الحرب في سوريا! لم تأخذ ولدا ولا ابنة ولا دمرت اقتصادا ولا شردت أسرا بكاملها بلا وطن ولا مأوي.. ولكنها دمرت تراث شعب عريق بني تاريخه الذي شهد له العالم كله علي مدي آلاف السنين.. ومن بين مادمره مدينة حلب التاريخية بقصورها وقلاعها وأسواقها.. والتي ادرجتها منظمة اليونسكو عام 6891.. في قائمتها للتراث العالمي.. وما تحويه من معالم تشهد بتطورها منذ أنشأها المماليك منذ قرون طويلة. وبعد أكثر من عام ونصف من الحرب الأهلية في سوريا، خرج نداء عالمي من اليونسكو علي لسان مديرته : إيرينا بوكوفا.. يعبر عن أسفه للأضرار الجسيمة التي لحقت بحلب وبخاصة بأسواقها التاريخية التي تعد من عجائب التراث العالمي، وكان السبب هو الحرائق التي اضرموها هناك بين اتهامات لكل من جيش بشار الأسد والجيش السوري الحر.. بوكوفا قالت إن سوريا وقعت علي اتفاقية لاهاي عام 4591 والتي تعني بحماية الممتلكات الثقافية في حالة نشوب أي نزاع مسلح.. وهو مايحدث الآن وبصورة منتظمة في حلب من قصف ودمار في كافة ارجائها. ومعه يعاني سكانها من التشريد والنزوج بصورة يومية عن المدينة التي بات أكثر أحيائها: التاريخية والحديثة عبارة عن اطلال .. وبعد أن طال الدمار تراثها الثقافي وبخاصة أسواقها التي تعد ملتقي لعدة حضارات منذ الآلف الثانية قبل الميلاد.. وتعد الآن جزءا أصيلا من التراث والحياة الاقتصادية والاجتماعية.. للسوريين. ورغم استعداد اليونسكو لإعادة إعمار حلب وأسواقها.. وايفاد فريق لتقييم أوضاعها وحماية تراثها من الضياع والاندثار، إلا أن ظروف الحرب التي لاتهدأ تحول دون ذلك.. ودون إنقاذ المدينة القديمة التي أدرجها اليونسكو ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي عام 6891.. أما الوضع علي الأرض فيوحي بأشياء وأشياء.. فعدة مبان تحولت إلي ركام.. والشوارع امتلأت بالحطام نتيجة القصف العشوائي من الدبابات والمروحيات.. وباتت أغلب أرجاء المدينة مهجورة حيث قررت عدة عائلات تركوا منازلها.. وأغلقت نحو 09٪ من المحلات والمنشآت التجارية وبخاصة داخل الأسواق وغادر المدينة أكثر من نصف سكانها لمدن وقري مجاورة.. وبعضهم نزح لبلدان مجاورة كتركيا والأردن والعراق. وفي المدينة أيضا.. حالات كر وفر بين حيش النظام والجيش السوري الحر.. وهي القوات التي يحتل بعضها أسقف المنازل والمساجد والمباني.. كقناصة يصطادون كل مايتحرك فيه.. مقاتلون سيطرتهم الوهمية علي المدينة التي تحولت إلي أطلال.. ولم تنج المساجد من القصف ومنها المسجد الأموي الكبير بالمدينة.. ومسجد قسطل الذي يرجع تاريه ل 003 عام مضت. أما عن المداخل.. فيتبادل الطرفان: جيش النظام والجيش الحر السيطرة علي نقاط التفتيش متبادلين النيران مابين الأسلحة الثقلية والمتوسطة والبنادق الخفيفة.. وأسلحة القناصة.. وحلب التي تقع في شمال سويرا تعد عاصمة الثقافة السورية ورمزا من رموز تاريخها واقتصاديها القديم والحالي.. فهي التي احتلت موقعها الاستراتيجي عند تقاطع طرق التجارة التاريخية بين الشرق والغرب.. وهو مادعا اليونسكو منذ يوليو الماضي إلي مناشدة كل الأطراف المتصارعة لحماية التراث الثقافي هناك والتنبيه بوقوع مواجهات عنيفة ومخاطر نهب ممتلكات حلب الثقافية. وهنا أرسلت اليونسكو نداءات للمنظمة العالمية للجمارك والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول) وعدة بلدان مجاورة لسوريا بضرورة التصدي ومع الاتجار غير المشروع بهذه الممتلكات التي تم تهريب الكثير منها بالفعل والذي يزيد الحزن.. حزنا وكمدا. إن المدينة بها أكثر من 051 معلما أثريا تمثل كافة الحضارات الإنسانية وكافة العصور التاريخية. وأبرزها : المسجد الكبير والذي تم بناؤه في القرن الثاني عشر الميلادي،، وقلعة حلب التي تعود للقرن الثالث عشر الميلادي. كما تعد أسواقها وأبوابها.. من أقدم الأسواق بالمنطقة.. كما تشتهر بكنائسها ومساجدها.. وصناعاتها اليدوية والتاريخة المميزة. وتعتقد اليونسكو أن أكثر من 5 مواقع أثرية شهيرة بها قد تضررت وتحول بعضها إلي حطام وأطلال ويستحيل إعادته للحياة مرة أخري، لشدة ما لحق بها من القذائف والدبابات.. والقصف العشوائي المستمر. ولاتعفي اليونسكو أيا من الطرفين سواء كان الجيش النظامي أو الجيش الحر المعارض من المسئولية.. فكلاهما يتهم الآخر بما حدث.. أما أهلها فمازالوا ينتظرون الفرج الذي لايأتي أبدا.. وعودة حلب إلي سابق عهودها عبر قرون من الانتعاش الثقافي والاجتماعي والتجاري عبر أحيائها وأسواقها ومبانيها العريقة.. وشوارعها ومساجدها وكنائسها.. وحارتها الممتدة وبواباتها الخلابة وأزقتها. وبساتينها العامرة بأشجار الفاكة والخضراوات.. وتلالها التي تطل عليها شاهدة علي تاريخ مازال الأحفاد يصرون علي هدمه ومحو معالمه.. والأهم: عائلاتها التي اشتهرت والتصقت بها وأشهرها عائلات: العرب والتركمان والوافدين.. ومنها : الحلبيون والتي خرج منها الشاب : سليمان الحلبي. والكواكبيون وأشهر ابنائها المجدد الثائر العربي : عبد الرحمن الكواكبي.. وغيرهما كثيرون.