جلعاد شاليط) منذ أربع سنوات رغم محدودية المنطقة الجغرافية في غزة وما لدي الموساد من شبكة ضخمة من العملاء في القطاع، أما الإخفاقات الكبري ففتحت فصولا جديدة في تاريخ الموساد. ذكاء الأغبياء علي غرار جيش إسرائيل الذي لايقهر والذي انتهي بالكثير من النكبات جاء عصر السقوط المروع للموساد من خلال العديد من الاختبارات التي كشفت أننا أمام نمر من ورق وأسطورة لايصدقها سوي من صنعوها فجاء حادث أو جريمة اغتيال القيادي بحركة حماس محمود المبحوح في نهاية يناير الماضي وتوصل شرطة دبي للشبكة التي ارتكبت الجريمة وتصوير تحركاتهم عبر كاميرات الفيديو لحظة بلحظة والكشف الأخطر كان في جوازات السفر التي استخدمها عناصر الشبكة (أكثر من ثلاثين فردا) والتي أثارت غضبا دوليا واسعا خاصة من الدول التي استخدمت جوازات سفرها من المتهمين وسقوط أحد العملاء في قبضة الأمن البولندي والموافقة علي تسليمه لألمانيا، لكن المفاجأة التي كشفها مؤخرا ضاحي خلفان قائد شرطة دبي أن مشاركة هذا العدد الضخم من العناصر في قتل شخص واحد أعزل ترجح أن العملية لم تهدف لقتله بل لاختطافه ونقله مخدرا عبر البحر لإسرائيل لمبادلته بشاليط ولكن جرعات المخدر قادت إلي وفاة المبحوح نظرا لغياب معلومات عن حالته الصحية مما عجل بإلغاء باقي العملية وهروب الجناة وأكدت هذه المعلومات مصادر أمنية أمريكية ووصف خلفان العملية بأنها من أغبي العمليات الاستخبارية والتي قادت في النهاية إلي إعلان نتنياهو عدم التجديد لرئيس الموساد الحالي مائير داجان للسنة التاسعة علي نحو ماحدث لرئيس سابق للجهاز(داني ياتوم) بعد فشل محاولة اغتيال مشعل. أما الإخفاق الأكبر فكان مع ماحدث للسفينة التركية مرمرة الزرقاء ضمن أسطول الحرية لكسرحصارغزة والتداعيات الكارثية للجريمة لإسرائيل بسبب نقص المعلومات عن القافلة والنتائج المحتملة للهجوم العسكري عليها وقاد الهجوم لتدهور حاد في العلاقات التركية – الإسرائيلية علي كافة الأصعدة الشعبية والرسمية كما قادت العالم إلي التعاطف مع قضية أو مأساة غزة المحاصرة والدعوة لرفع الحصار، أما في الداخل الفلسطيني فقد كشفت كتائب شهداء الأقصي عن قوائم بالعملاء لدي حركة فتح من المتورطين في أنشطة تجسس وتخابرمع الموساد وقيامهم بالتنصت علي كافة القيادات الفلسطينية في رام الله , أما حركة حماس فأعطت العملاء في قطاع غزة من المتورطين في أنشطة تجسس مع الموساد مهلة حتي منتصف الشهر الحالي لتسليم أنفسهم طواعية وإعلان التوبة لبنان ساحة مفتوحة أما في لبنان فثمة حرب باردة تدور ساحتها في كافة البقاع علي الجانبين من بيروت حتي تل أبيب فأكثر من ثلاثين شبكة تجسس إسرائيلية سقطت في لبنان خلال الحملة التي نفذتها القوي الأمنية اللبنانية منذ أكثر من عام أسفرت عن ضبط أكثر من سبعين شخصا وكان من أخطرها الشبكة التي تورط فيها وقادها العميد المتقاعد بجهاز الأمن اللبناني (أديب العلم) والذي قاد سقوطه للكشف عن أعداد كبيرة من العملاء في قطاعات حيوية في البلاد، ثم جاء الكشف المثير عن أخطر العملاء (شربل قزي) والذي يعمل بشبكة الهاتف المحمول (ألفا) والذي جندته إسرائيل طوال 14 عاما للسيطرة علي شبكة الاتصالات وقام بتزويد الموساد بمعلومات خطيرة عن الأمن اللبناني والشخصيات الهامة كما استطاع الحصول علي كلمة المرور(password) ) لكافة أجهزة الكمبيوترالمتصلة بشبكة الإنترنت في عموم لبنان مما أتاح له الولوج لكافة المعلومات الخاصة بقطاعات عريضة من اللبنانيين وقد فرت المديرة التنفيذية للشركة وهي هولندية منذ ثلاث سنوات من بيروت بعد اكتشاف صلتها القوية بالموساد وقامت السفارة الألمانية بتهريبها عبر وحدات اليونيفيل وثمة جدل حول دورهذا العميل وشركة الاتصالات في عملية اغتيال رفيق الحريري ربيع عام 2005 والتشويش الإليكتروني علي الموكب ومعرفة تحركات الحريري لحظة بلحظة مما قاد لاغتياله ليشير بأصابع الاتهام للموساد في الجريمة التي هزت لبنان، كما قدم العميل لإسرائيل خدمات كبيرة خلال الحرب الأخيرة، وعلي الجانب الآخر سقط عميل من ضباط الصف بالجيش الإسرائيلي بعد رصد أنشطة له مع عدد من تجار المخدرات اللبنانيين ممن علي صلة بحزب الله ومن ثم تسريب معلومات عسكرية سرية من خلال علاقاته بهم كما أعتقل عددا من المدنيين من المنطقة الشمالية في القضية، ويعد لبنان ساحة مفتوحة لكل المخابرات الإقليمية والدولية ومن هنا وجد الموساد ضالته في استقطاب الكثير من العملاء نظرا لعدم وجود عقوبات رادعة لتهم التخابر مع الخارج خاصة إذا كانت دولة تحتل أرضا لبنانية حتي اليوم ومن هنا بدات أصوات تطالب بتوقيع عقوبة الإعدام علي من يثبت تورطه في قضايا التجسس. وهكذا تتوالي إخفاقات الموساد وتتحول أسطورته إلي مجرد أشباح تمارس عمليات تتسم بالغباء المفرط والذي غالبا مايعود ببالغ الضرر علي الدولة العبرية ويشير إلي تصدعات وشروخ في أحد أهم أركان الدولة خاصة مع تصدعات مماثلة في الجيش الإسرائيلي الذي تلاحقه النكسات في مواجهاته المسلحة في السنين الماضية ومع تساقط أهم الأركان فإن هذا الكيان يواجه أخطر الأزمات في تاريخه بل أخطرها علي الإطلاق .