تنسيق المرحلة الثالثة علمي علوم ورياضة 2025.. كليات ومعاهد متاحة وتوقعات الحد الأدنى 2024    غدا.. انطلاق جولة الإعادة بانتخابات مجلس الشيوخ 2025 للمصريين في الخارج    وزير الدفاع يلتقي عدد من مقاتلي المنطقة الغربية العسكرية    الطماطم تبدأ ب7 جنيهات.. أسعار الخضروات اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 بأسواق الأقصر    بعد آخر انخفاض.. سعر الذهب اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 في الصاغة وعيار 21 بالمصنعية    رئيس «الرعاية الصحية» يلتقى رئيس «سلامة الغذاء» لمتابعة تنفيذ بروتوكول تعاون    بزعم «الاستخدام المزدوج».. الاحتلال يوقف مساعدات الأزهر وقطر عند كرم أبو سالم    وكيل عربية النواب: حملات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة للتغطية على جرائم الاحتلال    «مفيش يمضي على بياض».. شوبير يفجر مفاجأة عن تجديد ديانج وعاشور في الأهلي    تعرف على حالة الطقس اليوم الأحد 24 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    «كان راجع من الشغل».. مصرع شاب أسفل عجلات القطار في الغربية    الأرصاد تُحذر من حالة الطقس اليوم: ارتفاع «طارئ» في درجات الحرارة والقاهرة تُسجل 39 مئوية    ليلى علوي تشارك صورًا رفقة أحمد العوضي وإلهام شاهين من الساحل الشمالي    الاحتلال يقتحم مدينة قلقيلية بالضفة الغربية ويداهم منزلا    إعلام روسي: الدفاعات الروسية تدمر 95 طائرة مسيرة أوكرانية خلال هجوم ليلي    العمل تطلق مبادرة «سلامتك تهمنا» لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بالإسكندرية    صراع تصحيح المسار.. الاتحاد في مواجهة مثيرة أمام البنك الأهلي بالدوري    وسام أبوعلي يسجل ظهوره الأول مع كولومبوس كرو في الدوري الأمريكي    البنك المركزي يحسم أسعار الفائدة في مصر 28 أغسطس.. وسط توقعات بالتخفيض    أحمد داود وميرنا جميل يجتمعان في فيلم «الكراش» بإخراج محمود كريم    لدعم الدولة.. تفاصيل مبادرة «وطنك أمانة» من المصريين في الخارج    إنستجرام تسمح لمنتجي المحتوى بربط عدة فيديوهات قصيرة في سلسلة واحدة    وزير الدفاع الإسرائيلي: نعمل على تحرير المحتجزين وإنهاء الحرب وفق شروطنا    حسام داغر يودّع بهاء الخطيب بكلمات مؤثرة: «قلبي موجوع.. دموعي منشفتش من يوم تيمور»    «كايروكي وتوليت» يختتمان فعاليات مهرجان العلمين 2025.. الجمعة    محمود سعد يكشف حقيقة تعرض أنغام لخطأ طبي أثناء الجراحة    مدير القوافل الطبية ب«الصحة»: نستهدف الأماكن البعيدة عن المستشفيات والخدمات مجانية    جرائم الإخوان لا تسقط بالتقادم    بعد وفاة عامل دليفري.. القبض على صاحب مصحة لعلاج الإدمان بأبو النمرس    نسأل لماذا يا وزير التعليم الإصرار على وجود 3 أنظمة للثانوية العامة؟!    النشرة المرورية.. كثافات متحركة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    الاستعلام و الشروط وآليات التقديم في مسابقات التوظيف الحكومية 2025    محافظة الجيزة تنفى انقطاع الكهرباء عن مناطق بالعمرانية..وتؤكد: الوضع طبيعى    وزير الاتصالات ل"إكسترا": 60 دولة تشارك فى قمة الذكاء الاصطناعى بالقاهرة    لفترة تقترب من 24 ساعة.. قطع المياه غدا عن هذه المناطق    أحمد بهاء الدين مفكر الصحافة    مدير الفاو: سكان غزة استنفدوا كل سبل الحياة الممكنة    «100 يوم صحة» تقدم 59.4 مليون خدمة طبية مجانية خلال 39 يوما    حظك اليوم الأحد 24 أغسطس وتوقعات الأبراج    "سيد الثقلين".. سر اللقب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده    في ذكرى المولد النبوي.. أفضل الأعمال للتقرب من الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم    45 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «طنطا - دمياط».. الأحد 24 أغسطس    فى حفل توزيع جوائز نقابة مديرى المواقع الدولية LMGI.. المديرة التنفيذية لرابطة مفوضي الأفلام الدولية AFCI: لجنة مصر للأفلام حققت المستحيل بتصوير Fountain of Youth بالهرم مستخدمة هيلوكوبتر وسط مطاردات بالأسلحة    "فشلت محاولته لكسر النحس".. هل تجربة النصر الأسوأ رقميًا لرونالدو؟    من روحانيات الشيخ ياسين إلى مفاجأة مدحت صالح، مشاهد خطفت الأنظار بحفلات مهرجان القلعة (فيديو وصور)    "لم يؤثر على الحركة".. توقف قطار بسبب عطل في الجرار بكفر الشيخ- صور    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    لدعم صحتك وصحة الجنين.. أهم الأطعمة التي يُنصح بها خلال الحمل    شاب بريطاني لم يغمض له جفن منذ عامين- ما القصة؟    وزير الصحة: نضمن تقديم الخدمات الصحية لجميع المقيمين على رض مصر دون تمييز    كما كشف في الجول - القادسية الكويتي يعلن التعاقد مع كهربا    مستثمرون يابانيون: مصر جاذبة للاستثمار ولديها موارد تؤهلها للعالمية    جانتس يدعو لتشكيل حكومة وحدة في إسرائيل لمدة عام ونصف    برشلونة ينجو من فخ ليفانتي بفوز مثير في الدوري الإسباني    رمضان السيد: أتوقع مشاركة الشناوي أمام غزل المحلة    «قولتله نبيع زيزو».. شيكابالا يكشف تفاصيل جلسته مع حسين لبيب    هل يجوز قراءة القرآن أثناء النوم على السرير؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم التزوير للحصول على معاش؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصعايدة .. فقراء لا ترصدهم الكاميرات !
نشر في آخر ساعة يوم 10 - 07 - 2012

خلف نافذة القطار يظهر الصعيد كأنه قطعة من الجمال؛ شمس عفية، وخضرة تملأ الأفق، ورجال ونساء وأطفال يبكرون في الصحو، وبيوت قصيرة تنتشر علي مساحة من براح يجذب العين.
نافذة القطار تكذب(!)، فبمجرد أن تطأ قدماك أرض الصعيد تتعمد الشمس إذلالك وهي تصب علي رأسك حرارتها بلا رحمة.. بينما تحكي لك الوجوه السمراء التي تقابلها في طريقك عن حال أشد قسوة من الطقس وفقر يتفوق علي الشمس في أنه لا يغيب!.
يتوقف القطار في قنا، لتجد نفسك داخل مدينة نظيفة، تنتشر في ميادينها النافورات وتطل من شوارعها الورود، وتمرق فيها السيارات بانسيابية حيث لا زحام يكدر الحياة ويعطلها.. لن تلمح - ولو- كومة صغيرة من القمامة، فاللواء عادل لبيب محافظ قنا يهتم بتلقي عبارات الثناء من ضيوفه القادمين من القاهرة والذين - غالبا- يكتفون بالتجوال في المدينة العامرة بالجمال غير عابئين بقراها ونجوعها المصابة بالافتقار إلي أدني الخدمات.
يمكنك أن تلاحظ بسهولة أن الأنيميا مرض ينتشر بكثرة بين مختلف الفئات العمرية وتستطيع أن تلمحه بسهولة في وجوههم التي تشبه أوراق الباذنجان الصفراء، وهو ما جعل محمد عبدالحفيظ – مدرس اللغة العربية يصف الفقر ب »ثروة« قال إن المحافظ يعمل علي تنميتها ويوفر لها من الأسباب ما يجعل قنا تحافظ علي المراكز الأولي في إنتاجها..!
وللفقر في القري رائحة كريهة، تطل من أفواه بيوت لا يجد أصحابها قوت يومهم فيجلسون بالداخل في انتظار فرج غالبا لا يأتي.. داخل أحد هذه البيوت التقيت بأسرة تعيش في منزل متواضع، أرضه مفروشة بتراب مرشوش بالماء منذ قليل بينما حوائطه الكالحة لا تستطيع أن تعكس نور لمبة وحيدة تكافح ظلاما يدثر مكانا يضج بسعال رب البيت الذي يرقد علي سرير جريد أمام مروحة تقف بانحناءة وهي تصدر له هواء لا يستطيع أن يلطف من حرارة الطقس.
سأعرف من رب البيت أنه مصاب ب"كوكتيل" من الأمراض، وسيحكي لي عن ذهابه إلي المستشفي مرتين في الأسبوع لغسيل الكلي.. ويسألني "كيف أنفق علي خمس بنات أغلبهن في سن الزواج وولد يحتاج إلي مصاريف المدرسة، وأنا لا أمتلك صحة ولست موظفا في الحكومة؟"
أسأله عن اسمه فيضع يده تحت الوسادة ليطلعني علي بطاقته، وحين أقربها من وجهي لأقرأ، يخبرني أن اسمه عبد الصادق العزب من مواليد 1960.
احترمت رغبة زوجته التي رفضت التصوير وقالت لي (كفاية فضايح).. دموعها تجمعت في عينين مصابتين بالرمد، أما ابنه سيد الذي لم يتخط السادسة عشرة وكان يجلس علي مقعده صامتا يحرك بصره في الفراغ أو ينظر إلي نقطة بعيدة.. فقد وقف وهو يطلب مني أن أتناول ضيافتي وأكف عن الاستمرار في مقابلة صحفية قال إنها تخدم مصالحي ولن تفيدهم بشيء!
جاوبته بابتسامة لا تعبر عن شيء، وصورة الرئيس محمد مرسي المعلقة خلفه حرضتني علي أن أنخرط معه في حديث سياسي عرفت من خلاله أنه من المؤيدين للإخوان المسلمين، وهو ما جعل والدته تثني علي شباب الجماعة الذين كانوا يأتون لها بكراتين السكر والأرز أثناء الانتخابات ووعدوها ببناء البيت بالطوب الأحمر.
فجأة حدثت »خرخشة« مصدرها سقف البيت (عبارة عن كراتين مفرودة وسعف نخيل وقمامة) الذي كانت تجري عليه قطة أهالت التراب علي رؤوسنا فطاردها سيد بعصا كان يغرسها بين الفراغات حتي انصرفت لحالها.
المكان معبأ برائحة الأدوية ومخلفات الماشية وعبد الصادق أصيب بنوبة من السعال كان يكح من صدر مشروخ، أحاطته زوجته بيدها وهي تستخرج له حبة من شريط أسبرين وسارعت إحدي بناته بإحضار الماء له في كوب نظيف.
قالت زوجته إنها تواصل العمل لتنفق علي طعام الأسرة، وحين سألتها عن عملها ذكرت أنها تفتل الحبال من الليف وتبيعها في السوق بجانب حزم الخضار.. أما طموحها فيقتصر علي ستر بناتها واستكمال تعليم ولدها، فضلا عن معاش علي الحكومة أن توفره لهم لتستطيع تدبير شئونها بعد أن أنهكها دَين لا تقوي علي سداده.
الفقر في قري الصعيد يختلف عما هو موجود في القاهرة، فالناس هنا يعرفون بعضهم البعض، فلا يمكنك - مثلا- أن تلمح متسولا يجوب طرقات القري، أو يجلس أمام المسجد.
غالبا ما تكون الصدقة هي السبب في استمرار حياة مثل هذه الأسر.. هكذا يخبرني محمد عبد الجواد – خطيب مسجد بالأوقاف وهو يشرح لي أن أسوأ أنواع الفقر في الصعيد هو فقر الأصل.. يقول: إن كثيرا من الفقراء يفاخرون بالانتماء إلي أصل طيب، في حين أن هناك بعض الأشخاص ممن يمتلكون ثروة طائلة ولا يمتلكون مثل هذا الأصل فترفض هذه العائلات الفقيرة أن تزوجه إحدي بناتها رغم حاجتها الماسة.
يصطحبني عبد الجواد معه وهو يحكي عن حب الرجل الصعيدي لاقتناء الأرض والرغبة في شرائها وعدم التفريط فيها إلا في حالات نادرة جدا، في الوقت الذي تتوزع فيه الملكيات الصغيرة علي الأفراد مما يجعلهم يفشلون في تسويق منتجهم وبالتالي تتراكم عليهم الديون.
ويظن أسامة محمد فخري أن بنك التنمية والائتمان الزراعي تسبب في فقر الكثير من أصحاب الأراضي، ففائدته الكبيرة نسبيا مقارنة ببقية البنوك لا يستطيع إنتاج زراعات القصب الذي لا يراعي المسئولون في المصنع ضمائرهم عند وزنه أن يفي بسداد دين يظل يتضاعف عاما بعد آخر، ورغم تصريحات المسئولين بإنهاء هذه الأزمة فإن المزارع في الصعيد لا يتلقي إلا وعودا لا تتحقق علي أرض الواقع.
الطرق في القري ضيقة، لا وجود للصرف الصحي، بينما أعمدة الإنارة المعطلة تصيب القري بالعمي، أما الموتوسيكلات غير المرخصة فقد انتشرت بكثرة وهي تجوب الشوارع والأزقة وتتسبب في حوادث متفرقة غالبا ما تصيب الأطفال والنساء.
ويوضح خلف الشيمي – مدرس أن الإنسان في الصعيد لم تصل إليه الثورة وكان آخر من شارك بها بسبب الفقر الذي يلازمه ويجعله غير مهموم بالحياة السياسية ومنفصل عنها، ذلك لأن الحكومة لا تلتفت للصعيد ولا تمنحه الخدمات التي توفرها للمواطنين في الشمال وبالتالي فإن تغيير الرئيس أو بقاءه لا يمثل لهم أهمية كبيرة لأنهم في كل الأحول لا يستفيدون من الدولة في شيء، اللهم إلا في المدن التي تحظي بنوع من الاهتمام لا تصل بأي حال من الأحول إلي القري والنجوع التي لا يصل إليها الإعلام.
ورغم الفقر الموزع بانتظام علي مساحات الصعيد إلا أن تجارة السلاح تنشط بقوة وتجد دائما من يروج لها في كل مكان.. فالرجل الصعيدي الذي يحصل علي قوت يومه بالكاد يكون في مقدمة أولوياته اقتناء سلاح يدافع به عن ماشيته المعرضه للسرقة أو يقاوم به من يتشاجر معه أو يستفز به أعداء يستطيع العثور عليهم بسهولة نظرا لطبيعته العصبية.
إطلاق الأعيرة النارية في الساعات الأولي من الليل وحتي الساعات المتأخرة هو ما يمكنك أن تسمعه بسهولة.. كميات هائلة من الرصاص (بمبلغ وقدره) يتم إفسادها يوميا في استمرار سافر لعادة الثأر التي لا تتوقف والدماء الجديدة تنزف يوميا بدون رقابة من شرطة غائبة تماما عن المشهد.
(لا يوجد عسكري أمن واحد في القري) معلومة يخبرني بها أحمد فرغلي – مهندس وهو يصف لي حجم الكوارث التي تحدث علي مرأي ومسمع من الجميع دون أن يحرك مركز نقادة الذي ينتمي إليه ساكنا.
ويقول: عادي جدا أن تجد صبية يحملون السلاح الآلي ويتجولون به في الشوارع بدون رقابة أو رادع وهم يجعلون من خط الصعيد رمزا لهم.
المهندس معتز محمد محمود النائب في مجلس الشعب المنحل يري أن حل مشكلة الفقر في الصعيد يكمن في الاهتمام بتنمية شاملة، وخطة تقوم علي المطالبة بتدشين وزارة أو مجلس أعلي أو هيئة خاصة لتنمية الصعيد والمناطق الحدودية مثل: مطروح، والوادي الجديد، وجنوب سيناء، وشمال سيناء، والبحر الأحمر، وهي المناطق المحرومة حتي لا تتكرر مشكلة السودان ويصبح تقسيم البلاد أمرا سهلا.
ويشفق علي الإنسان القناوي الإنسان في قنا المشغول دائما بالبحث عن قوت يومه، فالمحافظة تحتل مركزا متقدما في البطالة فضلا عن نقص الخدمات وانتشار المرض بين أبنائها.
ويري أن الصعيد يمتلك مقومات سياحية جاذبة للاستثمار وبالتالي من الممكن أن تستوعب طاقة كبيرة من أبنائها للعمل بداخلها، يعاني من القصور في جذب الاستثمار، وذلك لوجود قوانين طاردة للاستثمار يجب أن تتغير والأهم من ذلك يجب أن نعيد الأمن والاستقرار للبلد لأن رأس المال جبان سواء الخارجي أو الداخلي.
ويضيف: السياحة في مصر تمرض ولكنها لا تموت لان مصر تملك ثلثي آثار العالم (وأغلبيتها في الصعيد) .. يأتي إليها 10 ملايين سائح فلماذا لا نكثف جهودنا في التخطيط الصحيح بحيث تعمل كل وزارة في اتجاه فضلا عن إقامة الفنادق والقري السياحية والاهتمام بالمواصلات والنقل وبدلا من أن نلقي أموال البنوك في غرف ليس لها فائدة لماذا لا نزيد من حجم حركة النقل ونهتم بالمطارات داخل هذه المناطق السياحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.