في الذكري الثمانين لرحيل أعظم شعراء العربية في العصر الحديث أحمد شوقي، يتداعي إلي الذهن تلك القامة السامقة في عالم الشعر، الذي عبر عن أحداث عصره أصدق تعبير. عبر في قصائده تلك عن أحزان هذه الأمة وعن أحلامها، وحقها في أن تعيش حياة حرة مستقلة، ودافع فيها عن الإسلام بمدائحه النبوية الرائعة، ومن هنا لم يكن غريبا أن يبايعه شعراء عصره بإمارة الشعر. وقد توهجت شاعرية شوقي بعد نفيه إلي أسبانيا بأمر الاستعمار الإنجليزي خلال الحرب العالمية الأولي سنة 5191، وقد استمر نفيه حوالي خمسة أعوام، هناك شاهد آثار المسلمين في الأندلس، وهناك تذكر مجد الحضارة الإسلامية التي غزت القلوب والعقول، ومدت أضواءها إلي كل أرجاء العالم، وهناك أيضا تذكر وطنه الجريح الذي يئن تحت ضربات الاستعمار، وقال في كل ذلك شعرا خالدا يمس العقول والقلوب، ومنها سينيته الأندلسية التي نظمها سنة 9191، يعارض فيها سينية البحتري .. قال في مطلعها: اختلاف النهار والليل ينسي اذكرا لي الصبا وأيام أنسي وسلا مصر هل سلا القلب عنها أو أسا جرحه الزمان المؤسي كلما مرت الليالي عليه رق والعهد في الليالي تقسي والذي قال فيها أيضا: وطن لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي وهناك في الغربة يشعر بالحنين الجارف إلي مصر.. مهد طفولته وصباه وأحلامه، ويشعر بالحنين أيضا إلي أهل وطنه الذين عاش لهم وبهم، فيقول: يا ساكني مصر إنا لانزال علي عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا هلا بعثتم لنا من ماء نيلكم شيئا نبل به أحشاء صادينا كل المناهل بعد النيل آسنة ما أبعد النيل إلا عن أمانينا وهذه الأبيات بعث بها إلي صديقه شاعر النيل حافظ إبراهيم، فأجابه حافظ بهذه الأبيات: عجبت للنيل يدري أن بلبله صاد ويسقي ربا مصر ويسقينا تالله ما طاب للأصحاب مورده ولا ارتضوا بعدكم من عيشهم لينا لم تنأ عنه.. وإن فارقت شاطئه وقد نأينا وإن كنا مقيمينا وما أروع الإبحار في عالم أمير الشعراء.