ابتسامات الأطفال تتسع رغم ضيق الحال البطالة، والفقر والمرض، ثالوث بإمكانه وأد الحياة في أي مكان فإذا شملتهم الدولة بالتجاهل فإن الناتج هو الجهل والعصبية، والصعيد الذي يبدأ من الجيزة وينتهي في أسوان، تشير أحداثه الساخنة إلي قنا المحافظة التي احتلت في الشهر الأخير المركز الأول في استخدام السلاح بين أهلها. أشبه بقطعة أوربية ساحرة هي قناالمدينة، شوارع نظيفة، وميادين تتوسطها نافورات تتدفق بمياه ملونة، وأشجار وزهور تنمو علي جانبي الطرق، لكن المدينة الأنيقة لاتشبه قراها ونجوعها التي تلاقي الإهمال والازدراء من جانب المسئولين، فالبطالة هي العمل الوحيد الذي يتاح لشباب تخرجوا منذ سنوات بعيدة من الجامعات، بينما يفتك المرض بمواطنين لا يجدون في جيوبهم ما ينفقون به علي العلاج. فقر مدقع - هو حال معظم الناس في الأطراف- لا تمتد إليه يد المحافظ المهموم بتجميل المدينة وتحسين خدماتها لينال استحسان ضيوفه القادمين عليه من القاهرة في الوقت الذي ندعوه بدورنا لزيارة هذه القري والنجوع للوقوف بنفسه علي حجم الكارثة التي تتعدد وجوهها من شوارع متهالكة إلي نقص حاد في الخدمات، فضلا عن وجود بيئة صالحة للمرض لا يقابلها الحد الأدني من الرعاية الصحية. هناك في تلك القري وجدنا أطفالا حفاة بملابس ممزقة، وآباء داخل البيوت يرقدون علي أسرة المرض، يتمنون الموت ليريحوا أبنائهم الذين يحصلون بالكاد علي قوت يومهم من عناء الإنفاق عليهم. المؤشر خطير وما يزيد الطينة بلّه هو ازدياد حدة التوتر بين القبائل المتناحرة واستغلال تجار السلاح والمخدرات للأمر لتستمر الأوضاع في حالة من التردي والسوء، تبحث عن وسيلة إنقاذ قد لا تجده في دولة لم تسترد عافيتها بعد ! الأشراف والحميدات بسبب 35 قرشا هي ثمن أجرة راكب نشب الصراع مؤخرا بين شخصين أحدهما سائق ميكروباص من قبيلة الحميدات، وزبونه من قبيلة الأشراف، لتشهد المدينة صراعا كاد أن يخلف وراءه حربا أهلية لولا تدخل الحكماء من كلا الفريقين. لينهمر الرصاص علي مدار أيام تواصلت فيها مساعي الصلح بتدخل شخصي من المحافظ ومدير الأمن ونزول مدرعات من الجيش في الشوارع لفصل المعارك التي نتج عنها 12 إصابة كان من بينهم اثنان وصفا بالخطيرتين الأولي في الرأس لشاب من الأشراف اسمه عمر جلوي يرقد الآن في مستشفي معهد ناصر للعلاج، والأخري في الساق لياسر سيد من الحميدات. التضخيم الإعلامي للحدث وجد أقلاما تسارع إلي نشر الأكاذيب وتأليف أساطير حول امتلاك القبيلتين لأسلحة ثقيلة تم استخدامها في المعارك، إضافة إلي التحدث بما يؤجج حدة الصراع بين الفريقين وهو ما كان عائقا حقيقيا أمام مساعي الصلح التي لم تهدأ حتي كتابة هذه السطور. "الاتنين ولادي والأخ بيتشاكل مع اخوه ولكن في النهاية لازم يتصالحوا " بهذه الكلمات قرر الحاج مفتاح خلف الله إبراهيم أحد كبراء قبيلة الحميدات أن يختار موقعه ليكون الأب بين شبان اختصموا فيما بينهم وتنازعوا علي لاشيء!. هدوء وطمأنينة تكسو ملامح الشيخ، بينما الوقار الذي يفيض من وجهه يجبرني علي الإنصات إلي صمته الذي يطول في بعض الأحيان، فأقاطعه بسؤال يجيب عليه بكلمات مقتضبة، وكأنه يرفض الخوض في تفاصيل الصراع ليحافظ علي ما وصل إليه مع رفقائه الحكماء من كلا الفريقين.من تهدئة للأمور. أقول له: حدثني عن قبيلتك، تاريخها، وجذورها الضاربة في القدم، وكونها آتية من الجزيرة العربية مع الفتح الإسلامي لمصر، فينظر نحوي بريبة، ويصمت قبل أن يقول: إنه تاريخ مثل تاريخ أي قبيلة من قبائل الصعيد لكل منها أصله الثابت، ويكمل: دعنا من الماضي، فإن الحديث عن الجذور يقود إلي التعصب ويجد من يستثمره لإحداث فتنة وقانا الله شرها. يعود السكوت من جديد إلي مندرة الحاج مفتاح التي تصطف فيها عشرات الدكك بطولها وعرضها لتشغل الدور الأول كاملا من "فيلته" المقامة علي ضفاف نيل ينحني احتراما أمام المدينة العريقة وكأنه يحتضن شعبها المضياف. يشير الحاج مفتاح إلي دور كبير قال إن المحافظ ومدير الأمن قاما به لإنهاء الصراع، ويحكي عن لجنة للصلح تم تشكيلها من خارج المحافظة لهذا الغرض، وهو يؤكد علي أن أهم شيء الآن هو تبادل الزيارات وتقديم العزاء في الأموات بين قبيلتين يربط بينهما النسب والجيرة. يلفت مفتاح إلي الانفلات الأمني الذي ابتلي الله به مصر بعد الثورة وكان سببا رئيسيا في نشوب المعارك في الصعيد وظهور أعمال البلطجة في كل البلاد. ويقول: علي الشباب أن يستفيدوا من حكمة الكبار لأنهم يعرفون مواطن العثرات، ونصيحتهم هي الوقاية التي هي خير من العلاج، ويشبه الشباب بدون الأخذ بحكمة الكبار؛ كحصان يسير بلا لجام، أو كسيارة لا يوجد فيها فرامل! ويؤكد علي اتصال لا ينقطع بينه وبين قيادات الأشراف الذين يزيد عددهم علي ثلاثين حكيما يتفقون معه في الرأي. وعن مشاكل البطالة والفقر في محافظة قنا يقترح مفتاح حلا سحريا للقضاء عليهم يتمثل في شق الترع لتصل إلي الظهير الصحراوي الموازي لشريطي النيل، عن طريق خزان إسنا، وتمليك الشباب هذه الأراضي وهو ما من شأنه أن يقضي علي أمراض الصعيد بالكامل. أسأله كيف؟ فيقول: إن قابلية الأرض للزراعة واتساعها سيجعل منها هدفا للعاطلين وبإمكانها أن تستوعب ملايين الأيدي العاملة فتعمل علي تحسين دخلهم وتوفير مصدر رزق لعائلاتهم فضلا عن المسكن أما الشيء المهم فهو أن إعمار هذه المناطق واستهلاك طاقة الشباب فيما يفيدهم سيجنبهم البحث عن معارك وهمية لإثبات ذاتهم وبالتالي سيتسبب الأمر في كساد لتجارة الأسلحة في الصعيد فضلا عن عدم لجوء تجار السلاح أنفسهم إلي الجبل لعقد صفقاتهم. يصمت وكأنه يسترجع أمرا هاما قبل أن يقول: إن مشروع توشكي الذي كلف الدولة الكثير أتي قبل أوانه فكان يجب أن يتأخر ويأتي بعد ثلاثين عاما علي الأقل، فالأولي الالتفات إلي الظهير الصحراوي لشريط النيل بوصفه الأقرب للسكان. يضحك: لو أن الدولة أمرت الشباب بأن يشقوا الترع بأيديهم ليوصلوا المياه إلي الصحراء القريبة منهم لفعلوا! وقبل أن أخرج من مضيفة الحاج مفتاح يقترح عليّ أن أسمع من الحاج رفاعي عبد الوهاب أحد كبار الأشراف كما سمعت منه وهو يحدثني عن نشاط الرجل الملحوظ والمستمر لرأب الصدع وإعادة الاستقرار إلي المدينة. "لن تحدث فتنة أخري بمشيئة الله" بهذه الكلمات يستقبلني رفاعي عبد الوهاب مدير كلية الهندسة بجامعة الأزهر ويضيف بأن ما حدث هو فعل شيطاني – ربنا يسامح أبطاله ويصلح من أحوالهم- ويوضح أن الأزمة الأخيرة كان سببها سوء الفهم وشدد علي أهمية الدور الثقافي لتوعية الناس وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب وتحديد المسئولية لردع من يقوم بإشعال النار التي تلتهم الجميع ولا تصيب مرتكبيها فقط، ومحاسبتهم علي ذلك حتي لا نشهد خلافا جديدا يلقي بظلاله السيئة علي مختلف الأطياف. ويؤكد علي أن 59٪ من كلا القبيلتين يؤثرون السلام ولا يرضون عنه بديلا، ويأسف لكون كلمة الحق لا تجد من يصغي إليها. ويتهم عبد الوهاب تجار السلاح ورفقاءهم من تجار المخدرات باستغلال الاحتقان بين الفريقين وهو ما يعود عليهم بالثراء كلما زاد الصراع، فضلا عن استغلال أصحاب المحلات الموتورين لتصفية الحسابات بإشعال النيران في الممتلكات. ويحمل الإعلام جانبا كبيرا من المسئولية ويقول إن من بين مراسلي الصحف من ساهم بدوره في تضخيم الأمور اعتمادا علي تجارة العناوين والجري وراء الشائعات التي وجدت آذانا تصغي إليها وألسنة تروج لها فجاءت المبالغة في الصحف في حجم الأسلحة وكميات الرصاص وتصوير الأمر علي أنه حرب حقيقية. وأوضح الحاج رفاعي أن مدينة قنا لا يمثلها الأشراف والحميدات فقط ولكنها تضم طوائف وقبائل متعددة يجب أن تنام في هدوء ويعمل أهلها في أمن. وشدد علي أهمية دور المؤسسات الدينية (الإسلامية والمسيحية) للقيام بما عليهم من واجبات روحية من شأنها أن توقف الخلاف بين الناس أو تقلل من حدته. أما الشيخ خالد عبد الراضي من الحميدات فيدعوني لزيارة مزرعته التي تعج بأصناف مختلفة من الزهور ويشير إلي عاملين يقومان علي رعايتها وهو يقول لي إن الفلاح القناوي هو الأذكي دائما.. هل تصدق أنه يستطيع حفظ الأسماء اللاتينية لهذه الزهور ورعايتها بخبرة عالية؟ لقد راهنت علي ذلك ولم يخب ظني والآن باستطاعته أن ينقل خبراته لزملائه بقدرة فائقة. وفجأة يعلو صوته ويتساءل هل يجوز أن يستمر هذا الصراع بين قبيلتين الثابت أنهم أبناء عمومة وبينهم من الود والتقارب ما يمكنه أن يقضي علي أي خلاف؟.. وكيف تحول العصبية إلي قيمة إيجابية؟.. يلفت عبد الراضي إلي أهمية دور النخبة والمثقفين من كلا القبيلتين ويشير إلي حوار من المفترض أن يجري ويتم صياغته عن طريق آلية تجمع بين الشباب ولا تقسم بينهم وقال إن حكماء الفريقين قادرون علي ذلك، كما أن الشباب بما يحملونه من ثقافة وعلم لا بد من تحميلهم مسئولية التوعية للآخرين. بينما يتهم علم الدين عبد الوهاب – رجل أعمال- عناصر مخربة قال إنها تحمل أجندات اقتصادية وانتخابية لتأجيج الصراع في الوقت الذي لا تكل فيه رموز القبيلتين علي التهدئة المستمرة التي تلاقي الاستجابة الفورية من الغالبية العظمي.. أسأله عن أهمية التواصل بين أبناء القبيلتين فيقول إنه موجود بالفعل فمعظم الشيوخ أو حتي الشباب هم أصدقاء ولكن العقل يضيع أحيانا وسط زحام الغوغائيين ومسجلي الخطر، وأضاف بأن حل الأزمة يتطلب زيادة قبضة الأمن ومعاقبة المتسببين في الخلاف، خاصة في ظل حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد وضعف الدولة. أسأله: هل تظن أن الصلح سيتم اختراقه فيجيب: أهلي في قنا – من كلا القبيلتين- رجالة وقد التزموا بالسلام فيما بينهم ولن يرجعوا في كلمتهم. ويشير الباحث الزراعي الدكتور محمد محمود أحمد إلي أهمية إقامة مشروعات للتنمية في المحافظة قادرة علي استيعاب العاطلين وقال إن تجار السلاح يعملون علي إحداث المؤامرات والفتن لضمان الربح في تجارتهم معتمدين في ذلك علي العصبية العمياء. ويتذكر عبد الرحيم محمود حسب الله مدير عام منطقة جنوب الصعيد لمكافحة الآفات السابق نزوحه للإقامة في قنا سنة 1968 والتي شهد خلالها خلافا حادا بين بعض شباب قبيلتي الأشراف والحميدات أيهما الأحق بتابوت سيدي عبد الرحيم القنائي وكل منهم ينسب الشيخ إلي قبيلته مع أن كتب التاريخ تؤكد أن الرجل أتي من المغرب، وكأن العصبية تبحث عن أي سبب لتمر من خلاله وتجد من يرعاها من تجار السلاح الذي انتشر في الآونة الأخيرة وخاصة ما تم جلبه من ليبيا. إضراب محاكم قنا مثل زملائهم من المحافظات الأخري اتبع موظفو المحاكم والنيابات في قنا أسلوب الإضراب عن العمل لتحقيق مطالبهم التي تتمثل في 25 مطلبا هي التأكيد علي التعامل الراقي بين أعضاء الهيئة القضائية، وفصل ميزانية موظفي المحاكم والنيابات عن المجلس الأعلي للقضاء علي أن يكون توزيعها تحت إشرافه، وإنشاء كادر إداري للموظفين يكون علي رأسه وكيل وزارة مساعد وزير يختص بشئون الموظفين فقط، ووضع الأولوية في التعيينات لأبناء العاملين مع وضع ضوابط منتظمة لذلك، والعمل علي سرعة تثبيت العمالة المؤقتة أسوة بالوزارات الأخري، وإلغاء تبعية موظفي المحاكم والنيابات لقانون السلطة القضائية مساواة بموظفي الدولة، والعدالة في الرعاية الصحية مع أعضاء الهيئات القضائية وشمول الأسرة لتلك الرعاية، والاستعانة بموظفي المحاكم والنيابات في كافة الانتخابات التي تجري تحت إشراف قضائي بطريقة عادلة تصون كرامتهم ولا تنتهكها مثلما حدث "منسق طابور"، واعتبار حملة ليسانس الحقوق من موظفي المحاكم والنيابات عملا مناظرا أسوة بزملائهم من موظفي الشهر العقاري والتأكيد علي اختيار القيادات الإدارية بالانتخاب ووجوب تسبيب قرارات النقل وعدم تطبيق مبدأ (لصالح العمل) وحده لإمكان الطعن علي القرارات، وتسكين الموظف بدائرة محل إقامته، والعدالة في توزيع فرص الإعارات الخارجية والداخلية بين الموظفين، والغاء الحبس الاحتياطي لهم، والنظر في قانون المحاكم التأديبية وتطبيق قاعدة لا يضار الطاعن بطعنه، وعدم ازدواج العقوبة علي الجريمة الواحدة مثل الإحالة للتأديب والنقل معا والاكتفاء بواحدة، ورفع مكافأة نهاية الخدمة لتصبح عشرة أشهرعن كل سنة بدلا من خمسة، وإيجاد حلول جذرية نحو تطوير أداء الإدارات الجنائية، ووجوب تسبب رفض الإجازات المطلوبة وتحديد طرق الطعن عليها ورفع قيمة الحوافز من 250٪ إلي 400٪ ورفع قيمة الجهود غير العادية بحد أقصي 400 جنيه إلي 200٪ بحد أقصي 500 جنيه مساواة مع موظفي ديوان عام الوزارة والعمل علي ضرورة وحتمية زيادة مقابل بدل العلاج وزيادة الدعم المالي لصندوق الرعاية الإنسانية وزيادة المقررات المخصصة للموظفين والعدالة في توزيع المميزات المالية والمعنوية والاجتماعية بين العاملين بكافة هيئات الوزارة وتقليص الفارق الشاسع ما بين أعضاء النيابة والجهاز المعاون من الموظفين وزيادة المقابل المادي المخصص للمحضرين عن قيامهم بتنفيذ الإعلانات. وقال أحمد حافظ أحد منظمي الإضراب إن الموظفين دخلوا اعتصاما مفتوحا منذ يوم الثلاثاء قبل 28 فبراير بالاتفاق مع زملائهم في كافة المحافظات بينما رفض زميله مصطفي يونس تصريحات المستشار محمد منيع مساعد وزير العدل لشئون المحاكم علي قناة الcbc التي هدد فيها الموظفون المقربون عن العمل بالحبس في الوقت الذي أضرب فيه القضاة أنفسهم منذ شهرين عن العمل ولم يمسهم أحد بكلمة وطالب بإقالة منيع ورحيله الفوري عن المحاكم. ويحكي المضربون عن العمل من موظفي الحاكم والنيابات في قنا عن وقوف الشاعر الغنائي نصر الدين ناجي - صاحب أغنية "إزاي" التي أشعلت ميدان التحرير في أيام الثورة - إلي جوارهم واتصالاته الهاتفية بهم وهو يمدهم بأغاني من تأليفه ليرددونها في ساعات الإضراب مثل: العدل متعلق ع الفتارين والسعر غالي والجيوب فاضيه واللي اشتري بيحكم في التانيين والسيف يخلي الناس تعيش راضيه فوضت أمري ليك يا عدل يا رحمن في اللي انسرق مني انسان ظلم انسان أما الأغنية التي ألهبت حماس الجموع ولم يكف موظفو محاكم ونيابات قنا عن ترديدها فهي: بعد ما طحنوا الغلة مذلة وشربوا عرقنا في أوسع قلة ورصوا المحشي في أقدم حلة وسابنا نحاسب حلة بعلة جونا ورخصوا سعر الكوسة وقال لك أطعم م البسبوسة وفي الآخر طلعت ملموسة بكف أخينا ابن المحروسة الفقر وقلة الحيلة تشكو النجوع والقري في محافظة قنا من الإهمال الذي يصيب شوارعها الفقيرة، بينما يصف الأهالي هناك أنفسهم بالمنسيين، ففي قرية ساحل دراو التابعة لمركز نقادة وتقع علي حدود محافظة الأقصر لا وجود لوحدة صحية مما يجعل المواطنين يتكبدون الذهاب لوحدة الأوسط قمولا التي تبعد عنهم أكثر من ثلاثة كيلومترات، بينما فرن عيش وحيد عاني القائمون عليه من مشقة الترخيص لإنشائه فيقول نشأت محمد فخري صاحب الفرن إنه ظل لسنوات طويلة يحاول إقناع المسئولين بإقامته في القرية لكنه لا يستطيع مواجهة طوفان البشر كل صباح الذين يأتون للحصول علي أرغفة الخبز فلا يستطيع غالبيتهم الحصول علي مايريد مما يضطره إلي تقسيم الأرغفة بالتساوي علي الموجودين وهو ما يجعل الخلافات لا تكف بسبب الزحام الذي يتزايد. وإذا كان نشأت ينظر بشفقة إلي فقراء القرية فإن مجلس المدينة يغمض عينه عن طريق الأسفلت المتهالك الذي يربط القرية بالمركز وتم انشاؤه منذ أكثر من ثلاثين عاما ولم يفكر أحد في تجديده الأمر الذي يجعل السيارات تكف عن المرور عليه خوفا من استهلاكها في الحفر المنتشرة علي طوله وهو ما يجعل المواطنين يقضون ساعات انتظارا لوسيلة مواصلات تنقلهم إلي أعمالهم أو تنقل مرضاهم إلي مستشفي المركز. الفقر وقلة الحيلة هو ما يجده الشباب أمامهم في تلك القرية البائسة التي يحكي الدكتور خليفة محمد إبراهيم المدرس بالأزهر عن استغلال أصحاب المحلات للشباب الذين لا يجدون مصدر رزق لهم إلا بالوقوف في المحلات في مقابل أجر شهري لا يتعدي 150 جنيها! أما زعبوط زرزور فيقول إن غالبية الشباب ممن يبحثون عن أي مصدر رزق فكروا في إنشاء جوامع علي أراضيهم وتحملوا تكاليف إنشائها ليتم إدراج أسمائهم في كشوف موظفي الأوقاف، لكن للأسف بعد أن صرفنا كل ما نملك علي إقامة هذه المساجد واجهنا تعنت الوزارة في ضم هذه المساجد لها وعدم النظر إلينا بعين الرأفة. بينما يلفت محمود محمد تقي –مدرس- النظر إلي أهمية قيام المسئولين في المحافظة بزيارة القرية للوقوف علي ما وصلت إليه من حالة متردية بوصفها تفتقر إلي الحد الأدني من الخدمات مع ضرورة الاستفادة من الطاقات الشبابية في مشاريع للتنمية تقام لهذا الغرض. أما الظاهرة اللافتة في القرية فكانت إطلاق معظم الشباب من صغار السن لحاهم وهو الأمر الذي حدث عقب ثورة يناير، ويحظي الشيخ محمد حسان بمحبة كبيرة بينهم حتي أن شابا اسمه صفوت نصر يصر علي تقليده في ملبسه باعتباره مثلا أعلي له. فقر مدقع - هو حال معظم الناس في الأطراف- لا تمتد إليه يد المحافظ المهموم بتجميل المدينة وتحسين خدماتها لينال استحسان ضيوفه القادمين عليه من القاهرة في الوقت الذي ندعوه بدورنا لزيارة هذه القري والنجوع للوقوف بنفسه علي حجم الكارثة التي تتعدد وجوهها من شوارع متهالكة إلي نقص حاد في الخدمات، فضلا عن وجود بيئة صالحة للمرض لا يقابلها الحد الأدني من الرعاية الصحية. هناك في تلك القري وجدنا أطفالا حفاة بملابس ممزقة، وآباء داخل البيوت يرقدون علي أسرة المرض، يتمنون الموت ليريحوا أبنائهم الذين يحصلون بالكاد علي قوت يومهم من عناء الإنفاق عليهم. المؤشر خطير وما يزيد الطينة بلّه هو ازدياد حدة التوتر بين القبائل المتناحرة واستغلال تجار السلاح والمخدرات للأمر لتستمر الأوضاع في حالة من التردي والسوء، تبحث عن وسيلة إنقاذ قد لا تجده في دولة لم تسترد عافيتها بعد ! الأشراف والحميدات بسبب 35 قرشا هي ثمن أجرة راكب نشب الصراع مؤخرا بين شخصين أحدهما سائق ميكروباص من قبيلة الحميدات، وزبونه من قبيلة الأشراف، لتشهد المدينة صراعا كاد أن يخلف وراءه حربا أهلية لولا تدخل الحكماء من كلا الفريقين. لينهمر الرصاص علي مدار أيام تواصلت فيها مساعي الصلح بتدخل شخصي من المحافظ ومدير الأمن ونزول مدرعات من الجيش في الشوارع لفصل المعارك التي نتج عنها 12 إصابة كان من بينهم اثنان وصفا بالخطيرتين الأولي في الرأس لشاب من الأشراف اسمه عمر جلوي يرقد الآن في مستشفي معهد ناصر للعلاج، والأخري في الساق لياسر سيد من الحميدات. التضخيم الإعلامي للحدث وجد أقلاما تسارع إلي نشر الأكاذيب وتأليف أساطير حول امتلاك القبيلتين لأسلحة ثقيلة تم استخدامها في المعارك، إضافة إلي التحدث بما يؤجج حدة الصراع بين الفريقين وهو ما كان عائقا حقيقيا أمام مساعي الصلح التي لم تهدأ حتي كتابة هذه السطور. "الاتنين ولادي والأخ بيتشاكل مع اخوه ولكن في النهاية لازم يتصالحوا " بهذه الكلمات قرر الحاج مفتاح خلف الله إبراهيم أحد كبراء قبيلة الحميدات أن يختار موقعه ليكون الأب بين شبان اختصموا فيما بينهم وتنازعوا علي لاشيء!. هدوء وطمأنينة تكسو ملامح الشيخ، بينما الوقار الذي يفيض من وجهه يجبرني علي الإنصات إلي صمته الذي يطول في بعض الأحيان، فأقاطعه بسؤال يجيب عليه بكلمات مقتضبة، وكأنه يرفض الخوض في تفاصيل الصراع ليحافظ علي ما وصل إليه مع رفقائه الحكماء من كلا الفريقين.من تهدئة للأمور. أقول له: حدثني عن قبيلتك، تاريخها، وجذورها الضاربة في القدم، وكونها آتية من الجزيرة العربية مع الفتح الإسلامي لمصر، فينظر نحوي بريبة، ويصمت قبل أن يقول: إنه تاريخ مثل تاريخ أي قبيلة من قبائل الصعيد لكل منها أصله الثابت، ويكمل: دعنا من الماضي، فإن الحديث عن الجذور يقود إلي التعصب ويجد من يستثمره لإحداث فتنة وقانا الله شرها. يعود السكوت من جديد إلي مندرة الحاج مفتاح التي تصطف فيها عشرات الدكك بطولها وعرضها لتشغل الدور الأول كاملا من "فيلته" المقامة علي ضفاف نيل ينحني احتراما أمام المدينة العريقة وكأنه يحتضن شعبها المضياف. يشير الحاج مفتاح إلي دور كبير قال إن المحافظ ومدير الأمن قاما به لإنهاء الصراع، ويحكي عن لجنة للصلح تم تشكيلها من خارج المحافظة لهذا الغرض، وهو يؤكد علي أن أهم شيء الآن هو تبادل الزيارات وتقديم العزاء في الأموات بين قبيلتين يربط بينهما النسب والجيرة. يلفت مفتاح إلي الانفلات الأمني الذي ابتلي الله به مصر بعد الثورة وكان سببا رئيسيا في نشوب المعارك في الصعيد وظهور أعمال البلطجة في كل البلاد. ويقول: علي الشباب أن يستفيدوا من حكمة الكبار لأنهم يعرفون مواطن العثرات، ونصيحتهم هي الوقاية التي هي خير من العلاج، ويشبه الشباب بدون الأخذ بحكمة الكبار؛ كحصان يسير بلا لجام، أو كسيارة لا يوجد فيها فرامل! ويؤكد علي اتصال لا ينقطع بينه وبين قيادات الأشراف الذين يزيد عددهم علي ثلاثين حكيما يتفقون معه في الرأي. وعن مشاكل البطالة والفقر في محافظة قنا يقترح مفتاح حلا سحريا للقضاء عليهم يتمثل في شق الترع لتصل إلي الظهير الصحراوي الموازي لشريطي النيل، عن طريق خزان إسنا، وتمليك الشباب هذه الأراضي وهو ما من شأنه أن يقضي علي أمراض الصعيد بالكامل. أسأله كيف؟ فيقول: إن قابلية الأرض للزراعة واتساعها سيجعل منها هدفا للعاطلين وبإمكانها أن تستوعب ملايين الأيدي العاملة فتعمل علي تحسين دخلهم وتوفير مصدر رزق لعائلاتهم فضلا عن المسكن أما الشيء المهم فهو أن إعمار هذه المناطق واستهلاك طاقة الشباب فيما يفيدهم سيجنبهم البحث عن معارك وهمية لإثبات ذاتهم وبالتالي سيتسبب الأمر في كساد لتجارة الأسلحة في الصعيد فضلا عن عدم لجوء تجار السلاح أنفسهم إلي الجبل لعقد صفقاتهم. يصمت وكأنه يسترجع أمرا هاما قبل أن يقول: إن مشروع توشكي الذي كلف الدولة الكثير أتي قبل أوانه فكان يجب أن يتأخر ويأتي بعد ثلاثين عاما علي الأقل، فالأولي الالتفات إلي الظهير الصحراوي لشريط النيل بوصفه الأقرب للسكان. يضحك: لو أن الدولة أمرت الشباب بأن يشقوا الترع بأيديهم ليوصلوا المياه إلي الصحراء القريبة منهم لفعلوا! وقبل أن أخرج من مضيفة الحاج مفتاح يقترح عليّ أن أسمع من الحاج رفاعي عبد الوهاب أحد كبار الأشراف كما سمعت منه وهو يحدثني عن نشاط الرجل الملحوظ والمستمر لرأب الصدع وإعادة الاستقرار إلي المدينة. "لن تحدث فتنة أخري بمشيئة الله" بهذه الكلمات يستقبلني رفاعي عبد الوهاب مدير كلية الهندسة بجامعة الأزهر ويضيف بأن ما حدث هو فعل شيطاني – ربنا يسامح أبطاله ويصلح من أحوالهم- ويوضح أن الأزمة الأخيرة كان سببها سوء الفهم وشدد علي أهمية الدور الثقافي لتوعية الناس وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب وتحديد المسئولية لردع من يقوم بإشعال النار التي تلتهم الجميع ولا تصيب مرتكبيها فقط، ومحاسبتهم علي ذلك حتي لا نشهد خلافا جديدا يلقي بظلاله السيئة علي مختلف الأطياف. ويؤكد علي أن 59٪ من كلا القبيلتين يؤثرون السلام ولا يرضون عنه بديلا، ويأسف لكون كلمة الحق لا تجد من يصغي إليها. ويتهم عبد الوهاب تجار السلاح ورفقاءهم من تجار المخدرات باستغلال الاحتقان بين الفريقين وهو ما يعود عليهم بالثراء كلما زاد الصراع، فضلا عن استغلال أصحاب المحلات الموتورين لتصفية الحسابات بإشعال النيران في الممتلكات. ويحمل الإعلام جانبا كبيرا من المسئولية ويقول إن من بين مراسلي الصحف من ساهم بدوره في تضخيم الأمور اعتمادا علي تجارة العناوين والجري وراء الشائعات التي وجدت آذانا تصغي إليها وألسنة تروج لها فجاءت المبالغة في الصحف في حجم الأسلحة وكميات الرصاص وتصوير الأمر علي أنه حرب حقيقية. وأوضح الحاج رفاعي أن مدينة قنا لا يمثلها الأشراف والحميدات فقط ولكنها تضم طوائف وقبائل متعددة يجب أن تنام في هدوء ويعمل أهلها في أمن. وشدد علي أهمية دور المؤسسات الدينية (الإسلامية والمسيحية) للقيام بما عليهم من واجبات روحية من شأنها أن توقف الخلاف بين الناس أو تقلل من حدته. أما الشيخ خالد عبد الراضي من الحميدات فيدعوني لزيارة مزرعته التي تعج بأصناف مختلفة من الزهور ويشير إلي عاملين يقومان علي رعايتها وهو يقول لي إن الفلاح القناوي هو الأذكي دائما.. هل تصدق أنه يستطيع حفظ الأسماء اللاتينية لهذه الزهور ورعايتها بخبرة عالية؟ لقد راهنت علي ذلك ولم يخب ظني والآن باستطاعته أن ينقل خبراته لزملائه بقدرة فائقة. وفجأة يعلو صوته ويتساءل هل يجوز أن يستمر هذا الصراع بين قبيلتين الثابت أنهم أبناء عمومة وبينهم من الود والتقارب ما يمكنه أن يقضي علي أي خلاف؟.. وكيف تحول العصبية إلي قيمة إيجابية؟.. يلفت عبد الراضي إلي أهمية دور النخبة والمثقفين من كلا القبيلتين ويشير إلي حوار من المفترض أن يجري ويتم صياغته عن طريق آلية تجمع بين الشباب ولا تقسم بينهم وقال إن حكماء الفريقين قادرون علي ذلك، كما أن الشباب بما يحملونه من ثقافة وعلم لا بد من تحميلهم مسئولية التوعية للآخرين. بينما يتهم علم الدين عبد الوهاب – رجل أعمال- عناصر مخربة قال إنها تحمل أجندات اقتصادية وانتخابية لتأجيج الصراع في الوقت الذي لا تكل فيه رموز القبيلتين علي التهدئة المستمرة التي تلاقي الاستجابة الفورية من الغالبية العظمي.. أسأله عن أهمية التواصل بين أبناء القبيلتين فيقول إنه موجود بالفعل فمعظم الشيوخ أو حتي الشباب هم أصدقاء ولكن العقل يضيع أحيانا وسط زحام الغوغائيين ومسجلي الخطر، وأضاف بأن حل الأزمة يتطلب زيادة قبضة الأمن ومعاقبة المتسببين في الخلاف، خاصة في ظل حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد وضعف الدولة. أسأله: هل تظن أن الصلح سيتم اختراقه فيجيب: أهلي في قنا – من كلا القبيلتين- رجالة وقد التزموا بالسلام فيما بينهم ولن يرجعوا في كلمتهم. ويشير الباحث الزراعي الدكتور محمد محمود أحمد إلي أهمية إقامة مشروعات للتنمية في المحافظة قادرة علي استيعاب العاطلين وقال إن تجار السلاح يعملون علي إحداث المؤامرات والفتن لضمان الربح في تجارتهم معتمدين في ذلك علي العصبية العمياء. ويتذكر عبد الرحيم محمود حسب الله مدير عام منطقة جنوب الصعيد لمكافحة الآفات السابق نزوحه للإقامة في قنا سنة 1968 والتي شهد خلالها خلافا حادا بين بعض شباب قبيلتي الأشراف والحميدات أيهما الأحق بتابوت سيدي عبد الرحيم القنائي وكل منهم ينسب الشيخ إلي قبيلته مع أن كتب التاريخ تؤكد أن الرجل أتي من المغرب، وكأن العصبية تبحث عن أي سبب لتمر من خلاله وتجد من يرعاها من تجار السلاح الذي انتشر في الآونة الأخيرة وخاصة ما تم جلبه من ليبيا. إضراب محاكم قنا مثل زملائهم من المحافظات الأخري اتبع موظفو المحاكم والنيابات في قنا أسلوب الإضراب عن العمل لتحقيق مطالبهم التي تتمثل في 25 مطلبا هي التأكيد علي التعامل الراقي بين أعضاء الهيئة القضائية، وفصل ميزانية موظفي المحاكم والنيابات عن المجلس الأعلي للقضاء علي أن يكون توزيعها تحت إشرافه، وإنشاء كادر إداري للموظفين يكون علي رأسه وكيل وزارة مساعد وزير يختص بشئون الموظفين فقط، ووضع الأولوية في التعيينات لأبناء العاملين مع وضع ضوابط منتظمة لذلك، والعمل علي سرعة تثبيت العمالة المؤقتة أسوة بالوزارات الأخري، وإلغاء تبعية موظفي المحاكم والنيابات لقانون السلطة القضائية مساواة بموظفي الدولة، والعدالة في الرعاية الصحية مع أعضاء الهيئات القضائية وشمول الأسرة لتلك الرعاية، والاستعانة بموظفي المحاكم والنيابات في كافة الانتخابات التي تجري تحت إشراف قضائي بطريقة عادلة تصون كرامتهم ولا تنتهكها مثلما حدث "منسق طابور"، واعتبار حملة ليسانس الحقوق من موظفي المحاكم والنيابات عملا مناظرا أسوة بزملائهم من موظفي الشهر العقاري والتأكيد علي اختيار القيادات الإدارية بالانتخاب ووجوب تسبيب قرارات النقل وعدم تطبيق مبدأ (لصالح العمل) وحده لإمكان الطعن علي القرارات، وتسكين الموظف بدائرة محل إقامته، والعدالة في توزيع فرص الإعارات الخارجية والداخلية بين الموظفين، والغاء الحبس الاحتياطي لهم، والنظر في قانون المحاكم التأديبية وتطبيق قاعدة لا يضار الطاعن بطعنه، وعدم ازدواج العقوبة علي الجريمة الواحدة مثل الإحالة للتأديب والنقل معا والاكتفاء بواحدة، ورفع مكافأة نهاية الخدمة لتصبح عشرة أشهرعن كل سنة بدلا من خمسة، وإيجاد حلول جذرية نحو تطوير أداء الإدارات الجنائية، ووجوب تسبب رفض الإجازات المطلوبة وتحديد طرق الطعن عليها ورفع قيمة الحوافز من 250٪ إلي 400٪ ورفع قيمة الجهود غير العادية بحد أقصي 400 جنيه إلي 200٪ بحد أقصي 500 جنيه مساواة مع موظفي ديوان عام الوزارة والعمل علي ضرورة وحتمية زيادة مقابل بدل العلاج وزيادة الدعم المالي لصندوق الرعاية الإنسانية وزيادة المقررات المخصصة للموظفين والعدالة في توزيع المميزات المالية والمعنوية والاجتماعية بين العاملين بكافة هيئات الوزارة وتقليص الفارق الشاسع ما بين أعضاء النيابة والجهاز المعاون من الموظفين وزيادة المقابل المادي المخصص للمحضرين عن قيامهم بتنفيذ الإعلانات. وقال أحمد حافظ أحد منظمي الإضراب إن الموظفين دخلوا اعتصاما مفتوحا منذ يوم الثلاثاء قبل 28 فبراير بالاتفاق مع زملائهم في كافة المحافظات بينما رفض زميله مصطفي يونس تصريحات المستشار محمد منيع مساعد وزير العدل لشئون المحاكم علي قناة الcbc التي هدد فيها الموظفون المقربون عن العمل بالحبس في الوقت الذي أضرب فيه القضاة أنفسهم منذ شهرين عن العمل ولم يمسهم أحد بكلمة وطالب بإقالة منيع ورحيله الفوري عن المحاكم. ويحكي المضربون عن العمل من موظفي الحاكم والنيابات في قنا عن وقوف الشاعر الغنائي نصر الدين ناجي - صاحب أغنية "إزاي" التي أشعلت ميدان التحرير في أيام الثورة - إلي جوارهم واتصالاته الهاتفية بهم وهو يمدهم بأغاني من تأليفه ليرددونها في ساعات الإضراب مثل: العدل متعلق ع الفتارين والسعر غالي والجيوب فاضيه واللي اشتري بيحكم في التانيين والسيف يخلي الناس تعيش راضيه فوضت أمري ليك يا عدل يا رحمن في اللي انسرق مني انسان ظلم انسان أما الأغنية التي ألهبت حماس الجموع ولم يكف موظفو محاكم ونيابات قنا عن ترديدها فهي: بعد ما طحنوا الغلة مذلة وشربوا عرقنا في أوسع قلة ورصوا المحشي في أقدم حلة وسابنا نحاسب حلة بعلة جونا ورخصوا سعر الكوسة وقال لك أطعم م البسبوسة وفي الآخر طلعت ملموسة بكف أخينا ابن المحروسة الفقر وقلة الحيلة تشكو النجوع والقري في محافظة قنا من الإهمال الذي يصيب شوارعها الفقيرة، بينما يصف الأهالي هناك أنفسهم بالمنسيين، ففي قرية ساحل دراو التابعة لمركز نقادة وتقع علي حدود محافظة الأقصر لا وجود لوحدة صحية مما يجعل المواطنين يتكبدون الذهاب لوحدة الأوسط قمولا التي تبعد عنهم أكثر من ثلاثة كيلومترات، بينما فرن عيش وحيد عاني القائمون عليه من مشقة الترخيص لإنشائه فيقول نشأت محمد فخري صاحب الفرن إنه ظل لسنوات طويلة يحاول إقناع المسئولين بإقامته في القرية لكنه لا يستطيع مواجهة طوفان البشر كل صباح الذين يأتون للحصول علي أرغفة الخبز فلا يستطيع غالبيتهم الحصول علي مايريد مما يضطره إلي تقسيم الأرغفة بالتساوي علي الموجودين وهو ما يجعل الخلافات لا تكف بسبب الزحام الذي يتزايد. وإذا كان نشأت ينظر بشفقة إلي فقراء القرية فإن مجلس المدينة يغمض عينه عن طريق الأسفلت المتهالك الذي يربط القرية بالمركز وتم انشاؤه منذ أكثر من ثلاثين عاما ولم يفكر أحد في تجديده الأمر الذي يجعل السيارات تكف عن المرور عليه خوفا من استهلاكها في الحفر المنتشرة علي طوله وهو ما يجعل المواطنين يقضون ساعات انتظارا لوسيلة مواصلات تنقلهم إلي أعمالهم أو تنقل مرضاهم إلي مستشفي المركز. الفقر وقلة الحيلة هو ما يجده الشباب أمامهم في تلك القرية البائسة التي يحكي الدكتور خليفة محمد إبراهيم المدرس بالأزهر عن استغلال أصحاب المحلات للشباب الذين لا يجدون مصدر رزق لهم إلا بالوقوف في المحلات في مقابل أجر شهري لا يتعدي 150 جنيها! أما زعبوط زرزور فيقول إن غالبية الشباب ممن يبحثون عن أي مصدر رزق فكروا في إنشاء جوامع علي أراضيهم وتحملوا تكاليف إنشائها ليتم إدراج أسمائهم في كشوف موظفي الأوقاف، لكن للأسف بعد أن صرفنا كل ما نملك علي إقامة هذه المساجد واجهنا تعنت الوزارة في ضم هذه المساجد لها وعدم النظر إلينا بعين الرأفة. بينما يلفت محمود محمد تقي –مدرس- النظر إلي أهمية قيام المسئولين في المحافظة بزيارة القرية للوقوف علي ما وصلت إليه من حالة متردية بوصفها تفتقر إلي الحد الأدني من الخدمات مع ضرورة الاستفادة من الطاقات الشبابية في مشاريع للتنمية تقام لهذا الغرض. أما الظاهرة اللافتة في القرية فكانت إطلاق معظم الشباب من صغار السن لحاهم وهو الأمر الذي حدث عقب ثورة يناير، ويحظي الشيخ محمد حسان بمحبة كبيرة بينهم حتي أن شابا اسمه صفوت نصر يصر علي تقليده في ملبسه باعتباره مثلا أعلي له.