"ابن الجماعة" رواية صدرت أخيرا للكاتب أحمد حسام الدين، وتتناول فصولها قصة شاب انتمي بالوراثة إلي جماعة "الإخوان المسلمين"، ويفيق علي صدمة رفض مشروعه الفكري للحكم الإسلامي، ويقرر أن يتخلي عن انتمائه بإرادته، وقبل أن يفصل كسائر الخارجين عن طوع القيادة عبر تاريخها، يكتشف أنه "شاهد ماشفش حاجة"، ولكن نزعته الإخوانية تسيطر علي سلوكه، وتدفعه إلي اختيارات صعبة، واكتشاف طريق آخر للحياة. تثير الرواية تساؤلات عن كونها مجرد عمل أدبي يحتكم للخيال، أم توثيق تاريخي لحقبة ثلاثين عاما مضت ، أم سيرة ذاتية للكاتب تحت اسم مستعار "مصطفي التابعي" .. وبدءا من الغلاف الموحي برمزيته.. تطالعنا صورتا الخميني ، وحسن البنا، وكلاهما وجهان لعملة واحدة (شيعة وسنة)، ولكن أحدهما وصل للحكم وإقامة جمهورية إسلامية، والآخر اغتيل قبل تحقيق غايته. تستهل الرواية أحداثها بالتعريف بشخصية "مصطفي" ابن القيادي الإخواني تاجر السجاد اليدوي المقيم بقرية "زوير" بشبين الكوم، والمعتقل السياسي في عهد عبد الناصر، وأحد المتهمين في قضية " سلسبيل" الشهيرة، ومن خلال الراوي "العليم" تتابع الفصول ( الجامعة- المعتقل – المخطط – الأزمة). تعمد الكاتب أن يوحي للقارئ بواقعية الأحداث، وذكر أسماء حقيقية، مثل المرشد الراحل عمر التلمساني الذي رآه لأول مرة، أثناء زيارته لمنزلهم في عام 1980 ليبدأ من هذا التاريخ كتابة مذكراته، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، وكيف أثرت نشأته " الإخوانية" علي مسار حياته. في الجامعة يعامل مصطفي بحفاوة من زملائه "الإخوانيين"، باعتباره ابنا لأحد قياداتها، وتوكل إليه مهام صعبة كقيادة اعتصام يكلفه الاعتقال لمدة ستة أشهر، ولا نري منطقية لزواج هذا الشاب الريفي المتدين عرفياً من فتاة متحررة "رندا"، وصداقته بزميله "سمير" الشاب السكير والذي تحطمت حياته بعد أن رفضت حبه "فاطمة" الفتاة المحجبة والمشاركة في نشاطات الجماعة. وبدت رؤية الكاتب "انتقائية" ومشوبة بأحادية السرد، فبطله مصطفي لا يثيره الفضول لمعرفة الحياة الخاصة لزملائه الإخوانيين مثل حمزة زميل الجامعة والمعتقل "شعرت بالحقد الذي يملأ قلبه تجاهي دون أدني سبب سوي أنني ابن مصطفي التابعي القيادي الكبير"، والمثير للدهشة أنه دعاه بعد ذلك، ليشاركه في إنجاز مشروعه الفكري لوصول الجماعة للحكم. وبينما همش مصطفي شخصية " حمزة " اقترب أكثر من " رشدان والدكتور عبد الهادي زميله في "عنبر 9 وهو عنبر مشكل، نزلاؤه من العامة، أو الذين ليس منهم خطر"، وترك لهما "منصة الراوي" ليستهلكا صفحات من الرواية في حكي يتراوح بين الهزل والميلودرامية. وفي المعتقل تحرر مصطفي من أحادية نشأته الثقافية وقصر معارفه علي تاريخ الإخوان وجهادهم، وقرأ مؤلفات تاريخية وأدبية وسياسية لكتاب يحملون أفكارا مناهضة لفكر الجماعة، ولكنه يعترف: "خرجت من المعتقل إخوانيا كما دخلت، بل أشد تمسكا بالإخوان عما قبل، شريطة أن تتضح لي بعض الأمور التي تشغل ذهني، وهو ما لم يحدث للأسف". ويصل المؤلف إلي فصل "الأزمة"، ليزداد الأمر غموضا لدي مصطفي الشاب الإخواني الطموح بصدمة رفض مشروعه الذي أنجزه مع زميله حمزة "من قال لك إننا نريد أن نحكم مصر؟! هل سمعت ذلك من أبيك؟ هل سمعته من فضيلة المرشد؟ هل سمعته مني أو من أحد من أعضاء مكتب الإرشاد؟ هل سمعته من أحد من الإخوان كبر أو صغر شأنه ؟". ويخرج مصطفي من لقائه العاصف مع القيادي (لم يذكر اسمه)، وبعد أن ضيق عليه الخناق بكشف علاقته براندا أمام أبيه، واتهمه بالزني، ويتلقي آخر نصائح والده القيادي الكبير بنسيان أمر المشروع والابتعاد عن زوجته "العرفية"، والتي تخونه مع عشيقها في لندن، والرجوع إلي طريق الحق. ولا ينتبه المؤلف لذكر رد فعل لبطله، جراء معرفة أبيه وقيادة الجماعة بتفاصيل وأسرار حياته الشخصية، وكيف أن والده تغاضي عن مواجهته طيلة هذه الشهور، ولديه تلك المعلومات المشينة عن سلوك ابنه، وليس مبررا أنه كان محبوسا علي ذمة قضية "سلسبيل"، وأن مصطفي اعتقل أيضا، ولكن "الأزمة" بدأت مع "المخطط"، وانتهت بتسليم نسخته الوحيدة، تمهيدا لحرقه، ووأد من حاول الخروج علي "الطاعة والولاء". وفي السطور الأخيرة، يذهب مصطفي إلي صديقه سمير، ويقول له أنه سيسافر إلي أوروبا لدراسة هندسة السجاد، وتحقيق حلم والده، وينصحه بنسيان حبيبته فاطمة والإفاقة من السكر، وتنتهي الرواية التي استهلها المؤلف "وأعدوا" قرآن كريم، ليتضح أن بطله تهاوت مثاليته مع أول صدام مع " مركزية القرار"، وخرج ولم يعد. لم تضف الرواية جديداً عن سياق المتاح من المعلومات المتداولة عن الجماعة، وتاريخها المعروف لدي الكثيرين، وفرض المؤلف سياجاً من الغموض والقداسة علي أعضائها وقياداتها، وانتهي مصطفي الراوي المتورط في الحدث، إلي طريق شقيقه بلال، وخروجه المبكر من عباءة أبيه القطب الإخواني، وهي الشخصية الصامتة والتي همشت، وسقطت من بؤرة الأحداث في سياق السرد الانتقائي. ولعل المؤلف أقصي شخصيات شديدة الثراء، مثل "بلال" المتمرد علي أبيه، ليتيح لبطله مصطفي أن ينفرد بالنص، ويملي شروطه ورؤاه علي شخصيات الرواية، وبات سهلاً أن ينهي دورها أو يثيره فضوله للكشف عن أسرارها، طالما كانت خارج فضاء "الجماعة"، فهو ابنها المخلص والبار، فكيف له أن يقترب أو يجرؤ علي كشف الأسرار؟ يذكر أن "ابن الجماعة" الرواية الأولي للكاتب، وتعد عملاً أدبيا واعدا، رغم إسهابات عديدة، وخروج علي نسق السرد الروائي، وإفراد مساحة مطولة لمشروعه الإسلامي "المخطط"، والمراوحة بين الخيال والإيحاء بواقعية الأحداث، ودغدغة الحواس بمشاهد جنسية، وتناقض سلوكيات البطل، والإغفال المدبر من المؤلف عن الولوج إلي العالم الإنساني للشخصيات "الإخوانية"، بما جعلنا نصدق بأنه "شاهد ماشفش حاجة".