يحذر سوريون ينتمون لطرفي الصراع الدموي الدائر في البلاد منذ أكثر من عام ونصف العام، من أن الحرب في سوريا تشكل تهديدا خطيرا للمواقع الأثرية والتراث الثقافي للبلاد، وذلك في ظل تدمير عدة مواقع أثرية بالفعل نتيجة لانفجارات بالإضافة إلى تعرض قطع أثرية تاريخية قيمة للنهب. ويشمل تراث البلاد قطعا أثرية ترجع إلى العصور اليونانية والإسلامية والرومانية والآرامية القديمة. وتم تسليط الضوء على الأضرار التي لحقت بالمواقع الأثرية عندما بدأت المعركة من أجل السيطرة على حلب، أكبر مدن سوريا، قبل عدة أشهر. وقد التهمت النيران ما بين 700 وألف محل تجاري في سوق المدينة الذي يرجع إلى العصور الوسطى والمدرج على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي. ويقول بسام الحلبي، وهو ناشط معارض في حلب لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن ''الجيش اتخذ مواقعا له داخل المواقع الأثرية وبصفة خاصة في القلاع القديمة، بما في ذلك المواقع الأثرية في مدينة حلب، وحولها إلى مواقع عسكرية''. واتهمت الحكومة المعارضين بتحويل المساجد التاريخية في محافظتي حلب وحمص إلى مستشفيات ميدانية وباستخدام القلاع كمتاريس. وأظهرت لقطات فيديو بثت على الإنترنت الجامع الكبير، الذي يعرف أيضا باسم الجامع الأموي والمبني في موقع لمعبد روماني سابق وكاتدرائية بيزنطية في حلب، وقد دمر بشكل جزئي. وملا الدخان الأسود المسجد وتمت تغطية الأرضيات، التي كانت مفروشة بسجاد ذي تصميم جميل وكان يؤدي عليها المصلون صلواتهم، بالحطام. وقال الحلبي: ''انفطر قلبي عندما شاهدت الجامع الكبير وقد اندلعت فيه النيران ولم أتمكن من فعل أي شيء بسبب القصف الشديد الذي يشنه بلطجية الأسد على المنطقة''. وأضاف: ''أنها كارثة. يتم تدمير أقدم مدينة في العالم على يد ما كان يعرف يوما بجيش هذه المدينة''. ودفع الضرر الذي لحق بالمسجد الرئيس بشار الأسد إلى إصدار مرسوم رئاسي لتشكيل لجنة لإصلاح المبنى بحلول نهاية عام 2013 . وحذر موقع إلكتروني موال للحكومة يطلق عليه ''سيريا ستيبس'' الأسبوع الماضي من أن قطعا أثرية، يرجع عمر بعضها إلى 6000 سنة مضت، وقعت في أيدي شبكة منظمة تنظيما جيدا من المهربين الذين يمتد نشاطهم إلى ما وراء حدود البلاد. وقال الموقع إن القطع التي سرقت منذ اندلاع الانتفاضة ضد الأسد في أوائل عام 2011 تقدر قيمتها بحوالي 2 مليار دولار. ولم تتمكن (د.ب.أ) من الاتصال بمديرية الآثار والمتاحف للتعليق على هذا التقرير، إلا أن مسؤولين من المديرية كانوا قد قالوا خلال الأشهر الماضية إن العديد من المتاحف والمواقع الأثرية قد تم نهبها أو لحقت بها أضرار جزئية في الاشتباكات التي وقعت بين القوات الحكومية ومقاتلي المعارضة. وتبادل الجانبان اللوم بسبب الضرر الذي لحق بقلاع وأثار تاريخية أخرى في جميع أنحاء البلاد. من جانبها أعربت منظمة اليونسكو عن قلقها واتصلت بالإنتربول وناشدت الدول المجاورة لسوريا بالتدخل لمنع تهريب القطع الأثرية. وفي يوليو، عرض تلفزيون ''فرانس 24'' لقطات فيديو لما قال إنهم جنود في منطقة تدمر، أحد مواقع التراث العالمي والواقعة بوسط سوريا، يلتقطون صورا وبحوزتهم قطع أثرية نادرة. وتشتهر تدمر بأنها تضم موقعا أثريا يمتد على مساحه 6 كيلومترات مربع وهو الموقع الذي تم فيه اكتشاف قطع أثرية تعود للقرن الثاني الميلادي. وقالت ماتيلدا جيلين، عالمة الآثار الفرنسية والخبيرة في الأثار السورية لتلفزيون ''فرانس 24'' إن القطع الأثرية التي تم عرضها في لقطات الفيديو تشبه القطع الأثرية الموجودة في تدمر والتي يعرضها متحف يقع بالقرب من الموقع. ولفت خبراء في لبنان إلى أوجه الشبه بين الوضع في سوريا حاليا وما كان عليه الحال في بيروت خلال الحرب الأهلية (1975-1990) عندما تم تدمير معظم المواقع التاريخية ودمرت السوق الرئيسية في المدينة حتى سويت بالأرض. وقال المؤرخ نديم حمزة: ''وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة في بلد مجاور.. دعونا نأمل أن يتمكن السوريون قريبا من التصالح والبدء في إعادة بناء بلدهم وترميم المواقع الثقافية المتضررة كما فعل اللبنانيون''.