قطع السكك الحديدية وتعطيل المصالح أمر مرفوض "قنا مصابة بحول ثوري .. تثور علي ما يثار عليه .. حلق شنب يمكن أن تطير فيه رقاب .. بينما المظالم من 03 سنة .. . لم تحرك ساكناً لدي أحد.." بهذه الكلمات عبر شاعر العامية القنائي فتحي محمد حمد الله عن أزمة قنا من خلال صفحته الشخصية علي موقع التواصل الاجتماعي" فيس بوك". وعي غائب وأرض خصبة لزراعة التطرف غابت عنها العدالة الاجتماعية وحاصرها الإهمال لعشرات السنين في ظل نظام مبارك الذي اتخذ من العصبية القبلية في الصعيد قواعد أساسية استند عليها حزبه المنحل. محاصرة رموز الحزب الوطني البائد في الشمال والكشف عنهم وتقديمهم للمحاكمة أمر يبدو سهلا وعاديا في ظل تسليط الآلة الإعلامية علي محافظات بعينها تستحوز العاصمة من بينها علي النصيب الأكبر من الضوء، بينما البحث عن فلول النظام السابق خلف كاميرات لا تفتح عيونها علي الأرض الجنوبية للوطن إلا وهي ترافق مسئولا كبيرا أمر يحتاج إلي التصحيح. ليس في الوقت متسع (!).. فقد تحالف الوطني مع السلفية مؤخرا حين اتحدت مصالح الفريقين فتم خطف قنا طيلة الأيام السابقة لتبدأ الحكومة في البحث عنها وإعادتها لمصر. لكن الأمور تتطور فتنذر بالكارثة حين تتسع القاعدة لتشمل البسطاء فتقوم الدعوة إلي مليونية لإسقاط المحافظ المسيحي علي غرار مليونيات التحرير التي نجحت في إسقاط مبارك! البعض أعجبه ما يحدث فتم إطلاق كلمة الثورة بعد أن تجمع الآلاف في الساحات والميادين مطالبين بإسقاط اللواء عماد شحاته بأي شكل من الأشكال.. وحتي تكون السخرية مكتملة الأركان يقلد الشبان في الميادين الرئيسية بقنا ما شاهدوه في ميدان التحرير أثناء الثورة، ومنهم من يتحدث عن خطف الثورة والثورة المضادة. بلغت الاحتجاجات ذروتها يوم الجمعة الماضية التي أطلق عليها »جمعة الغضب« لتصل أعداد المتظاهرين إلي ما يقرب من 300 ألف، تقدمهم مشايخ وقساوسة، وتتدفق علي الميادين أعداد أخري من المراكز المختلفة للمحافظة. القرار هو الاعتصام حتي إسقاط المحافظ باستخدام نفس الهتافات لثوار "مش هنمشي.. هو يمشي" و"الشعب يريد إسقاط (ميخائيل)" اكتمال الصورة كان يتطلب اختفاء الأمن وتواجد القوات المسلحة.. الصورة اكتملت فلا وجود لشرطي والزي الكاكي انتشر في الشوارع بصحبة الدبابات. تجاهلت حكومة الدكتور عصام شرف في البداية ما يحدث، فتم الاعتداء علي السكك الحديدية وتعطيل المواصلات ليتنامي الحدث من مجرد احتجاج طبيعي علي تعيين محافظ مسيحي من الأرجح أنه سيفشل كما فشل سابقه مجدي أيوب في فهم الطبيعة القبلية التي تتحكم في الشأن الصعيدي، فضلا عن إصرار الحكومة في السير علي نفس طريقة النظام القديم بجعل قنا كوته للأقباط دون غيرها من المحافظات الأخري، وهو ما جعل الأقباط ينضمون في البداية إلي المحتجين ثم ينسحبون بعد الفتاوي التي أطلقها بعض أئمة المساجد بتكفير الأقباط وإقرار عدم الولاية لقبطي لكن الحزب الوطني ينجح في إقناع الرموز المسيحية فتعود من جديد إلي المشهد. ومن قرية كوم الضبع بمركز نقادة بقنا يخشي الكاتب الطيب أديب من تفاقم الوضع وحدوث تمرد في المستقبل مما يجعل المحافظ الجديد غير قادرعلي السيطرة علي مجريات الأمور في محافظة تحكمها القبليات أو تجدد الفتنة التي زرعها أزلام الحزب الوطني في الوقت الذي انتقد فيه قطع السكك الحديدية وتعطيل المصالح بحجة الاستجابة إلي المطالب. وينفي جمال النجار رئيس تحرير جريدة أخبار الجنوب أن تكون هناك قيادة سلفية للمتظاهرين مؤكدا أنها رغبة الأهالي أنفسهم وما يثبت ذلك تدفق الأعداد القادمة من القري والنجوع للمشاركة في الاعتصام الذي يصل فيه العدد إلي الذروة وقت المساء. ويتعجب من إصرار الحكومة علي أن يكون المحافظ قبطيا في قنا وعدم تنصيبه محافظا لأسيوط أو المنيا التي تتمتع كل منهما بغالبية مسيحية، ويتخوف من حدوث صراع قبلي في الانتخابات البرلمانية القادمة إذا كانت شخصية المحافظ ضعيفة. وإذا كان رجل الأعمال المسيحي وعضو مجلس محلي المحافظة السابق عياد صبري وجد في تعيين المحافظ ما وصفه بالغباء السياسي وهو ما جعله يحرض الشباب المسيحيين - الذين لجأوا إليه لأخذ مشورته- علي التظاهر لاستبعاد المحافظ الجديد بعد فشل سابقه في التعامل مع الأوضاع في قنا إلا أن دعوة أئمة أغلب المساجد إلي تكفير المسيحيين وعدم الولاية لقبطي – علي حد قوله- والنظرة للأمر علي أنه حرب لابد من الفوز بها جعله يتراجع عن موقفه فينصحهم بعدم المشاركة. ويري فوزي عباس إمام المسجد العمري بقوص أن ما يحدث من مظاهرات هو خطأ ورفض ما يحدث من تشدد سلفي، وقال: لا فرق بين مسيحي ومسلم فالطرفان لا بد أن يتمتعا بنفس الحقوق في المواطنة وينصح بأن يتركوا للمحافظ الجديد الفرصة كاملة ولا يحكموا عليه بأعمال سابقه. قنا هي البداية، وتنفيذ مطالب المعتصمين يشكل انتصارا واضحا وضربة قوية لهيبة دولة صنعت منها الثورة بلدا قويا قادرا علي التفريق بين الثورية التي تطالب بالحقوق المشروعة وبين مصالح خاصة لفئات بعينها ترغب في العودة إلي عصور ظلامية تسدد طعنة مسمومة للجسد الوليد. وجد الحزب الوطني في قنا خاصة والجنوب بشكل عام ضالته المنشودة في استقطاب رؤوس العائلات التي تتحكم في أمور الأهالي بعد أن منحهم صلاحيات لا حد لها وأغدق عليهم من أموال ومناصب ما لا يستطيعون التخلي عنه، بينما كان الفقر وعدم توفير العناصر الأساسية لاستقامة الحياة سببا قويا للحقد علي أي نظام لا يلتفت إليهم. بينما كان لصدور قرار المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع والإنتاج الحربي باتخاذ إجراءات تطوير محافظة قنا بجميع مرافقها وإنشاء مصانع جديدة لتشغيل شباب الخريجين وتوفير فرص عمل لهم هو الحل الذي تأخر كثيرا كغيره من الحلول التي احتاجها الوطن منذ زمن طويل. وعلي من يهمه الأمر – وكلنا يهمنا الأمر- أن ينتبه إلي أهمية الضرب بيد من حديد علي العناصر المتورطة لتأجيج الفتنة حتي لا تتحول قنا إلي دارفور في مصر. ولعل ما يحدث لا يحتاج إلي حل سياسي فقط بل تضافر كل الجهود وأهمها الحل الثقافي وأهمية التأكيد علي دور المثقف في تلك المرحلة وعلي أهمية بناء الوعي ولعل البيان الصادر من أدباء قنا وصاغه رئيس نادي الأدب الشاعر والناقد فتحي عبد السميع يكون تدشينا لموقف ثقافي مغاير من الممكن أن نسير علي نهجه فيما بعد وقد تضمن البيان الذي صدر قبيل الجمعة الماضية علي التالي: نؤكد علي حرية التعبير عن الرأي ، وحق التظاهر المشروع . أن شعب قنا يرفض المساس بالوحدة الوطنية ، ومظاهر ذلك كثيرة ، وآخرها التفاف شباب قنا المسلم حول الكنيسة منذ أسابيع للتنديد بأي عدوان علي مسيحي تحت أي مسمي . نؤكد علي أن احتجاجات قنا لم تكن تخص طائفة بعينها ، فقد شارك فيها المسيحي والمسلم سواء كان منتميا لتيار ديني معين من عدمه . نرفض وضع أحداث قنا في اتجاه القبلية ، ونؤكد علي أن القبلية لا دخل لها بالأمر ، فلا يوجد من يتحدث باسم قبيلة في أحداث قنا . نرفض تكريس الطائفية الجغرافية ، وندعو رئيس مجلس وزراء الثورة لمراجعة مخصصات المحافظات البعيدة جغرافيا ، للتأكد من مهزلة تهميشها ، وعمق جذور الطائفية الجغرافية التي تشكل خطرا كبيرا علي مصر ، وإن كان كامنا حتي الآن . ندين وبشدة الموقف الإعلامي الذي قدم "قنا" أخري لا نعرفها ، ونؤكد علي أنه كان سببا من أسباب تطور الأحداث ، وتعقيدها. هذا فضلا عن تاريخه الذي لا يَذكر قنا إلا عند ارتباطها بحادث سلبي ، ويتجاهل الأحداث الإيجابية . نرفض التعامل مع قطع خط السكك الحديد بوصفه سلوكا إجراميا ، فقد لجأ شعب قنا إلي تلك الوسيلة لشعورهم بالتجاهل واللامبالاة ونتيجة لتراكمات نفسية هائلة تعود إلي عقود وقرون ، واعتقادا منهم بأن ذلك هو السبيل الوحيد لبلوغ صوتهم . ندعو إلي مسيرة من أبناء قنا أنفسهم ، ودون وصاية من أحد ، تخرج غدا عقب صلاة الجمعة من مسجد سيدي عبد الرحيم لتسيير حركة القطارات والاكتفاء بالتظاهر السلمي المشروع . وذلك لتحقق الهدف بلفت انتباه المسئولين . نأمل في شعب قنا دعم تلك المسيرة لتجنب وضع قنا في صورة ظالمة لا تليق بها ، ولا تعبر عن شعبها الأصيل الذي يكره العيب والتجاوز، ولقطع الطريق أمام أشرار ومجرمين يستغلون الوضع لأهداف لا تخصنا ، ولا علاقة لها بصرختنا البريئة . وينهي عبد السميع البيان الذي وقع عليه أدباء قنا بتحية لثورة شعب مصر المجيدة وتحية لشهدائها الأبرار ، وشبابها الأطهار.