الأطباء أثناء إجراء العمليات الجراحية ترتسم علي وجهك علامات الفخر إذا أخبرك أحد أن المستشفيات تستخدم النظائر المشعة لتشخيص بعض الأمراض وعلاج البعض الآخر، وتفتح فمك بابتسامة طمأنينة عندما تعلم أنها من أحدث التطورات في الطب، لتردد في سرك "أخيراً متقدمين في مجال"، لكن سرعان ما تتغير وجهة نظرك لتتأكد أن التقدم والإهمال لا يجتمعان في مكان واحد؛ فيصاب الطبيب بالعديد من الأمراض منها السرطان لعدم توفير الإجراءات الوقائية أثناء تعرضهم للإشعاعات.. أما تجاهل وزارة الصحة فورطهم في خيارين إما الامتناع عن إجراء العمليات أو تحمل المخاطر التي ستلحق بهم.. والنهاية ربحت كفة المريض، أما الطبيب فيواصل معاناته التي لا تنتهي. »آخر ساعة« التقت بضحايا إهمال المستشفيات في وقاية الأطباء من مخاطر العلاج بالنظائر المشعة، فيحكي أحد دكاترة القلب بمستشفي الدمرداش، الذي فضل عدم نشر اسمه، أن هناك عجزا كبيرا في البدل الواقية بغرف العمليات، ويلجأون إلي بدل العمليات العادية Green التي لا تحتوي علي رصاص يحميهم من الإشعاعات، بجانب عدم وجود أجهزة تحديد نسب الإشعاع في الغرفة والإشعاع الذي تعرض له الطبيب، ولأن عمليات "الأسترا" كثيرة فيتعرضون بنسب كبيرة ومتعاقبة للإشعاع، والنتيجة أنه أصيب بالسرطان. يقول الطبيب إنه ليس الضحية الوحيدة، بل إن هناك اثنين من زملائه تعرضا لأمراض أخري؛ الأول أصيب بورم في الغدة الليمفاوية، والثاني أصيب بفقر في كرات الدم البيضاء، ويضيف أن عددا كبيرا من الأطباء معرضون للأمرض نتيجة لقلة الإجراءات الوقائية، والكثير منهم يجازفون من أجل إنقاذ المرضي، متابعا: "إذا امتنع الطبيب عن إجراء العمليات حتي لا يعرض نفسه للخطر.. سنجد كارثة أكبر وهي موت المريض". سألته: لماذا لم تكشف لإدارة المستشفي تعرضكم لكل هذه المخاطر من النظائر المشعة؟ أخبرني: لأنهم ببساطة سيتهمون الأطباء بعدم اتباع الاشتراطات الطبية اللازمة.. عشان كدا خليها علي الله. الأمور تؤخذ باستخفاف.. والمستشفي لا يتحمل مسئولية الطبيب ولا المريض" هكذا بدأ الدكتور خالد سمير، جراح القلب والأستاذ بكلية طب عين شمس، حديثه عن تعرضهم لمخاطر الإشعاع، الذي أكد عدم وجود كنترول لتقييم إجراءات الأمن والسلامة في الغرف، ففي الخارج لا يدخل الطبيب غرفة العمليات إلا ومعه جهاز يحميه من خطر الأشعة، أما في مصر فيصاب الطبيب دون أن يعرف، وتزداد نسبة الإشعاعات في جسده ولا يشعر، حتي يكتشف إصابته بالعديد من الأمراض، لذلك لابد أن تعزل غرف الإشعاع وإلا تأثر كل العاملين بالمستشفي. ويؤكد د. خالد تحمل المستشفيات المسئولية القانونية لعدم اتخاذها لإجراءات الأمان، خصوصاً أن البدل التي تحتوي علي رصاص لا تحمي الطبيب من الأشعة بنسبة 100٪ لذلك لابد من تقنين جدران الغرف وتوفير أجهزة لقياس الأشعة من فترة لأخري وحساب الترتيب الإشعاعي، بجانب إجراء الطبيب لتحاليل تحدد نسبة الإشعاع التي اخترقت جسده، لمعرفة هل هناك خطورة علي صحته أم لا، وهل يستطيع تحملها لأن هناك طبيعة جسدية لا تتقبلها، وبالتالي يمنع من إجراء العمليات، كما أن من أشد مخاطر هذه الأشعة تأثيرها علي الخلايا سريعة التكاثر. ويواصل: إن الحل الوحيد هو رفع قضايا ضد المستشفيات لتعرض الأطباء للأشعة والإخفاق في حمايتهم مثلما فعل الأطباء في الخارج وقامت دولهم باتخاذ الاحتياطات المشددة من أجل سلامتهم، خصوصاً بعد استخدام الأشعة علي نطاق واسع، فهناك وحدات كاملة لعلاج السرطان بالإشعاع وأصيب بسببها عدد كبير من الأطباء، وأيضاً حالات الأورام كأورام الرئة والثدي، كما أنه يتم استخدام الإشعاع للتأكد من تعافي المريض بعد إجراء العملية. أما بالنسبة لاستخدام النظائر المشعة في علاج أمراض القلب، فيتعجب د. خالد من عدم وجود أي احتياطات حيث يتم من خلالها معرفة مقدار احتياج عضلة القلب للأكسجين، وفحص أداء القلب Blood Pool من خلال وصم كمية قليلة من كريات الدم الحمراء للمريض بواسطة المادة المشعة، إضافة إلي إجراء فحص التصوير المقطعيCT للقلب من أجل الكشف عن هذه المناطق بدقة أكبر. وفي الوقت الذي يضرب فيه الأطباء من أجل رفع الأجور وتحسين مستوي الخدمة الطبية المقدمة لهم، يري الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء السابق، أنه إذا لم توفر المستشفيات البدل الواقية من الإشعاعات، فعلي الطبيب شراؤها من محلات الأجهزة الطبية، رافضاً أن تتحمل المستشفي المسئولية وحدها، قائلاً: "المسئولية مشتركة بين المستشفي والطبيب، فالأولي توفر كافة الأجهزة الوقائية، والثاني لا يستخدمها لثقل حجمها". ويضيف د. حمدي أن أطباء الأشعة هم الأكثر عرضة للإصابات لتعرضهم للإشعاع يومياً وليس الطبيب الذي يجري عملية كل شهر لذلك فمن النادر إصابته، موضحاً أن الأجهزة المشعة تستخدم في كافة التخصصات وأن الأخطر من إصابة الطبيب هو كيفية التخلص منها عندما تتحول إلي نفايا نووية، لذلك فالهيئة القومية للطاقة الذرية المسئول الأول عن تأمين هذه الأجهزة في المستشفيات، والتخلص منها. ويتعجب الدكتور أحمد السماحي، المدير الطبي بأحد المستشفيات، من إعفاء وزارة الصحة من المسئولية، معللاً ذلك أنه عند بناء أي مستشفي لابد أن تأخذ الوزارة في الاعتبار خطورة هذه الأجهزة، وقبل إعطائها التراخيص يجب أن تتأكد من توافر المعدات الوقائية للأطباء، ففي ألمانيا إذا تواجد طبيب أو ممرض لا يرتدي البدلة الواقية أثناء إجراء هذه العمليات بالأجهزة المشعة يخرج من الغرفة، إضافة إلي ضرورة تبطين الجدران بالرصاص حتي لا يصاب من خارجها، وارتداء المريض لمعدات واقية للحفاظ عليه من الإشعاعات، متابعاً أن المستشفيات الخاصة لم تنج من الإهمال أيضاَ؛ حيث تقوم بتبطين الجدران ماعدا السقف، مما يؤدي إلي تسرب الإشعاعات وإصابة العاملين بالمستشفي مع مرور الوقت. ويعدد د. أحمد الأجهزة الطبية المشعة التي تحول الطبيب إلي مريض، وهي جهاز الأشعة المقطعية Ctscan)) وجهازC- arm) ) الذي يصدر إشعاعا بنسبة 130 ميللي أمبير ، ويستخدم في أغلب العمليات الجراحية بالمناظير مثل عمليات العظام كتركيب الشرائح والمسامير، وعمليات أمراض النساء، والمسالك البولية، ويأتي مع هذا الجهاز مونتير لرؤية ما يفعله داخل جسم المريض عبر شاشة تليفزيونية، وبمجرد تشغيله يبدأ في إخراج الإشعاعات، أما جهاز الأشعة العادية فيصدر إشعاعا بنسبة 500 ميللي أمبير مما يعتبر من أخطر الأجهزة، كما يوجد أجهزة الأشعة المتحركة وهي من الأقل خطورة حيث تصدر إشعاعا بنسبة 13 ميللي أمبير. ولحسم الأمر، أكد المهندس هشام محمد السيد، مدير مكتب السلامة والصحة المهنية، أن جميع العاملين بالمستشفيات معرضون إلي مخاطر الإشعاع الناتجة من التشخيص الإشعاعي الذي يعتمد علي تصوير المريض باستخدام الأشعة السينية X-ray أو النظائر المشعة، أو من المعالجة الإشعاعية عن طريق تسليط الإشعاع علي الخلايا السرطانية باستخدام مصادر خارجية أو داخلية للإشعاع مثل أجهزة العلاج بالكوبلت أو زرع مواد مشعة داخل الخلايا المريضة. وعن الأمراض الناجمة من كثرة التعرض للإشعاع، أشار إلي تأثر كل من خلايا نخاع العظام، وخلايا وأنسجة الجهاز الهضمي، وخلايا وأنسجة القلب، والأوعية الدموية، وخلايا وأنسجة الجهاز التنفسي، وخلايا وأنسجة الجهاز العصبي المركزي، وفي كل الأحوال يصاحبها حروق إشعاعية في الجلد، وهبوط شديد لوظيفة جهاز المناعة، وحالات اضطراب نفسي، وإذا وصلت الجرعة الإشعاعية إلي ( 10 7 جراي) تكون مميتة وتلك تسمي الآثار الحادة التحديدية، مشيراً أن اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع حصرت الضرر الإشعاعي في حدوث سرطان قاتل و غير قاتل، وتأثيرات وراثية. ويستكمل محمود أحمد فرج، مهندس أجهزة طبية، أنه لا يوجد دراسة علمية حتي الآن تحدد فترة إصابة الطبيب أو المريض عند تعرضهما للإشعاع، إذا كانت من المرة الأولي أم الثانية أم من عدة تعرضات متعاقبة، لذلك فلا يمكن الاستغناء عن البدل الوقائية التي تحتوي علي الرصاص، لقدرته علي امتصاص الإشعاعات التي تصدرها الأجهزة، فضلا عن احتواء البدلة علي جهاز يقيس نسبة الإشعاع التي تعرض لها، وإذا تجاوزت نسبتها يتوقف الطبيب عن إجراء العمليات.