الفنان حمدى أحمد فى حواره مع شحاتة سلامة الفنان الذي يهرب من مصر لفوز مرسي بالرئاسة كالجندي الذي يهرب من المعركة فن "العري" نتاج نظام مبارك.. وأطالب الدولة بإعادة النظر في قانون النقابات المهنية "خطوة إيجابية".. تلك التي أقدم عليها الرئيس محمد مرسي، حينما عقد لقاء موسعاً مع عدد كبير من رموز الفن ورجال الثقافة والإبداع في مصر، ليستمع إليهم ويتحاور معهم ويبعث إليهم برسالة طمأنة، وسط الكثير من عواصف الهجوم الضاري الذي يتعرضون له علي أيدي الكثير ممن يطلقون علي أنفسهم رجال الدين. وبعيداً عن الانقسامات الدائرة حول جدوي اللقاء، وأوجه الاستفادة منه، ووصف البعض له بأنه مجرد "شو إعلامي"، وتمجيد الكثيرين له وكأنه فتح مبين ل"عصر الحريات".. تبقي الخطوة في حد ذاتها إيجابية، وتلقي بالكثير من الضوء حول طبيعة العلاقة بين الإبداع والسياسة، وتخلق حالة من الجدل حول دور الأنظمة في الارتقاء أو الانحدار بمستويات الفن والثقافة والإبداع داخل الدول. الفنان القدير حمدي أحمد، صاحب ال70 عاماً من الفن والإبداع، يعبر بصورة كبيرة عن تفاصيل تلك العلاقة، فهو سياسي محنك قبل أن يكون فناناً موهوباً، ومثقفا بدرجة عملاق قبل أن يصبح كاتباً من العيار الثقيل، رضع الوطنية منذ الستينيات علي يد اليسار المصري فصار مناضلاً صلباً في ميادين الفن والسياسة، واتخذ من الشاشة "منصة" لمحاربة الفساد والتخلف وتعرية مفاسد السلطة، عاش التجربة الناصرية بكل ما فيها، حارب الانفتاح وسياسة الاستهلاك في عهد السادات، ورفض زواج السلطة بالمال في عهد الوريث، وما بين (القاهرة 30) و(القاهرة 2012) يمكن اختصار تجربته. عمدة الصعيد .. الفنان والكاتب والسياسي والمثقف، يقيم لنا أحوال أهل الفن والسياسة في مصر الثورة، في سطور الحوار التالي.. ما تقييمك للقاء الذي عقده الرئيس مرسي بعدد من رموز الفن والإبداع، خلال الأسبوع الماضي؟ أري أن اللقاء كان مطلوباً وبصورة عاجلة، ولكن ليس أبداً بالشكل الذي خرج به، فقد ظهر اللقاء وكأنه مجرد "شو إعلامي" ليس أكثر، بعد أن ظهر لنا جميعاً، أن معاوني الرئيس انتقوا من سيقابله خلال اللقاء، والدليل علي ذلك أنه طلب حضور الفنانة إلهام شاهين، ولم يوجه لها أحد الدعوة. أيضاً كان تمثيل المرأة ضعيفاً في الاجتماع بالرئيس مرسي، وهو ما اظهر حتي وإن كان ذلك بدون قصد أن هناك عداء للمرأة. هل تري أن مثل هذه اللقاءات كافية ليستعيد الفن المصري حريته المسلوبة؟ بالتأكيد لا، فاللقاءات والندوات والحوارات لا تخلق أبداً مجتمعاً مبدعاً، وعلي قيادات الدولة أن توفر التشريعات وتبني المؤسسات الكفيلة بحماية حرية الإبداع، بجانب توفير رؤوس أموال نظيفة، لإنتاج أعمال فنية وأدبية حقيقية تعبر عن قيم المجتمع وأخلاقيات أهله، فنحن الآن نري العديد من رؤوس الأموال المشبوهة بعد أن دخلت قطاع الإنتاج الخاص بالسينما المصرية، لتقوم بأعمال غسيل أموال واضحة للجميع. وأنا أطالب الرئيس محمد مرسي بإعادة النظر في الكثير من القوانين والتشريعات التي تعيق حرية الفن والإبداع، ومن بينها قوانين النقابات المهنية، حتي نتمكن من محاسبة الممثلين والمخرجين الذين يقدمون فنا مبتذلا يعتمد علي العري والإثارة، ولا يرضي به أحد من الجماهير. لماذا، تري أن الفن الآن لا يعبر عن رغبات الجماهير؟ أنظر إلي المسرح المصري، فستجد أنه لا يذهب إليه أحد، ومغلق في وجه الجماهير، لأنه لا يثير قضاياهم، فأين دور وزارة الثقافة في الرقي والنهوض بالمسرح، وأين الجهات الرقابية التي تعارض إنتاج أعمال سياسية، وتسمح بتصوير أفلام أقل ما توصف به أنها أفلام "بورنو". ما تعليقك علي الهجمة الشرسة التي تعرض لها عدد من نجوم الفن، علي أيدي عدد من شيوخ الفضائيات؟ أرفض بشدة أن أطلق علي هؤلاء لقب "شيوخ"، أو رجال دين، فلا يمكن أبداً أن نطلق علي كل شخص يطلق لحيته ويرتدي جلباباً رجل دين، والهجمة الشرسة التي يتعرض لها الفن والإبداع ستزيده قوة وصلابة، فالإبداع دائماً ما يأتي من رحم المعاناة، وعلي الجميع أن يدرك جيداً أن الفن يلعب دوراً كبيراً في تجسيد مشكلات المجتمع ويقدم الحلول لها، ولا يمكن أبداً أن نتركه فريسة لمثل هؤلاء. ما رأيك في الصراعات السياسية الدائرة الآن بين القوي السياسية المختلفة، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين؟ كل القوي السياسية الموجودة بالمجتمع قبل فوز الإخوان بالحكم، كانت تسعي للوصول للسلطة بصرف النظر عن أي اعتبارات أخري، ولم تقف تلك القوي والأحزاب في وجه النظام السابق طوال فترة وجوده بالسلطة، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوفد، وبقية الأحزاب الكرتونية، فكلهم كانوا شركاء مع الحزب الوطني المنحل والنظام السابق، وكانت الجماعة وتلك الأحزاب حاشية للنظام السابق لكن خلف الستار، ولا أدري بأي منطق كانوا يتصارعون علي سلطة ليست من حقهم، فهم لم يقوموا بالثورة من الأساس. وما رأيك في أحداث الثورات التي شهدتها البلاد العربية بشكل عام؟ الأحداث التي تمر بها البلاد العربية من مظاهرات وانتقالات للسلطة تعبر عن يقظة الشعب العربي الذي ظل نائماً لسنوات عديدة، وأؤكد لك أن أحداث الثورة التونسية ليست عدوي أو فيروسا انتقل للدول العربية، ولكنه ظاهرة اجتماعية عربية، وليس في تونس فقط بفعل تحول النظم العربية لأداة كل قراراتها ضد إرادة الشعوب وكأن الشعوب العربية مستعمرة من قبل حكامها فقد كنا نحكم بالتبعية منذ أيام الدولة العثمانية، ولم يكن لنا إرادة ثم جاءت ثورة يوليو لتحكم بالاشتراكية، وهي ليست باشتراكية وإنما اسمها عدالة اجتماعية، وحكمنا دون أن يؤخذ رأينا ثم حلت الأحزاب ولم يتم أخذ رأينا ثم جاء السادات وقال الشرعية الدستورية "وعمل دستورا بمزاجه" ولم تشارك فيه القيادات الشعبية "دستور عمله فرد لنفسه" وبعد 73 ألغي كل شيء وقلنا نتعامل بالليبرالية والسوق المفتوح ولم يأخذ أحد رأينا كشعب وكأن الشعب المصري فئران تجارب ثم وصلنا للوقت الحالي فأري العالم كله في الفضائيات يعيش مستريحا في نومه ووظيفته باستثناء العالم العربي. وما تقييمك لتتابع الأحداث السياسية وتسلسلها في مصر خلال العامين الأخيرين؟ للأسف، سارت الأحداث بصورة دراماتيكية مغلوطة، فلم يكن من البداية للمجلس العسكري الحق في حكم مصر بعد تنحي مبارك، وكان من المفترض أن يكون هناك مجلس رئاسي أو وطني كما حدث في تونس وليبيا ليدير البلاد، لأنه ليس من حق هذا المجلس إقحام نفسه في إدارة شؤون البلاد، ويجب أن يفرق الناس بين المجلس العسكري والجيش، ثم دخلنا في سلسلة من الجدل حول الدستور والانتخابات التي وإن لم تكن مزورة بالمعني الصريح إلا أنها كانت غير قانونية من الأساس باعتراف المحكمة الدستورية العليا، وكانت نتيجة كل ذلك أن غاب ممثلو الثورة عن الساحة، وتركوا الملعب مفتوحاً لأحد رموز الحزب الوطني أمام جماعة الإخوان، ففازت الأخيرة لأنها كانت الأكثر تنظيماً، والأقدر علي حشد المواطنين للتصويت لمرشحها بكل السبل المشروعة وغير المشروعة. وحقيقة، الوضع السياسي الحالي مؤسف للغاية، لأننا أردنا ترتيب البيت فبدأنا من أعلي وهذا الخطأ الذي وقعنا فيه، فكان ينبغي علينا أولاً أن نبدأ البناء من أسفل، فالوضع الطبيعي أن نضع دستوراً محترماً أولاً ونصدر تشريعات وقوانين صالحة وموضوعية تناسب هذه المرحلة، ولكننا للأسف اسقطنا النظام الفاسد لحسني مبارك، وحتي الآن مازلنا نحكم بقوانينه. ما تقييمك لأداء أحزاب المعارضة، قبل انطلاق ثورة يناير وبعدها؟ أي أحزاب معارضة تتحدث عنها، لم يكن لدينا قبل الثورة أحزاب معارضة بل هي ديكورات معارضة عبارة عن صالون للحزب الحاكم لاستقبال الضيوف، وإلا فماذا يعني لنا جلوس حزب في السلطة ثلاثين سنة، فأين كانت المعارضة من ذلك، والآن يتصارعون علي المناصب يحاولون الاشتراك بأي وسيلة من أجل الحصول علي منصب وزاري أو مقعد برلماني من بين براثن جماعة الإخوان المسلمين التي نجحت باقتدار في السيطرة علي مقاليد الحكم. بعض الفنانين هددوا بترك مصر والهجرة للخارج إذا حكم الإخوان مصر، وقد حكموا بالفعل، ولم يفعل أحد منهم ذلك، فما تعليقك؟ لقد أرسلت لهؤلاء الفنانين رسالة قبل فوز الإخوان برئاسة الجمهورية قلت لهم فيها "عيب عليكم"، فقد شبهت هؤلاء الفنانين بالجنود الذين تركوا الخدمة في الميدان وقت المعركة، وقلت إن أي مواطن يرفض تواجد الإخوان علي الساحة السياسية، عليه مواجهة الموقف بالمقاومة السلمية، والمعارضة السياسية الشريفة، للدفاع عن حقوقه التي يراها من وجهة نظره السياسية، بدلاً من الهروب من الواقع إلي المجهول، والآن وبعد أن حكم الإخوان مصر، أطالب هؤلاء الفنانين بالاستمرار في تقديم أعمالهم وإبداعهم ليعرضوا للجميع وجهة نظرهم الفنية والسياسية دون خوف أو رهبة، ولنجبر الإخوان علي احترامنا ومحاوراتنا. هل تري أن فوز الدكتور مرسي بالرئاسة سيحرم المبدعين من حقهم في ممارسة حقوقهم الفكرية والسياسية؟ لا فصال في ممارسة الحقوق السياسية والفكرية في هذا الوقت الحرج، بعد غياب الديمقراطية عنا لسنوات طويلة تجاوزت الثلاثين عاماً، ولن يستطيع أحد أن يكبل عصر الحريات الذي انطلق مع صيحات الملايين في الميادين خلال ثورة يناير. كيف تري واقعتي إغلاق قناة الفراعين، ومصادرة جريدة الدستور؟ رغم اختلافي التام مع توفيق عكاشة في الرؤية والفكر ولكني ضد استخدام القوة من أجل إغلاق قناة أو جريدة ، فبهذا تسقط الدولة، ولذلك لن أصمت وكذلك كل الفنانين لن يصمدوا، لأننا لو صمتنا سنزج كلنا في السجون مثلما حدث في سبتمبر 1981 أيام حكم السادات، ولن نسمح أن تعود الدولة الأمنية من جديد، وسنقف أمام ذلك كلنا شعباً وفنانون. أخيراً، كيف تري الفرق بين "القاهرة 30" والقاهرة الآن؟ لا فرق أبداً بين القاهرتين ففي كلاهما غابت العدالة الاجتماعية، وظهرت مراكز القوي وداس الأغنياء علي الفقراء وسيطر الحزب الواحد واختلطت المفاهيم السياسية، ولكن الحق يقال إن القاهرة الآن تشهد ثورة حقيقية وإن لم تتحقق كل أهدافها إلا أنها ستظل مستمرة فكل ما يحدث في مصر الآن من حراك سياسي ومجتمعي يدعو للشرف والفخر ولا يجب الالتفات للأصوات التي تدين ما يفعله أي متظاهر أو رافض للقمع بحجة الاستقرار وعودة الإنتاج، لأننا جميعاً رضخنا للاستقرار ثلاثين عاماً وكانت المحصلة فقرا وسرقة ونهبا لأموال الشعب.