إسماعيل يس هذا الرجل الذي رحل قبل الستين من عمره.. والذي أدخل السعادة والبهجة علي نفوسنا عندما نشاهده حتي الآن من خلال التليفزيون.. ولايزال يُضحك أجيالا لم تعاصره.. وربما أجيالا من بعدهم، إنه الفنان اسماعيل يس أشهر ممثل كوميدي علي مدي سنين طويلة.. قدم خلالها حوالي 300 فيلم. ولد اسماعيل يس في السويس وعاش ظروفا صعبة في بداية حياته.. عرف اليُتم مبكرا حين رحلت أمه.. وسُجن أبوه إثر إفلاس محل للصاغة حيث صرف أمواله علي المزاج والستات! رفضت زوجة الأب أن يقيم في منزل أبيه فأرسلته إلي جدته لوالدته والتي أذلته وعاملته بقسوة لأنها أرادت أن تنتقم من الرجل الذي تسبب في قتل ابنتها في ابنه.. فكانت تحرمه من الطعام وحينما تبعثه ليشتريه يأكل نصفه في الطريق. ❊ ❊ ❊ أراد اسماعيل يس أن يحقق حلمه ليسافر إلي القاهرة حيث قمم الفنانين والمغنين.. لكن المال وقف حائلا دون ذلك.. فسرق بعض أموال جدته التي ذاق منها الأمّرين ووفد إلي القاهرة في أواخر الثلاثينات.. وكان شارع عماد الدين هو شارع الفن والبهجة حيث مسارح نجيب الريحاني ويوسف وهبي والصالات والكازينوهات التي تقدم فيها الاسكتشات الراقصة والمنولوجات بين الفصول. كانت الفلوس التي سرقها من جدته قد نفدت فكان يتسلل بعد صلاة العشاء إلي الجوامع ليبيت فيها حتي ضبطه أحدهم واتهمه بالسرقة فأخذ يبكي وعطف عليه أحد الشيوخ الذي أحس أنه مظلوم.. ونصحه بالعودة إلي بلده قطع له تذكرة السفر وأعطاه بعض الطعام.. كان اسماعيل قد وصل إلي حالة يرثي لها.. فقد ازدادت حالته سوءا وعلامات الفقر والبؤس وعدم الاستحمام لقذارة ملابسه ويعود إلي السويس ليجد الأب قد خرج من السجن وتحول من صاحب محل إلي صنايعي أجير ولم يستطع أن يساعده.. وتقوده الصدفة لإحياء ليلة سبوع في منزل الشيخ اسماعيل الفار أحد الأثرياء الذي يجد فيه شيئا جديدا ومادة طريفة للسمر يستطيع أن يدخل بها البهجة والسرور.. ودعاه إلي زيارته في القاهرة لإحياء حفلات السمر التي تقيمها مثل هذه العائلات في بيوتهم وجاءته الفرصة التي ينتظرها.. وبدأ يدخل بيوت الأثرياء من البهوات والبشاوات ليحيي لياليهم.. وكان بينهم أحد المحامين الذي استظرفه فاتخذه رفيقا وسكرتيرا وخادما أيضا.. ومن هنا بدأ يعرف طريقه إلي صالات عماد الدين. ❊ ❊ ❊ قدم اسماعيل يس حوالي 300 فيلم ويعتبر أكبر عدد بالنسبة للفنانين.. في البداية كان يؤدي دور المساعد أو السنيد ثم قام بدور البطولة المطلقة بعد ذلك في كل الأفلام التي حملت اسمه »اسماعيل يس في الجيش«.. و»في مستشفي المجانين« وفي »حديقة الحيوان«.. ووصل إلي أفضل مستويات الاستعراض مع شادية وليلي مراد.. ومن منا ينسي الاسكتش الذي شارك فيه مجموعة من الكوميديانات حين غنت ليلي مراد »إللي يقدر علي قلبي« حين يقول »أهو أنا.. أهو أنا.. ولا حد ينفع إلا أنا.. شكلي صحيح مالوش دوا لكن اختصاصي في الهوي«. ❊ ❊ ❊ وحين تدهور حال السينما في مصر في الستينات.. ذهب معظم النجوم إلي لبنان للعمل هناك وأطلق عليهم وقتها » الطيور المهاجرة«.. عاد اسماعيل بعد أن فشل هناك.. وبعد أن كان اسمه يتصدر الأفيشات أصبح في ذيل الأفيش.. وفكر في تكوين فرقة مسرحية تحمل اسمه وتعتمد علي النجم الأوحد.. لكن في ذلك الوقت الذي كان يقدم فيه »حبيبي كوكو« و»جوزي كذاب« و »الست عايزة كدة« وهل تحبين شلبي؟« دخل المسرح في مرحلة جديدة قدم فيها روائع الأدب العالمي التي مُصرت مثل »ثورة الموتي« و »بيت من زجاج« و»البخيل« وروائع الأدب المصري مثل »الناس اللي تحت« و»عيلة الدوغري« و»زقاق المدق« و»بداية ونهاية« وغيرها.. بدأ الجمهور ينفض عن مسرحه. ❊ ❊ ❊ وأذكر حينما ذهبت لأشاهد اسماعيل يس علي المسرح وبالرغم من أدواره السينمائية التي تبعث علي البهجة والضحك إلا أنني أحسست أنه إنسان مكتئب.. فالمسرح خال من الجمهور. وبعد انتهاء المسرحية صعدت إلي الكواليس لأسلم عليه.. رأيت دموعه علي خديه يحاول أن يخفيها.. يبكي انصراف الجمهور عنه فأصيب بحالة كبيرة من الاكتئاب حيث تدهورت صحته وحالته وتزايدت ديونه.. فقد بلغت خسارته حوالي 50 ألف جنيه وكان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت.. فوضعت مصلحة الضرائب يدها علي عمارته.. فذهب إلي لبنان مرة أخري ليجرب حظه لكنه لم يجد سوي العمل في الإعلانات التليفزيونية فعاد هذه المرة مهزوما حزينا. هذا الفنان الذي أضحكنا وأشاع البسمة في نفوسنا نشأ فقيرا يتيما محبطا.. ومات أيضا فقيرا محبطا.. لكنه لايزال حيا في وجداننا.. وفي أطفالنا الذين لم يعاصروه.