عندما تتردد علي مسامعك كلمة "عسل" يتبادر إلي ذهنك الآية الكريمة التي تقول " وَأَوْحَي رَبُّكَ إِلَي النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءُُ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " النحل 96 فتطمئن إلي كلام ربك بأن العسل سيحميك من الأمراض، لكن في واقع الأمر إن البشر لم يتركوا شيئاً إلا وأفسدوه! فلا تصطدم عندما تقرأ في السطور القادمة أن العسل المصري ملوث ويصيب بسرطان الدم.. لا تصطدم عندما تعرف أنه يحتوي أيضاً علي مركبات ثقيلة مثل الرصاص والزرنيخ، لا تصطدم عندما تتأكد أن العسل الجبلي الذي يأتيك من دول الخليج بأغلي الأسعار مغشوش وعبارة عن "بيبسي كولا". لا أريد زيادة همومك لتردد في سرك"يعني هي كانت ناقصة العسل!"، سآخذك إلي رحلة تخيلية علي أجنحة النحل، لنكتشف معاً كم الكوارث والمخاطر التي تهددنا بعد تناول ملعقة عسل واحدة، علي الرغم من الدراسات والأبحاث التي قام بها المتخصصون في هذا المجال ليدقوا لنا ناقوس الخطر، لكن كالعادة لم يلتفت إليها المسئولون بوزارة الزراعة، لتصبح مصر من قائمة الدول المحظور استيراد العسل منها دولياً، لتجبرنا الظروف أن نقع تحت رحمة تجار بلا رحمة، يبيعون لنا العسل الصيني علي أساس أنه مصري.. والنتيجة أن الثورة النحلية في تدهور شديد. كم من أبحاث قام بها العلماء والمتخصصون في مجالات عديدة، ليعلنوا عن اكتشاف جديد أو ليحذروا من خطر قادم، ولم تلتف إليهم الدولة.. الآن سأعرض عليكم دراسة ليست بجديدة لكنها انطويت كغيرها في أدراج المعامل، لتبقي في تكتم شديد حتي لا تفتح علينا أوجاع الثروة النحلية، فنجد أنفسنا أمام كارثة كبيرة تصيب المواطنين بالهلع الشديد عندما يعرفون أن العسل يسبب أمراضا تهدد حياتهم! أعسال تصيب بالسرطان الدراسة للدكتورة زينب الشريف، الباحثة بقسم الكيمياء الحيوية بهيئة الرقابة والبحوث الدوائية المصرية، التي قامت بها دون تكليف من أي جهة رسمية، وعكفت عليها أكثر من عامين لتخرج بنتيجة تؤكد أن العسل المصري ملوث بمادة "الكلورامفينيكول"، مما يؤدي إلي الإصابة بهبوط في نشاط نخاع العظام والأنيميا الحادة وسرطان الدم "لوكيميا". الحكاية بدأت بعد أن كشفت إحصائية أن مصر ضمن قائمة الدول المحظور استيراد عسل النحل منها دولياً، لتلوثه بمضادات حيوية لعلاج الإصابات البكتيرية والطفيلية التي تصيب النحل، علي الفور فحصت د. زينب الشريف ثلاثين عينة عسل تم سحبها من جميع محافظات مصر، وجميعها ظهر بها المادة الملوثة، وعلي الرغم من الحساسية الضعيفة للأجهزة الموجودة داخل هيئة الرقابة والبحوث الدوائية المصرية فإن النتائج جاءت صادمة فجميع العينات ملوثة بنسبة 100٪ من متبقيات المضادات الحيوية التي تدخل بها مواد فعالة منها الكلورامفينكول والسلفا سيكلين، وهذه المضادات تم تحريمها دولياً وأوقفت هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية استخدامها منذ الثمانينيات. تقول د. زينب بنبرة تملؤها الآسي: "بالرغم من النتائج التي توصلت إليها، لم تهتم وزارة الزراعة، ومازالت المشكلة قائمة.. فعدد كبير من أصحاب المناحل اتصلوا بي ليأكدوا أنهم يستخدمون الكلورامفينيكول، دون أن يكونوا علي علم بأخطاره علي البشر، ويطلبون منها البحث عن بديل آمن له"، مشيرة إلي ضرورة إلزام الشركات المنتجة لعسل النحل بكتابة عبارة (خالي من الكيماويات) علي عبوات العسل المتداولة بالأسواق، علماً بأنه ليس هناك نسب مسموح بها لإضافة المضادات الحيوية في العسل أي لابد أن تكون صفر٪ وهو ما نفته الدراسة. وتري د. زينب أن الإعتقاد الشائع بأن العسل يقتل البكتيريا ليس صحيحا علمياً، لأن مادة الكلورامفينيكول هي التي تقتل البكتيريا وليس تأثير المضاد الحيوي الطبيعي في عسل النحل، كما أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، قد أصدرت بيانا في يناير 2002 تقترح فيه أن تتخذ الدول خطوات لوقف استخدام الكلورامفينيكول في المنتجات الغذائية، نظراً لسميته. الفارو تهاجم المناحل ما ينغص حياة المناحل هي حشرة "الفارو" التي تسللت من الخارج منذ عدة سنوات، وتقوم بالقضاء علي النحل وبالتالي هدم الصناعة من أساسها، نظراً لعدم توافر المبيد الحشري الذي يقضي عليها، فيقول الدكتور نعيم عيسي، رئيس قسم الحشرات بعلوم القاهرة، إن هذه الحشرة المدمرة جاءت عن طريق استيراد طرود النحل من الخارج، واستطاعت أن تقضي علي 50 ٪ من مناحل محافظة الدقهلية، لأن النحالين يسعون دائماً إلي زيادة الإنتاج دون الأخذ في الاعتبار الأمراض الخطيرة التي تسببها "الفارو" للإنسان من سرطانات وفشل كلوي، كما أنهم لا يعرفون شيئا عن الطرود لأن المستوردين ليسوا أصحاب مناحل، فهم متفرغون فقط للبحث عن أقل الأسعار. ويحذر من سرعة انتقال الفيروس من خلال احتكاك الحشرة بخلية سليمة فتنتشر بين آلاف النحل، كما أنه لا ينتقل إلا عبر خلايا حية ولا ينتقل خلال مواد جامدة، مؤكدًا أنه يمكن انتشاره من خلال شمع النحل المستورد إذا كان يوجد بالشمع يرقات لنحل في طور التكوين، مشيراً إلي أنه من المستحيل انتقاله عبر الطيران، لأن قدرة النحل علي الطيران لا تتجاوز 10 أو 15 كيلو. أخبرنا نعيم أن النحالين يشتكون من عجز وزارة الزراعة علي توفير دواء "ابيستان" وهو العلاج المخصص للقضاء علي هذه الحشرة ، خاصة أن هناك شركة تشرف عليها وزارة الزراعة تحتكر بيع هذا الدواء، حيث يتم بيع هذا الدواء في السوق السوداء بحوالي 100 جنيه للعلبة، وبالتالي لا يستطيع أصحاب المناحل الصغيرة الحصول عليه بسهولة، وفي هذه الحالة يلجأ أصحاب المناحل إلي شراء أدوية غير مفيدة، بسبب عدم توافر الأدوية الفعالة، وعدم توافر الإشراف الفعلي من وزارة الزراعة علي هذه التركيبات غير الفعالة لعلاج النحل. ويري نعيم أن الحل هو منع استيراد الطرود من الخارج وزيادة عدد خلايا النحل البلدي، لأن العالم أصبح قرية صغيرة ومن السهل دخول الطرود بطرق غير مباشرة، خاصة أن حال الرقابة في تدن شديد ولا تقوم بدورها، فمن المفروض أن يتم فحص هذه الطرود حتي يتم الكشف إذا كانت تعاني من أمراض أم لا، كما يحدث في البلاد المتقدمة.. أمريكا علي سبيل المثال إذا منعت استخدام مبيد معين، ووجدت دولة أخري تستخدمه تمنع استيراد الطرود من هناك، فالأمراض تهاجم كل الدول لكن هناك فرقا بين الحريص وغير الحريص، وفي النهاية المواطن هو الضحية. عشوائية المبيدات بينما يري د. محمد حلمي بلال، أستاذ المبيدات بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أن المشكلة الرئيسية التي تواجه المناحل في مصر هي عشوائية استخدام المبيدات و التي قد تؤدي إلي فقدان ثلثي النحل الموجود بالمنحل إذا تعرض للمبيد في وقت الرش، فيقول "المبيدات التي تقضي علي الأمراض كثيرة، لكن سوء الاستخدام هو الذي يضخم المأساة". ويضع بلال العديد من الحلول لتفادي مشكلة رش المبيدات من بينها الرش في أوقات الصباح الباكر أو في نهاية النهار، وهي الأوقات التي لا يخرج فيها النحل للبحث عن مصادر غذاء من رحيق أو حبوب لقاح أو غيرها، إلي جانب أهمية عدم وضع المنحل في زراعات يتم فيها رش المبيدات بصورة دورية أو غلق الخلايا لمدة لا تزيد علي يوم واحد في حالة وجود رش بالمبيدات طوال اليوم. تناقص الأراضي الزراعية وفي حوار طويل ل "أخر ساعة" مع د.محمود السيد نور، أستاذ تربية النحل بكلية الزراعة جامعة القاهرة، كشف لنا عن العديد من المشاكل والأسرار الأخري التي تواجه الثروة النحلية في مصر. يقول في البداية: " ظل العسل المصري لفترة قريبة لا يعاني من مشاكل، فكانت هناك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تضم أفضل أنواع النباتات المزدهرة التي يستطيع النحل من خلالها جمع الرحيل، وبالتالي ينتج كميات كبيرة من العسل بأنواعه المختلفة علي مدار العام، وذلك بمواصفات طبيعية في إطار المواصفة المصرية والقياسات العامة، لكن في السنوات الأخيرة تناقصت مساحات الأراضي الزارعية نتيجة لتجريفها والبناء عليها، مما أدي إلي تناقص النباتات المزهرة المنتجة للرحيق (النباتات العسلية)، بالإضافة إلي بعض السياسات الزراعية التي تمت في المرحلة الأخيرة باتجاه زراعة "القمح" بدلاً من "البرسيم" مما ترتب عليه تناقص عسل (النوراة) أو عسل (القطفة الأولي)، والذي يعتبر من أجود أنواع العسل علي مستوي مصر والعالم، بجانب زيادة الزراعة في الأراضي الصحراوية والتي لا تتناسب مع نشاط النحل والإنتاج العسلي، علي الجانب الآخر أعداد خلايا النحل في تزايد مستمر حيث وصلت إلي مليون ونصف المليون طائفة (خلية) موجودة في مصر تحتاج إلي مساحات كبيرة من الأراضي المزدهرة". يستكمل: "ترتب علي ذلك رغبة النحال في إنتاج العسل بأي طريقة، فلجأ إلي طرق غير مسموح بها مثل التغذية السكرية مما يجعل النحل يخزن السكر كعسل، ويقوم صاحب المنحل ببيعه علي أساس أنه عسل طبيعي، وعندما نقوم بتحليله نجده غير مطابق للمواصفة المصرية". تدني الثقافة النحلية الثقافة النحلية في مصر متدنية، كما يشير د. نور قائلاً: "كل من ليس له عمل.. يعمل في النحل.. ويقوم بفحص خلية.. فيعتبر نفسه نحالا كبيرا"، وهذا يعني أنه ستواجهه العديد من المشاكل التي يعجز في التعامل معها مثل آكاروس "الفارو" الذي يهاجم طوائف النحل ويسبب خسائر كبيرة في الإنتاج وموت الطوائف، والآن نعكف علي أبحاث علمية لإنتاج سلالات مقاومة طبيعية له، أما الكارثة الكبري في أمراض العفونة "للحضنة" وهي بيض ويرقات النحل بالخلية، مثل عفونة الحضن الأمريكي الأكثر انتشاراً في مصر، والذي يهدد الثروة النحلية في الفترة الأخيرة. يواصل: هناك مرض آخر وهو "النوزيما" الذي واجه النحالين منذ سنوات عديدة، ويهاجم هذا الميكروب خلايا المعدة الوسطي ويدمره والنتيجة هي تحطيم الغشاء المحيط بالمعدة من الداخل مما يؤثر علي تغذية النحلة، مما يعجزنا علي تصدير النحل للخارج حيث يتم الكشف عليه طبياً ولو تم اكتشاف المرض فيها تعدم فوراً، وبالتالي يتم إهدار أعداد كبيرة من النحل المصدر للخارج. ويشرح د. نور كيف تعامل النحال مع "النوزيما" فيقول: النحال أتجه إلي ثقافة غربية وهي اعتبار لا أريد زيادة همومك لتردد في سرك"يعني هي كانت ناقصة العسل!"، سآخذك إلي رحلة تخيلية علي أجنحة النحل، لنكتشف معاً كم الكوارث والمخاطر التي تهددنا بعد تناول ملعقة عسل واحدة، علي الرغم من الدراسات والأبحاث التي قام بها المتخصصون في هذا المجال ليدقوا لنا ناقوس الخطر، لكن كالعادة لم يلتفت إليها المسئولون بوزارة الزراعة، لتصبح مصر من قائمة الدول المحظور استيراد العسل منها دولياً، لتجبرنا الظروف أن نقع تحت رحمة تجار بلا رحمة، يبيعون لنا العسل الصيني علي أساس أنه مصري.. والنتيجة أن الثورة النحلية في تدهور شديد.
كم من أبحاث قام بها العلماء والمتخصصون في مجالات عديدة، ليعلنوا عن اكتشاف جديد أو ليحذروا من خطر قادم، ولم تلتف إليهم الدولة.. الآن سأعرض عليكم دراسة ليست بجديدة لكنها انطويت كغيرها في أدراج المعامل، لتبقي في تكتم شديد حتي لا تفتح علينا أوجاع الثروة النحلية، فنجد أنفسنا أمام كارثة كبيرة تصيب المواطنين بالهلع الشديد عندما يعرفون أن العسل يسبب أمراضا تهدد حياتهم! أعسال تصيب بالسرطان الدراسة للدكتورة زينب الشريف، الباحثة بقسم الكيمياء الحيوية بهيئة الرقابة والبحوث الدوائية المصرية، التي قامت بها دون تكليف من أي جهة رسمية، وعكفت عليها أكثر من عامين لتخرج بنتيجة تؤكد أن العسل المصري ملوث بمادة "الكلورامفينيكول"، مما يؤدي إلي الإصابة بهبوط في نشاط نخاع العظام والأنيميا الحادة وسرطان الدم "لوكيميا". الحكاية بدأت بعد أن كشفت إحصائية أن مصر ضمن قائمة الدول المحظور استيراد عسل النحل منها دولياً، لتلوثه بمضادات حيوية لعلاج الإصابات البكتيرية والطفيلية التي تصيب النحل، علي الفور فحصت د. زينب الشريف ثلاثين عينة عسل تم سحبها من جميع محافظات مصر، وجميعها ظهر بها المادة الملوثة، وعلي الرغم من الحساسية الضعيفة للأجهزة الموجودة داخل هيئة الرقابة والبحوث الدوائية المصرية فإن النتائج جاءت صادمة فجميع العينات ملوثة بنسبة 100٪ من متبقيات المضادات الحيوية التي تدخل بها مواد فعالة منها الكلورامفينكول والسلفا سيكلين، وهذه المضادات تم تحريمها دولياً وأوقفت هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية استخدامها منذ الثمانينيات. تقول د. زينب بنبرة تملؤها الآسي: "بالرغم من النتائج التي توصلت إليها، لم تهتم وزارة الزراعة، ومازالت المشكلة قائمة.. فعدد كبير من أصحاب المناحل اتصلوا بي ليأكدوا أنهم يستخدمون الكلورامفينيكول، دون أن يكونوا علي علم بأخطاره علي البشر، ويطلبون منها البحث عن بديل آمن له"، مشيرة إلي ضرورة إلزام الشركات المنتجة لعسل النحل بكتابة عبارة (خالي من الكيماويات) علي عبوات العسل المتداولة بالأسواق، علماً بأنه ليس هناك نسب مسموح بها لإضافة المضادات الحيوية في العسل أي لابد أن تكون صفر٪ وهو ما نفته الدراسة. وتري د. زينب أن الإعتقاد الشائع بأن العسل يقتل البكتيريا ليس صحيحا علمياً، لأن مادة الكلورامفينيكول هي التي تقتل البكتيريا وليس تأثير المضاد الحيوي الطبيعي في عسل النحل، كما أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، قد أصدرت بيانا في يناير 2002 تقترح فيه أن تتخذ الدول خطوات لوقف استخدام الكلورامفينيكول في المنتجات الغذائية، نظراً لسميته. الفارو تهاجم المناحل ما ينغص حياة المناحل هي حشرة "الفارو" التي تسللت من الخارج منذ عدة سنوات، وتقوم بالقضاء علي النحل وبالتالي هدم الصناعة من أساسها، نظراً لعدم توافر المبيد الحشري الذي يقضي عليها، فيقول الدكتور نعيم عيسي، رئيس قسم الحشرات بعلوم القاهرة، إن هذه الحشرة المدمرة جاءت عن طريق استيراد طرود النحل من الخارج، واستطاعت أن تقضي علي 50 ٪ من مناحل محافظة الدقهلية، لأن النحالين يسعون دائماً إلي زيادة الإنتاج دون الأخذ في الاعتبار الأمراض الخطيرة التي تسببها "الفارو" للإنسان من سرطانات وفشل كلوي، كما أنهم لا يعرفون شيئا عن الطرود لأن المستوردين ليسوا أصحاب مناحل، فهم متفرغون فقط للبحث عن أقل الأسعار. ويحذر من سرعة انتقال الفيروس من خلال احتكاك الحشرة بخلية سليمة فتنتشر بين آلاف النحل، كما أنه لا ينتقل إلا عبر خلايا حية ولا ينتقل خلال مواد جامدة، مؤكدًا أنه يمكن انتشاره من خلال شمع النحل المستورد إذا كان يوجد بالشمع يرقات لنحل في طور التكوين، مشيراً إلي أنه من المستحيل انتقاله عبر الطيران، لأن قدرة النحل علي الطيران لا تتجاوز 10 أو 15 كيلو. أخبرنا نعيم أن النحالين يشتكون من عجز وزارة الزراعة علي توفير دواء "ابيستان" وهو العلاج المخصص للقضاء علي هذه الحشرة ، خاصة أن هناك شركة تشرف عليها وزارة الزراعة تحتكر بيع هذا الدواء، حيث يتم بيع هذا الدواء في السوق السوداء بحوالي 100 جنيه للعلبة، وبالتالي لا يستطيع أصحاب المناحل الصغيرة الحصول عليه بسهولة، وفي هذه الحالة يلجأ أصحاب المناحل إلي شراء أدوية غير مفيدة، بسبب عدم توافر الأدوية الفعالة، وعدم توافر الإشراف الفعلي من وزارة الزراعة علي هذه التركيبات غير الفعالة لعلاج النحل. ويري نعيم أن الحل هو منع استيراد الطرود من الخارج وزيادة عدد خلايا النحل البلدي، لأن العالم أصبح قرية صغيرة ومن السهل دخول الطرود بطرق غير مباشرة، خاصة أن حال الرقابة في تدن شديد ولا تقوم بدورها، فمن المفروض أن يتم فحص هذه الطرود حتي يتم الكشف إذا كانت تعاني من أمراض أم لا، كما يحدث في البلاد المتقدمة.. أمريكا علي سبيل المثال إذا منعت استخدام مبيد معين، ووجدت دولة أخري تستخدمه تمنع استيراد الطرود من هناك، فالأمراض تهاجم كل الدول لكن هناك فرقا بين الحريص وغير الحريص، وفي النهاية المواطن هو الضحية. عشوائية المبيدات بينما يري د. محمد حلمي بلال، أستاذ المبيدات بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أن المشكلة الرئيسية التي تواجه المناحل في مصر هي عشوائية استخدام المبيدات و التي قد تؤدي إلي فقدان ثلثي النحل الموجود بالمنحل إذا تعرض للمبيد في وقت الرش، فيقول "المبيدات التي تقضي علي الأمراض كثيرة، لكن سوء الاستخدام هو الذي يضخم المأساة". ويضع بلال العديد من الحلول لتفادي مشكلة رش المبيدات من بينها الرش في أوقات الصباح الباكر أو في نهاية النهار، وهي الأوقات التي لا يخرج فيها النحل للبحث عن مصادر غذاء من رحيق أو حبوب لقاح أو غيرها، إلي جانب أهمية عدم وضع المنحل في زراعات يتم فيها رش المبيدات بصورة دورية أو غلق الخلايا لمدة لا تزيد علي يوم واحد في حالة وجود رش بالمبيدات طوال اليوم. تناقص الأراضي الزراعية وفي حوار طويل ل "أخر ساعة" مع د.محمود السيد نور، أستاذ تربية النحل بكلية الزراعة جامعة القاهرة، كشف لنا عن العديد من المشاكل والأسرار الأخري التي تواجه الثروة النحلية في مصر. يقول في البداية: " ظل العسل المصري لفترة قريبة لا يعاني من مشاكل، فكانت هناك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تضم أفضل أنواع النباتات المزدهرة التي يستطيع النحل من خلالها جمع الرحيل، وبالتالي ينتج كميات كبيرة من العسل بأنواعه المختلفة علي مدار العام، وذلك بمواصفات طبيعية في إطار المواصفة المصرية والقياسات العامة، لكن في السنوات الأخيرة تناقصت مساحات الأراضي الزارعية نتيجة لتجريفها والبناء عليها، مما أدي إلي تناقص النباتات المزهرة المنتجة للرحيق (النباتات العسلية)، بالإضافة إلي بعض السياسات الزراعية التي تمت في المرحلة الأخيرة باتجاه زراعة "القمح" بدلاً من "البرسيم" مما ترتب عليه تناقص عسل (النوراة) أو عسل (القطفة الأولي)، والذي يعتبر من أجود أنواع العسل علي مستوي مصر والعالم، بجانب زيادة الزراعة في الأراضي الصحراوية والتي لا تتناسب مع نشاط النحل والإنتاج العسلي، علي الجانب الآخر أعداد خلايا النحل في تزايد مستمر حيث وصلت إلي مليون ونصف المليون طائفة (خلية) موجودة في مصر تحتاج إلي مساحات كبيرة من الأراضي المزدهرة".
يستكمل: "ترتب علي ذلك رغبة النحال في إنتاج العسل بأي طريقة، فلجأ إلي طرق غير مسموح بها مثل التغذية السكرية مما يجعل النحل يخزن السكر كعسل، ويقوم صاحب المنحل ببيعه علي أساس أنه عسل طبيعي، وعندما نقوم بتحليله نجده غير مطابق للمواصفة المصرية". تدني الثقافة النحلية الثقافة النحلية في مصر متدنية، كما يشير د. نور قائلاً: "كل من ليس له عمل.. يعمل في النحل.. ويقوم بفحص خلية.. فيعتبر نفسه نحالا كبيرا"، وهذا يعني أنه ستواجهه العديد من المشاكل التي يعجز في التعامل معها مثل آكاروس "الفارو" الذي يهاجم طوائف النحل ويسبب خسائر كبيرة في الإنتاج وموت الطوائف، والآن نعكف علي أبحاث علمية لإنتاج سلالات مقاومة طبيعية له، أما الكارثة الكبري في أمراض العفونة "للحضنة" وهي بيض ويرقات النحل بالخلية، مثل عفونة الحضن الأمريكي الأكثر انتشاراً في مصر، والذي يهدد الثروة النحلية في الفترة الأخيرة. يواصل: هناك مرض آخر وهو "النوزيما" الذي واجه النحالين منذ سنوات عديدة، ويهاجم هذا الميكروب خلايا المعدة الوسطي ويدمره والنتيجة هي تحطيم الغشاء المحيط بالمعدة من الداخل مما يؤثر علي تغذية النحلة، مما يعجزنا علي تصدير النحل للخارج حيث يتم الكشف عليه طبياً ولو تم اكتشاف المرض فيها تعدم فوراً، وبالتالي يتم إهدار أعداد كبيرة من النحل المصدر للخارج. ويشرح د. نور كيف تعامل النحال مع "النوزيما" فيقول: النحال أتجه إلي ثقافة غربية وهي اعتبار النوزيما مرضا بيكتيريا، فقام باستخدام المضادات الحيوية سواء كان هناك أمراض أم لا، وذلك لمقاومة البكتيريات من ناحية، ولتأمين الخلية من ناحية آخري، وهو لا يعلم أن الحل الوحيد إذا هاجمت أمراض العفونة خلية نحل يتم حرقها تماماً حتي لا تنقل العدوي إلي الخلايا الآخري، فمن الممكن أيضاً أن ينشر النحال نفسه المرض إذا تلوثت يداه أو ملابسه من أقراص خلية تعاني من العفن، ثم قام بفتح خلية آخري سليمة فينتقل إليها المرض ويتكاثر فيها. يستطرد: كان النحالين يقومون باستخدام كل أنواع المضادات الحيوية الخاصة بالإنسان وليس الكلورامفينيكول فقط، ويقومون برشها بجرعات كبيرة علي الأطوار غير الكاملة (اليرقات والعذاري) أو وضعها في تغذية النحلة التي تقوم بتخزينه داخل العيون السداسية ليتحول إلي عسل يحتوي علي مضاد حيوي، مما يؤدي إلي تراكم تلك المضادات الحيوية داخل الخلية، وهذه الأنواع من العسل الأكثر تداولاً في الأسواق مما يهدد مناعة جسم الإنسان. غش العسل ب "الكولا" أما المشكلة الثانية التي نواجهها كما يؤكد د. نور - هي "غش العسل" فيستورد التجار كميات كبيرة من العسل الصيني بأسعار منخفضة والذي يحتوي علي كلورامفينيكول حيث يستخدم علي نطاق واسع في الصين، ثم يقومون بتغيير عبوات العسل الأصلية إلي عبوات مكتوب عليها (صنع في مصر)، وعندما ترغب الدول الأوربية في استيراد عسل من مصر يصدرون لهم العسل الصيني، وبالتالي تم اكتشاف أن العسل المصري يحتوي علي كلورامفينيكول مما أدي إلي وقف استيراد العسل من مصر وإلقائه في المحيط لأنهم لا يعتمدون عليه بصفة أساسية لأنهم يمتلكون ثروة نحل طبيعية لكنهم يستوردونه كإضافة غذائية لطعام الأطفال. ويضيف أن هناك نقصا واضحا في المعامل المتخصصة لتحليل عسل النحل، فتنتج مصر حوالي10 ملايين طن عسل في السنة أغلبه غير مطابق للمواصفات - وهذا علي مسئوليتي الشخصية - مما يمثل خطورة شديدة فالمواطن الذي يشتري كيلو العسل ب 30 جنيها يحتاج إلي 700 جنيه لتحليله والتأكد من سلامته، لكن لا نستطيع الجزم أن كل العسل المصري ملوث فهناك نسبة من النحالين الذين يتبعون الطرق الصحيحة في إنتاجه، لكن هناك نسبة لا يستهان بها تتبع طرقا خاطئة إما بحسن نية نتيجة تدني ثقافتهم النحلية أو بسوء نية للحفاظ علي الخلية بأي طريقة بغض النظر عن سلامة الإنتاج. ويوضح د. نور أن الكشف عن المضادات الحيوية لا تنص عليه المواصفة المصرية، مشيراً إلي اجتماع عقدته الهيئة العامة للمواصفات المصرية في وزارة الزراعة في شهر أكتوبر 2011 الذي قام فيها متخصصو النحل بتوجيه انتقاداتهم بخصوص المواصفة المصرية للعسل التي لا تتناسب مع المواصفات العالمية حتي نضمن سلامة العسل المصري سواء للتصدير أو الاستهلاك، لكن لم يحدث أي تغيير. ويتذكر د. نور اول دراسة علمية قام بها في بحث دكتوراة عام 1988 عن كيفية تقييم العسل المصري في أحد المعامل المتخصصة بألمانيا الغربية، والتي أنطويت كمثلها في صفحات النسيان، ولم يتم الاستفادة بها في وضع مواصفة قياسية حتي هذه اللحظة، بسبب تدخل رءوس الأموال من الشركات المختلفة لتغيير المواصفة كي ترضي جهات عديدة، لكن يتم إعداد دراسة يعكف عليها أحد المتخصصين في الوقت الحالي عن كيفية إعادة تقييم العسل المصري علي مستوي المحافظات كي ننهض بالثروة العسلية من جديد.
ويروي لنا د. نور لأول مرة تفاصيل الأعسال المغشوشة التي تأتي من الخليج قائلاً: كنت في إعارة بدولة السعودية في دورة نقوم بها بتدريب النحالين بجامعة الملك فيصل، وقد قمت باكتشاف أن الأعسال الجبلية يتم غشها عن طريق تغذية النحل علي البيبسي كولا، فينتج عسلاً أسود برائحة جميلة وطعم جيد، ويتم بيعه بمئات الجنيهات في مصر. سألته: كيف أكتشفت ذلك؟ أجاب: من المعروف أن فحص العسل يكون من خلال حبوب اللقاح الموجودة بداخله، لكي نتعرف علي كثافتها ونوع النبات الذي تغذي عليه النحل، وبالتالي نحدد نوعه، وعندما قمنا بتحليل العسل الجبلي لم نجد فيه أي حبوب لقاح، وهذا يعني أن القيمة الغذائية معدومة فيه وتضر بالإنسان، كما يعود بالسلب علي الحالة النفسية لاعتقاد أن العسل الجبلي يؤثر علي القدرة الجنسية، بالإضافة إلي أنهم يجهلون وسائل التعامل الحديثة مع الأعسال الجبلية مما يفقده بعض المركبات كالإنزيمات المهمة وقد ينشأ مادة سامة ضارة بالجسم، نتيجة لتعرضه للضوء والحرارة أثناء فرز وتجميع العسل الجبلي، وقمنا بتقديم شكوي تفيد بأننا في حاجة إلي معامل تحليل متخصصة لفحص مكونات العسل الضرورية الهامة التي يحدد من خلالها أن العسل صحي أم لا طبقاً للمواصفات العالمية.
عسل بالمركبات الثقيلة يتابع د. نور الكوارث التي تواجه العسل قائلاً: الخطورة في احتواء العسل علي المركبات الثقيلة غير القابلة للتحلل مثل الرصاص النابع من عوادم السيارات ودخان المصانع الذي يحيط بالمناحل خاصة في الطرق الزراعية، حيث تسقط المركبات الثقيلة إما علي التربة فيمتصه النبات أو علي الرحيق الذي يأخذه النحل مباشرة ويخزنها في عيون الشمع السداسية، فبدلاً من استخدام العسل كعلاج.. يصيب الإنسان بأمراض خطيرة. سألته: هل هذا يتطلب نقل المناحل في أماكن طبيعية خالية من التلوث؟ أجاب: هذا عليه علامة استفهام كبيرة، لأن بعض النحالين حاولوا إنتاج عسل عضوي خالي من العناصر الثقيلة والمضادات الحيوية وأساليب الغش المختلفة، لكنهم فشلوا لأن جميع المناحل وضعت في الأماكن القريبة من الطرق الزراعية وسط التلوث لتسهيل المواصلات، مما جعلهم يعتمدون علي النحالة المتنقلة، فالمصريون القدماء كانوا ينقلونه عبر المراكب في المناطق الأقل درجة حرارة، أما الآن فينقلونه علي شاحنات كبيرة.. علي سبيل المثال فنحالو الصعيد ينقلون مناحلهم خلال موسم الموالح إلي المنوفية والقليوبية، دون أن يعرفوا العواقب الوخيمة التي ستعود عليهم من العناصر الثقلية التي من خلالها نستطيع أن نحدد موقع المنحل الذي أنتج هذا العسل، فإذا كان يحتوي علي رصاص عال يعني أنه جاء من منحل قريب من طريق سريع، وإذا كان يحتوي علي زرنيخ يعني أنه جاء من مخلفات مصنع كيماوي ألقيت في المصارف التي يشرب منها النحل. ويضيف: يعتبر العلماء النحل مؤشرا لتلوث البيئة، وكاشفا لأنواع النباتات الموجودة في المكان الذي يوجد فيه المنحل، كما أنه أصبح حديثاً محدداً إذا كان مغذيا صناعياً أم لا، وهل هو طبيعي أم لا، ومحدد لأنواع التحبب وأشكالها، وإذا كانت طبيعية أم تكشف عن غش العسل، وأريد أن أكرر أكثر من مرة أن الجهات التنفيذية المسئولة عن العسل في مصر هي السبب المباشر في تدهور الثروة النحلية، فلا يوجد سلالة جيدة، ولا ثقافة نحلية، ولا إحصائيات توضح طبيعة النحل، ولا خريطة توضح كيفية وضع المحاليل للخلايا، فمتوسط إنتاج الطائفة الواحدة الذي تحتوي علي 100 الف نحلة 7 كيلو في السنة، يغذيها النحال بالماء والسكر لينتج عسلا غير طبيعي في أسرع وقت، ووزارة الزراعة علي علم بكل هذا الغش ولم تفعل شيئا. النحالين يعالجون بالبركة لذلك تطلب منا أخذ آراء النحالين فيما تم ذكره، فيقول سيد أحمد "لا توجد أي مشاكل يعاني منها النحل، وليس مصابا بأي أمراضه، وكل ما يتردد بهذا الشأن يقصد به ضرب هذه السلعة التي تعتبر من أنقي أنواع العسل عالمياً.. وبعد أن أصبح مشروع إقامة منحل مصدر رزق لكل شاب يقيمه برأس مال صغير". أما فهمي محمد، صاحب منحل بمحافظة المنوفية، يوضح أنه عندما يصاب النحل لديه بأي عرض يذهب للاستعانة بالأطباء في الصيدلية البيطرية، ولا يسأل أو يشك فيما يقدمونه له من أدوية أو نصائح، فهو ككثير من مربي النحل بمصر يعتمد علي التجربة والخطأ والخبرة لدي القدماء بهذه المهنة، وعلق قائلا: "لم يقل لنا أحد إن العسل الذي تناوله سبب له أمراضا".