ربما يراهن المسئولون علي كل هذه الأشياء ومجتمعة ومن ثم يحلو لهم دائما إدخالنا في متاهة الأرقام والإحصائيات.. بثقة ويقين في قدرتهم علي إتعابنا وربما إلهائنا أو إصابتنا بالملل فنستسلم سريعا ونقر بألمعية وذكاء وحسن تصرف قادتنا ونتركهم وشأنهم.. يفعلون ما يريدون.. فالبلد بلدهم والأرقام أرقامهم والحسابات حساباتهم.. وهو فيه حد بيفهم زي الريس والحكومة. يتجاهل هؤلاء أن المصري صبور بطبيعته إلي أقصي حد.. لكنه ليس بالساذج ولا بالعبيط.. هو يتقن فقط تصدير وجه البريء ليظن الآخر أنه مقتنع تماما بكلامه أو أنه نجح في »خداعه«.. لكنه فجأة وبدون أي مقدمات ولا حتي أسباب وجيهة نجده يثور ويتمرد ويعلن الرفض ويطيح بكل من يحاول خداعه وراهن علي سذاجته وغفلته.. هي طبيعة شعب أكدها بحكايات سطرها التاريخ أكثر من مرة آخرها ما حدث في 25يناير.. عندما أطاح الشعب بطاغية استمر في خداعه ثلاثين عاما.. ربما تبدو سنوات الظلم طويلة لكنها قليلة لا تذكر في عمر الأوطان وحركات وثورات الشعوب.. الحدوتة معروفة والتاريخ يعيد نفسه.. الشعب يزداد ثقة وحنكة وخبرة وقوة لكن للأسف يقف المسئولون هنا محلك سر.. لا يتعلمون من أخطاء سابقيهم.. ولا يعتبرون من مصائر حكام فشلوا في التعرف علي بوصلة الشعب وطموحه.. فضلوا الطريق وكان مصيرهم الخروج من دائرة السلطة والضوء ليس فقط غير مأسوف عليهم بل ومصحوبين أيضا بلعنة شعوبهم وسخطهم عليهم.. هذه الحقيقة تجعلني لا أتحمس كثيرا لسلسلة الحوار المجتمعي التي دعا إليها الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء للتشاور حول التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تواجه البلاد. أشعر أنني مثل كثيرين أصابتهم فوبيا »الحوار المجتمعي« أصبح للكلمة وقع سيئ وصدي غير مرغوب فيه.. فتجاربنا الطازجة مع »الحوار الوطني« والوفاق القومي التي صدعنا بها المسئولون بعد الثورة للأسف لم تسفر سوي عن حوار طرشان ووفاق الإخوة الأعداء ولم نتحرك قدر أنملة نحو هدف مشترك يجمعنا وإرادة واحدة لا تهدف سوي مصلحة الوطن.. أنا لا أظلم الدكتور قنديل ولا حكومته لكنني لم أشعر حتي الآن بوجود برنامج واضح لهذه الحكومة ولم أشعر بوجود خطة ومشروع محدد.. كله كلام في كلام حتي الآن.. وعود بحلول لمشاكل نعلم جميعا أنها عصية علي الحل.. ومع ذلك فباب الأمل يمكن أن يفتح لتطل منه طاقة نور تبدد ظلام يأسنا في تحسين أحوال بلدنا فقط لو شعرنا أن هناك نية صادقة وعقولا مرتبة ومشروعا واضحا.. للأسف غياب هذه المنظومة لا يدفعنا سوي لمزيد من عدم الثقة فيمن يحكموننا. كلامي لا ينطبق فقط علي تحركات الدكتور قنديل وحكومته وإنما يمتد أيضا لخطابات الرئيس محمد مرسي ووعوده التي تتبخر يوما بعد يوم، لم أقتنع مثل كثيرين بتلك الأرقام التي ساقها لنا مؤكدا أن مشكلة الأمن حلت بنسبة 70٪ والوقود بنسبة 75٪ والنظافة 40٪ والخبز 80٪ والمرور 60٪.. الأرقام لا تكفي وهي تكذب وتتجمل.. أما الواقع القبيح الذي نعيشه فله كلمة أخري هو لا يكذب ولا يتجمل وإنما ينطق بالصدق.. مازال الشعب يعاني أزمة الخبز ونقصا في الوقود وتكدسا رهيبا في حركة المرور وأزمة في الوقود وقلة في النظافة تنطق بها شوارع ما كان يطلق عليها مناطق راقية قبل أن تتحول بفعل ركام القمامة إلي مثيلتها العشوائية الكريهة.. فهل يدرك الرئيس حقيقة ما يعانيه الشعب أم أنه مقتنع تماما بالأرقام الجوفاء الكاذبة التي أمده بها المسئولون عن كل قطاع من هذه القطاعات. أخشي أن يعتمد الرئيس فقط علي المعلومات التي يستقيها من مرءوسيه.. أخشي أن يعلو السور ليفصل بينه وبين شعبه.. أخشي ألا تصل آلام الفقراء وأنات المرضي وشكوي المحتاجين إليه.. أخشي أن يسد أذنيه فلا يسمع سوي هدير التصفيق وزعيق الهتافات التي تنطلق باسمه وتثني علي كل ما يفعله سواء أكان صوابا أم خطأ. خوفي ليس حالة مرضية ولا فوبيا أصابتني بعد السنين العجاف التي عانينا فيها من النظام السابق.. خوفي له شواهد تحركه.. أقواها ما حدث في الاستاد حيث أبدي الرئيس ضيقا من معارضيه.. تهكم عليهم ونسي ما قاله في خطابه الأول عندما طلب من شعبه أن يقوموه إذا ما أخطأ.. لكن الرئيس بدا في الاستاد منتشيا بأصوات شباب جماعته وحزبه الذين تم حشدهم بشكل مستفز ومبالغ فيه ليعلو صوتهم فوق أي صوت معارض ويبدو زخم المشهد المحتشد وكأنه تأييد شعبي جارف.. لكن الواقع ليس كذلك.. شعبية الرئيس لا تقاس بحشود جماعته وإنما بالملايين المطحونة من الشعب غير المنتمي للإخوان ولا أي حزب سياسي.. وكل همه فقط حياة كريمة وعده الرئيس لكنه حتي الآن لم يف بوعده.. فهل يفعل!!