يطاردني الفزع من فوزه بمنصب الرئاسة صباحا ويلاحقني ليرعبني ليلا.. حالتي المستعصية تلك لم يكن لها علاج سوي النزول إلي الميدان.. هناك فقط أشعر بالراحة.. أستمد الأمل.. أوقن أن الثورة مستمرة ولن تموت.. في نفوس الشباب إصرار عجيب وأمل وثقة في نجاح ثورتهم.. لا تهزهم الأمواج العاتية التي تعصف بالوطن.. متأكدون أنها لن تسير أبدا عكس ما تشتهيه سفن أحلامهم. هذا الحماس يصل لأوجه في المسيرات.. وفيها أشعر أنني أحلق كالطير حرة طليقة.. تقويني الهتافات ودبة أقدام الثوار.. (ح نفضل ثورجية لحد ما نوصل للحرية).. تعلو الأصوات الواعدة .. فيشجيني حماسهم .. وعيونهم المتقدة بالعزيمة فسرعان ما تنتقل إليّ عدواها بسرعة.. فأتحول إلي أخري.. أصغر وأصلب وأكثر أملا.. أتخفف من وهن الجسد العجوز وضعفه بفعل الزمن والإحباط.. أشعر أنني في مثل سنهم.. أجوب معهم ساعات طويلة فلا أشعر بالإرهاق.. يأخذهم الإشفاق بي أحيانا فيمدون يدهم بالمساعدة وبكلمات التشجيع فأستعيد لياقتي وأعود لأهتف بقوة مثلهم واحد اتنين الأدلة فين؟ يسقط يسقط حكم العسكر .. يا شفيق يا .. الثورة مستمرة.. أحمد شفيق باطل.. حكم العسكر باطل.. الجنزوري باطل. أحيانا يشطح الشباب بهتافهم فألمح (خالد علي) الذي يقود المظاهرة يسرع ليعيد إليها انضباطها رافعا يده مصفقا (حرية.. حرية.. عيش حرية.. عدالة اجتماعية: إحنا مين إحنا ولاد الشقيانين). طاقة الأمل التي أستمدها دوما من الثوار تخفف عني عقدة الفريق التي أصابتني منذ ترشحه ومن قبل ترشح عمر سليمان ومن المؤكد أنها ستبقي معي طالما هناك مرشح من الفلول أو العسكر. لذلك غالبا ما أتعرض لانتكاسة بعد شحنة الميدان الإيجابية كلما هل علينا الفريق شفيق علي إحدي القنوات الفضائية.. وما أكثرها الآن.. فمن لقاء صحفي إلي حوار تليفزيوني.. ومن خطب يلقيها إلي كلمات يتبادلها مع مذيع تتعدد وجوه الفريق والهدف واحد. أشعر أنه أقرب لدكتور جيكل ومستر هايد.. قبل الانتخابات الرئاسية بدا عنيفا شرسا متوعدا للثوار.. هددهم صراحة بأن مجزرة العباسية ماهي إلا (بروفة) لما يمكن أن يحدث لهم بعد فوزه.. فعندها سيتم إخلاء الميدان بالقوة في نصف ساعة.. إلا أن وجه الفريق المتوعد الشرير سرعان ما تبدل إلي آخر لطيف أليف وديع.. ومثلما تحول صوته الصارم إلي آخر هاديء عقلاني تحولت أيضا كلماته لتصبح أكثر دعه وتسامحا. غازل شفيق الجميع بعد فوزه في الجولة الأولي وتأهله للإعادة.. مدح شباب 6 أبريل والألتراس وكل شباب الثورة ووعدهم باستعادة ثورتهم ممن سرقوها! صحيح أن لعبته لم تنطل علي هؤلاء فسرعان ما رد عليه الشباب بالرفض وطلبهم منه الكف عن اللعب علي وتر الثورة. إلا أن الفريق لم يضع ردود الأفعال تلك في حساباته فانطلق في غزله الذي يوزعه علي الجميع لم يستثن من ذلك خصومه بالأمس ممن كال لهم سيف الانتقادات والتجريح.. فوصف البرادعي بأنه يمثل نافذة ضوء صاحب منهج تفكير.. هكذا تبدل رأي الفريق ونسي الاتهامات التي سبق أن كالها له.. تماما مثلما قفز علي هجومه السابق لعمرو موسي وأبو الفتوح وصباحي فوصف حمدين بالمرشح العنيد وموسي بالأخ وأبو الفتوح بالسياسي المرموق وخالد علي بالمناضل. أما خصمه اللدود الدكتور محمد مرسي ومنافسه في جولة الإعادة فوصفه بأنه شريك في السباق الديمقراطي.. وبلغت سماحة الفريق المتعمدة مداها عندما وعد الثوار بأنه لن يقمع المظاهرات ولا الوقفات الاحتجاجية ولن يتعامل معها إلا وفق القانون.. أما البرلمان فلم ينس الفريق أن يمنحه أيضا بعضا من عطاياه فطمأن النواب بأن حل البرلمان ليس أمرا واردا. غزل الفريق امتد أيضا لرجل الشارع والفلاح وصاحب التاكسي.. ووعد الجميع بحل مشاكلهم.. قناع الدعة والتسامح والإفراط في الوعود لم يدم طويلا.. لم يتحمله الفريق وضاق به سريعا.. وعاد إلي طبيعته.. سريع الانفعال مهاجما شرسا.. سقط القناع عندما خرج الفريق عن النص وتكلم بتلقائية عكس ما ظهر في خطابه المكتوب الذي عكس حرفية عالية من المؤكد أنها نجحت في اللعب علي عواطف الكثيرين وحازت علي اقناعهم باستثناء بالطبع أولئك الرافضين تماما لفكرة ومبدأ ترشح الفريق ليس فقط باعتباره أحد فلول النظام السابق لكن أيضا لأن فوزه يعد استمرارا لحكم العسكر. بعد حكم البراءة علي رجال العادلي والذي يمهد لبراءة مبارك ووزير داخليته قريبا ظهر الوجه الحقيقي للفريق.. وعكست كلماته خلال حواره مع الإعلامي معتز الدمرداش حقيقة ما يدور في عقله.. جاءت هذه المرة التهديدات صريحة ومباشرة.. قالها شفيق بشكل واضح الثورة انتهت وليست مستمرة.. ووصف من يعتصمون بالميدان ويطالبون بتطبيق قانون العزل بأنهم قلة لايمثلون الشعب. أما الاعتصامات فرآها (مضيعة للوقت).. ومايحدث في الميدان ناس بتتفسح وتتجمع حول عربة (الترمس). عاد الفريق ليكرر ما قاله أثناء الثمانية عشر يوما عندما سخر من الميدان ووعد بتحويله إلي هايد بارك. حتي عندما حاول التأكيد علي رفضه للمعتقلات وعدم تقديم من يخالفه الرأي للمساءلة جاءت كلماته جوفاء أشبه بكلمات مبارك التي صدعنا بها عندما كان يكرر دائما: في عهدي لن يقصف قلم!! واكتشفنا بعد ذلك حقيقة الخداع الذي وقعنا فيه والذي عكسه الواقع من خلال المقولة الشهيرة »دعهم يكتبون مايريدون ودعنا نفعل مانريد«. مبارك إذن مازال يطمح في الحكم.. سيأتي في صورة شفيق .. لم يسقط النظام ولم تتحقق أهداف الثورة .. الرأس سيعود للجسد.. وسنظل نعاني من فوبيا الفريق.. ومع ذلك فقلوب الشباب التي لاتعرف اليأس تثبت لنا كل يوم أنها قادرة علي الصمود والاستمرار.. علي أيديهم ستتحقق أهداف الثورة.. متي.. ربما لن يأتي اليوم قريبا لكنه حتما سيأتي .. ويرفع فيه الثوار كل رايات النصر بعدها سنشفي من فوبيا الفريق بل وفوبيا العسكر كله.