د. حسام الغريانى دخلت أزمة اللجنة التأسيسية للدستور النفق المظلم بعدما انسحبت رسميا القوي المدنية وممثلو الكنائس الثلاث وهو ما أدي إلي تمزيق آخر تشكيل للجنة إعداد الدستور شكلها البرلمان المنحل وقبل أسابيع من إصدار المحكمة الدستورية حكمها في الطعن علي بطلان تشكيل هذه الجمعية. وتراهن القوي المدنية المنسحبه مع ممثلي الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية من أجل الضغط علي الرئيس لإعادة تشكيل تأسيسية الدستور لتصبح أكثر توازنا وإفشال محاولات الإخوان المسلمين للتوافق علي هذه التأسيسية حتي يضمنوا بقاء سيطرتهم علي التشكيل الحالي كما أبلغوا المستشار حسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية أنهم سيجتمعون لإعداد دستور مواز وهو ما يفتح الباب أمام ظهور اجتهادات قد تتصادم مع مواد الدستور التي انتهت إليها أعمال اللجنة وطرحها علي الرأي العام بالتزامن مع تحرك الجمعية للانتهاء من إعداد الدستور وطرحه للاستفتاء قبل نهاية ديسمبر القادم. حزب الوفد كان آخر المنسحبين بعدما أصدر رئيسه الدكتور السيد البدوي بيانا ساخنا هاجم فيه الجمعية وقال إن الحزب لن يكون شريكا في دستور يقوم علي الغلبة وينكر التوافق الوطني العام ويشوب بعض مواده العوار الذي يخرج به علي إجماع الأمة ويفرق بين أبنائها بما لا يحقق آمال ثورة 25 يناير في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة وعادلة - بحسب وصفه - فيما أكدت الهيئة العليا لحزب الوفد تقديرها واحترامها لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وتأييدها له في مواجهة الحملة التي وصفتها ب"اللا أخلاقية" التي يشنها ضده بعض أصحاب الهوي، بما يتعارض مع قيم وأخلاقيات الإسلام، كما وجهت الشكر لممثلي الوفد في الجمعية التأسيسية علي ما بذلوه من جهد في سبيل خروج دستور يكون محلا للتوافق الوطني العام. وبالتزامن مع إعلان الوفد عن انسحابه من تأسيسية الدستور أصدر تحالف الوطنية المصرية المكون من أكثر من 20 حزبا وحركة سياسية بيانا طالبوا فيه بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية وصياغة دستور يعبر عن كل المصريين، بالإضافة إلي المطالبة بإصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية لضمان نزاهة الانتخابات القادمة. وهاجم البيان التأسيسي للحركة والذي تلاه الإعلامي حسين عبدالغني عضو التيار الشعبي الإخوان المسلمين واتهمه بالسعي للاستئثار بالسلطة مستفيدا من الخلل في علاقات القوي السياسية وتضييق النظام السابق علي الأحزاب، وما فرضه من قيود علي التعددية السياسية. ووضع التحالف الجديد الذي يشارك فيه أحزاب التيار الشعبي وأحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي والدستور والتحالف الشعبي والعربي الناصري والاشتراكي المصري والكرامة ومصر الحرية، بالإضافة إلي حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، والتحالف الديمقراطي الثوري والمجلس الوطني، والاتحاد المصري لنقابات العمال المستقل واتحاد المعاشات خطة عملهم الجديدة والتي تسعي إلي تعبئة طاقات هذه الأحزاب من أجل إصدار دستور جديد يحافظ علي المساواة بين كل المصريين وهو ما يتطلب إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بشكل متوازن يعبر عن كل فئات المجتمع وأطيافه الأساسية. وكشف البيان التأسيسي أن الأحزاب والقوي السياسية الشعبية المشاركة في تحالف الوطنية المصرية ستعمل معا من أجل بناء تحالف انتخابي يخوض الانتخابات البرلمانية القادمة ويمكن أن ينضم أو ينسق فيه مع أحزاب أخري من خارج هذا التحالف السياسي. وانضمت الهيئة الاستشارية للتأسيسية إلي موجة الانسحابات بعد إعلان أعضائها الفقيه الدستوري أحمد كمال أبوالمجد وسعاد الشرقاوي وصلاح فضل وحمدي قنديل وحسن نافعة ومحمد السعيد إدريس وهبة رءوف عزت عن انسحابهم من الجمعية التأسيسية وعزمهم علي إتمام عملهم خارج نطاق الجمعية وتقديم صيغة مكتملة للدستور الذي يليق بمصر ويحقق أهداف الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية. وكشفت اللجنة الفنية الاستشارية عن أسباب انسحابها في بيان لها قالت فيه إنها طالبت عدة مرات بإتاحة الفرصة لها لسماع مقترحاتها وتعديلاتها وشرح اسبابها إلا أن الجمعية التأسيسية لم تستجب لهذا المطلب الضروري بتخصيص جلسة كاملة لهذا الغرض وتم إبلاغنا أنه لايوجد متسع من الوقت لتخصيص جلسة كاملة فقدمت اللجنة اقتراحا بالاجتماع مع لجنة الصياغة حتي تؤخذ التعديلات بعين الاعتبار قبل عرض الصياغة شبه النهائية علي الجمعية التأسيسية للتصويت إلا أنه لم يقبل بهذا المقترح ومن ثم لم يتم الاستفادة من اللجنة الاستشارية المتخصصة وأصبح دورها صوريا لا قيمة له. وأكدت اللجنة أن هذا الموقف لا صلة له بانسحاب أطراف أخري لاعتبارات تتعلق بالهيئة التأسيسية، مشيرة إلي أن معظم تعديلات اللجنة لا تتعلق بمواد الشريعة بل المواد تتعلق بصميم التوازن بين السلطات وبعدم التخلي عن التقاليد الدستورية والأخذ في الاعتبار طموحات الإنسان المصري. وقال أعضاء الهيئة الاستشارية إنهم لاحظوا أن مسودة الدستور التي يعملون عليها تتغير بشكل مستمر بلغ في بعض الأحيان معدلا يوميا دون بيان بأسباب التغيير وخلفية التفاوضات السياسية الكامنة وراءه، ودون الإشارة إلي مواضع التغيير في المسودة الجديدة بالإضافة إلي أن الاقتراحات التي تسلمتها الأمانة العامة لا أثر لها في المسودات المتتالية. وأضاف البيان أن جدول العمل حرمهم من المشاركة في عملية النقاش النهائية للمسودة فضلا عن أن هناك افتئاتا علي سلطة أعضاء الجمعية بعد أن قاموا بالتصويت بالفعل علي المواد. ويري عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبي ونائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان أن الجمعية الحاليه تعمل علي دستور يتصادم مع الحريات ويغفل أمورا مهمة مثل وضع مكانة خاصة للاتفاقات والالتزامات الدولية بحقوق الإنسان تختلف عن باقي المعاهدات السياسية والاقتصادية وتساهم في حماية حقوق الإنسان المصري الواردة في الدستور . وأكد شكر أن انسحاب القوي السياسية تم بعد نضال طويل مع هذه الجمعية التي لم تتعامل مع اقتراحاتهم بالجدية المطلوبة وتسعي إلي إصدار يعبر عنها وليس عن التوافق المجتمعي. قال أحمد فوزي الأمين العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أن القوي المدنية اتخذت القرار الصائب بالانسحاب من تأسيسية الدستور لافتا إلي أن القوي المدنية حاولت بشتي الطرق التوافق مع التيار الإسلامي بشقيه الإخواني والسلفي إلا أن التيار الإسلامي أصر علي المغالبة لا التوافق مما أدي في النهاية إلي الانسحاب بشكل نهائي من هذه الجمعية. وكشف فوزي النقاب عن عمل الأحزاب المدنية علي مسودة دستور بديلة للمسودة الحالية لافتا إلي أن الحزب المصري الديمقراطي وحزب مصر القوية والتيار الشعبي يعقدون اجتماعات الآن حول هذه المسودة من أجل طرحها للحوار الوطني مشيرا إلي القوي السياسية المنسحبة ستتخذ القرار بشكل جماعي عند طرح هذه المسودة كما أنها ستتخذ قرارا آخر في وقت لاحق ستطالب فيه الشعب بمقاطعة الاستفتاء إلي إذا تم تجاهل مطالبهم في الدستور القادم . واعتبر الدكتور وحيد عبدالمجيد المتحدث السابق باسم الجمعية التأسيسية للدستور أن انسحاب الكنائس الثلاث المصرية من "التأسيسية" ينبه إلي الاختلالات الجسيمة التي لا يمكن أن تنتج دستورا يشوبه العوار، داعيا الأزهر الشريف إلي تحمل مسئولياته وأن يتخذ موقفا يؤكد قيمته ويعلي دوره، بألا يشارك في عمل ينفرد به تيار واحد. وحذر عبدالمجيد من أن النص المراد تمريره يحتوي علي مواد شديدة الخطورة منها ما يضفي حماية دستورية علي تشكيل جماعات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عبر جعل الدولة والمجتمع حاميين للقيم والأخلاق، وهو ما يعطي الجماعات الإسلامية الحق في إنشاء جمعيات تفرض ما تراه بالعصي ويصبح المجتمع في حالة استباحة، مشيرا إلي أن تمرير هذه المواد ستثير ارتباكا في مجتمع مضطرب أصلا.