وسط الصراعات والانقسامات وحالة الاستقطاب والتناحر وسقوط المزيد من الشهداء والجرحي، واحتدام المناقشات حول الدستور، وأيا كانت نتيجة الاستفتاء »نعم« أو »لا«، فإن أهم ملمح يمكن رصده وسط كل هذه الأنواء والأعاصير التي شهدتها الساحة السياسية المصرية طوال الفترة الماضية، أن مصر دولة كبيرة، ودولة مؤسسات راسخة.. تحتاج إلي جهد جميع المصريين، ولن يتمكن تيار أو فصيل بعينه من النهوض بمصر من كبوتها الراهنة، ولن يتمكن فريق من إقصاء باقي الشركاء في بناء الوطن، وفرض آرائه أو أهدافه علي الجميع. وهنا يتعين أن نتذكر أن إعادة بناء مصر تأتي في أعقاب ثورة شارك فيها الشعب المصري بكل فئاته رافضا الفساد والاستبداد، ويسعي إلي بناء مصر جديدة عصرية تسود فيها قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.. ويتعين أن يستوعب الجميع تماما أن سياسة الإقصاء أو الديكتاتورية والإملاء قد ولي عهدها، وأن هناك تغييرا حقيقيا حدث للشعب المصري الذي كسر حاجز الخوف، ويعبر عن آرائه وطموحاته بكل قوة، ويتمسك بكل حزم بحقوقه في حياة حرة كريمة. أيضا يتعين أن يتذكر الجميع دون استثناء أن مصر دولة كبيرة ومحورية ومركز استقرار المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وهذا بحكم موقعها الجغرافي المتميز وتاريخها العريق.. وانفتاح مصر وشعبها علي كافة الحضارات والثقافات.. فالشعب المصري لديه مخزون حضاري وثقافي تتوارثه الأجيال وتكمن في جيناته الوراثية.. وهذا يفسر استمرار مصر طوال القرون الماضية كمركز إشعاع حضاري وثقافي لمختلف دول العالم.. يبقي أخيرا أن نؤكد أنه يتعين علي الجميع دون استثناء، أن يضعوا نصب أعينهم المصالح العليا للوطن.. وأن تأتي القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إطار المصالح العليا، بعيدا عن الهوي والغرض والمصالح الضيقة.. وأن تلبي تطلعات الشعب المصري بعد ثورته علي الظلم والفساد.. فالشعب المصري الصبور أثقلته الأعباء ويتطلع إلي انفراجة.