يروي عن الجاحظ في حكاياته إنه بينما الجميع في انتظار الخليفة في قيظ الظهيرة في نسق عسكري كامل فإن المقاتلين العرب ترجلوا عن جيادهم وارتموا في تراخ علي جانب الطريق في ذات الوقت الذي ظل فيه المماليك علي جيادهم في نظام كامل رغم تأخر قدوم الخليفة في جلد وقوة. يتحدث الجاحظ (159-255 ه) عن جنود الخليفة المعتصم بالله بن هارون الرشيد (179 - 227 ه). الملقب بالمثمن فقد كانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وهو ثامن الخلفاء من بني العباس، وثامن أولاد هارون الرشيد، ومات عن ثمانية بنين وثماني بنات، وتولي الخلافة سنة ثمان عشرة ومئتين، وفتح ثمانية فتوح. وقد عاصر الجاحظ 12 خليفة عباسياً هم: المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي بالله، وتولّي ديوان الرسائل للخليفة المأمون. فقد كانت ولادته في خلافة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين ووفاته سنة 255 هجرية في خلافة المهتدي بالله الخليفة الرابع عشر. فقد كان الخليفة المعتصم محبّا للعنصر التركي مخالفا بذلك من سبقوه الذين استعانوا في جندهم بالفرس ، فاجتمع له منهم أربعة آلاف جندي، مما دفعه في سنة 222ه إلي بناء مدينة "سُرَّ مَنْ رَأَي" أو "سَامِرَّاء"؛ بعد أن ضاقت بغداد بهم حتي لايضايق أهل بغداد بل ومنذ توليه الحكم ألغي إدراج رواتب الجنود العرب ووظفه للجيش الجديد. وقد كان جنود الأتراك المماليك يخضعون لتدريب شديد الصرامة ويتمتعون بدرجة عالية من الانضباط وكفاءة فنون القتال ويخضعون في صباهم لتدريبات قاسية علي قوة التحمل والانضباط النفسي خاصة في المعارك والعمل الجماعي المتناغم في الحرب حتي في ساعات الهزائم. فلم يكن جديدا عليهم الوقوف بكامل لياقتهم في انتظار الخليفة الذي تأخر علي الجنود العرب فنزلوا عن جيادهم.
ولفت انتباهي في نهاية الحكاية اندهاش الجاحظ للفارق فأنهاها متسائلا.. ماذا حدث لنا؟