كتبت منذ فترة أن المصريين يتميزون بسمات خاصة، لا أعتقد أن هناك شعبا آخر يملكها: ومنها أنهم يعشقون العشوائيات، التخطيط غائب من حياتهم، والأمثلة كثيرة، وبنظرة بسيطة علي أرض الواقع، نتاكد من حبنا الشديد للعشوائيات، شيدت مناطق مصر الجديدة ووسط البلد والزمالك وجاردن سيتي والمعادي، قبل مناطق ومدن كثيرة نعرفها أنا وأنت، شاهد الفرق في فن العمارة والتنسيق الحضاري، تذكرت ذلك وأنا أتابع المظاهرة التي نظمها سكان منطقة حدائق الأهرام بالجيزة، هؤلاء السكان كان هدفهم من السكني فيها رغبتهم في التميز، والهدوء، في مكان أوهمهم القائمون عليه أن البناء فيه بشروط، وأن هناك أماكن محددة للخدمات، وأنه لا مجال للمجاملات، وأن المكان سيتحول إلي جنة وحدائق وبساتين، ولكنهم ومع مرور الوقت اكتشفوا أن حلمهم الجميل بدأ في التحول إلي عشوائية، وربما أسوأ من ذلك، من أجل ذلك كانت ثورتهم للمطالبة بإقالة مجلس إدارة الجمعية الحالي، والتحقيق في الإهمال والفوضي التي قالوا إنها تسود المنطقة، المتظاهرون مطالبهم بسيطة، رصف ونظافة وإنارة الطرق الداخليه، توفير وسيلة مواصلات داخليته بديلا عن التوكتك الذي يتسبب يوميا في أعمال بلطجة وشغب مع السكان وخطورته لتوافر الأسلحة دائما مع سائقيه، تفعيل دور الأمن علي البوابات، وداخل المدينة والذي يستنزف ميزانية شهرية كبيرة بدون دور حقيقي، وقف بناء الأدوار المخالفة لما تسببه لاحقا من مشاكل في المرافق للمدينة كلها، تفعيل أراضي الخدمات وتحويلها لمراكز تجارية وخدمية بديلا عن المحلات العشوائية غير المرخصة، بناء سور المدينة المتوقف، المطالب عادلة وليس فيها أي افتئات علي حقوق أحد، مطالب ليست فئوية، تحتاج إلي أموال من خزينة الدولة لتحقيقها، فخزينة الجمعية عامرة بالملايين، والمظاهرة كانت مثالية، رفعت شعارات حضارية بلغة راقية، لم يتطاول المتظاهرون علي أحد، لم ينصبوا الخيام، ليعتصموا، أو يبتزوا أحدا، فقط يريدون أن يعيشوا في بيئة نظيفة، كما وعدهم المسئولون عن الجمعية، وكما هو مخطط من قبل أن يسكنوا، تظاهروا لأنهم أدركوا أنه لو استمرت الأمور هكذا فستتحول الحدائق الي عشوائية جديدة، المظاهرة تمت بمستوي أقل وصف له أنه حضاري، وبقي الإستجابة وتحقيق المطالب، فهل من مجيب.