كنا نتعجب أثناء المحاكمة من إشارة النصر التي كان يشير بها علاء مبارك بأصابعه في كل مرة أثناء خروجه من المحاكمة.. لم نفهمها وقتها ، والآن قد فهمنا. فالقضية التي اتهم فيها علاء وجمال منتهية الصلاحية بينما تم إعدام الأدلة التي كان بإمكانها أن تعدم القتلة.كشفت الأحكام الصادرة علي مبارك ووزير داخليته وابنيه والستة مساعدين عن حجم "الهوي" الذي سكن صدور المسئولين وحدد اتجاه القضية منذ أن كانت فكرة من الواضح أنها لم تكن تلقي استحسانا لدي المسئولين فكيف يمكن أن يحاكم مبارك وابناه والعادلي ومساعدوه؟ كيف يمكن أن يحاكم أسياد البلد وأولاد الأكابر؟ ولكن أمام الضغوط الشعبية تمت الاستجابة لنداء تقديمهم للمحاكمة ولكن بشروط أولي الأمر فقدموا مبارك وابنيه في قضايا كانوا يعلمون ومنذ البداية أنها انتهت قبل أن تبدأ وأنها سقطت بفعل الزمن كما سقط كثيرون أمام "هوي" أنفسهم التي انحازت "لأولاد الأكابر" علي حساب الشعب الذي قدم الشهداء والجرحي والمصابين والذين نجد الآن من يتشفي فيهم ويتبجح بالقول "وهو حد قالهم يروحوا يموتوا"، بل وصل الأمر إلي درجة أن هناك من يقول »وأخيرا خلصنا من حكاية الشهداء« بعد براءة مساعدي العادلي الذين حصلوا علي البراءة من واقع انعدام وجود الأدلة التي تدينهم واختفاء أدلة إدانتهم ولم تتبق سوي تسجيلات لمدرعات الشرطة وهي تدهس وتقتل وبنادق ذوي الملابس السوداء وهي تحصد الأرواح ولكن من هم هؤلاء؟ لا أحد يعرف ؟ ومن الذي أمرهم؟ لا أحد يعرف؟ ولم يتبق سوي إعلان أن الشهداء قد انتحروا!! فالبطل الحقيقي في هذه القضية هو اختفاء أدلة الإدانة التي كانت هي الوسيلة الوحيدة لإدانة المتهمين، وجمع هذه الأدلة كانت مسئولية الأجهزة الأمنية التي تملك أما تقديمها أو الحفاظ علي الموجود منها في حوزتهم، والمشكلة الحقيقية هنا أن هذه الأجهزة مازالت غير مقتنعة أن هناك ثورة تاريخية اندلعت ضد نظام فاسد لم يقدم للمحاكمة فيها غير رأس النظام فقط وبعض من أعوانه، ولم تستوعب تلك الأجهزة أنها يجب أن تنحاز للشعب وفضلت أن تنحاز للحاكم ورجاله فهم الأبقي لديهم والأولي بالسمع والطاعة حتي ولو كانوا قد قتلوا من الشعب من قتلوا ودهسوا من دهسوا، فهم الأهم والأبقي لديهم وهذا هو اختيارهم ، فلقد حاربوا من أجل تغيير الأدلة وتدميرها وإخفائها حتي يخرج رجالهم فائزين ويحصل مبارك والعادلي علي أحكام ستنتهي إلي البراءة بعد مراحل التقاضي المتبقية وقد يكون ذلك في ظل رئيس تابع للنظام القديم لتتحول الثورة بشهدائها ومصابيها إلي حلم قديم يتوه مع الأيام المرة التي يتفنن المسئولون في أن يتجرع مرارتها المصريون فيخرج عليهم البلطجية وتحاصرهم أزمات البنزين وطوابير أنابيب الغاز والسولار الذي بسببه يهلك الزرع والمحاصيل ولاتوجد مشكلة في ذلك، فمن تواطأ لإخفاء أدلة إدانة. من قتل الشهداء لن يهتم كثيرا باستشهاد المحاصيل الزراعية بسبب نقص الغاز والسولار، والتلاعب في أرزاق الناس الذين لايدخلون في اهتمام الأجهزة الأمنية التي أخفت ولم تتعاون في تقديم أدلة الاتهام وهو التصريح الذي أعلنته النيابة في محاكمة مبارك بوضوح كامل وتوضيح لحقيقة الموقف منذ أيام المحاكمة ، وسأذكر كل من أخفي دليلا وانحاز للنظام السابق لكي يخرج سالما معافي بأنه في يوم من الأيام أرسل مبارك "السيسي" أحد فصائل الأحصنة الذي يلهو به أحفاده علي طائرة مصرية يدفع نفقاتها الشعب الجائع إلي انجلترا ليتلقي السيد السيسي تطعيما ضد الأمراض في الوقت الذي يعاني فيه غالبية المواطنين من حاجتهم إلي جنيهات بسيطة لتلقي العلاج ، وليتذكر هؤلاء أيضا أنهم انحازوا لعائلة استباحت حقوق المصريين جميعا فجعلت أيامهم سوداء في نفس الوقت الذي كانوا يباركون فيه ما كان يحدث، ونسوا يوم كان أحد أحفاد مبارك يلعب في "عز جده" بشرم الشيخ وطلب منه أن يذهب إلي المنتزه في الإسكندريه ليلعب مع ابن خالته هناك ولأن أحلامه أوامر فقد أمر" الجد" بتجهيز طائرة بطاقمها المكون من ثلاثة عشر شخصا لتذهب بالحفيد ليلعب ، ولم ينس "الجد" أن يسأل طاقم الطائرة إذا كانوا تناولوا غداءهم أم لا ، فجاءة الرد بلا وأنهم سيتناولون الغداء بعد عودتهم من "المهمة" فلم يوافق وأمرهم بأن يتناولوا غداءهم أولا. فهل من أجل هؤلاء اختفت الأدلة وشرائط الفيديو لكاميرات المراقبة في ميدان التحرير وحل بدلا منها أفلام مسلية ! وهل كل ما راهنوا عليه هو ضعف ذاكرة الشعب المصري وما كانوا يشيعونه عنه من أنه شعب خامل لايعرف الثورة ولا يتحرك أبدا ضد من ظلمه ! والغريب أن الأمر كان شديد الوضوح ومنذ البداية وازداد وضوحا بعد كلمات النيابة بإعلانها عن عدم تعاون الأجهزة الأمنية معها ومرت الأيام وفي كل يوم يختفي دليل وتتبخر قرينة وتدوس الأقدام الميادين والشوارع التي سالت عليها دماء الشهداء لكي تخفي الأحذية ماتبقي من مسرح الجريمة . اللواء رفعت عبد الحميد خبير الأدلة الجنائية لديه رؤية واضحة عن كيفية طمس وإخفاء الأدلة ويري فيما حدث مؤامرة شديدة الوضوح لإخفاء الأدلة يقابلها عدم الاستجابة لجرس الإنذار الذي دقته النيابة منذ اللحظات الأولي للمحاكمة وهو يوضح المشكلة التي أدت إلي خروج الأحكام بشكل شديد الدقة فيقول: القاضي التزم بصحيح تطبيق قانون العقوبات المصري في التكييف والإسناد وأفاض بالشرح حتي قبل ظهور حيثيات الحكم بأنه لاتوجد أدلة وقرائن يتم الاستناد عليها في الإدانة وهذا حدث لسببين الأول هو في إتلاف الأدلة وإخفائها والثاني في العوار الموجود في قانون العقوبات المصري والذي لايوجد فيه نص منذ عام 7391 يعاقب علي الجرائم السياسية، ولنعد لتدمير وإخفاء الأدلة وهو الأمر الذي حدث بنظام شديد ، فهذه القضية كانت بالغة الصعوبة في جمع الأدلة المادية والفنية بسبب أن المتهمين كانوا علي رأس الحكم وقد أعلنتها النيابة العامة بأنها لم تلق تعاونا من وزارة الداخلية أو أجهزة المخابرات المختلفة وهي قضية تخلو تماما من التحريات الجنائية والمعمل الجنائي وإن كانت تلك التحريات والمعلومات ليست دليلا ولكنها قرينة قضائية وتكميلية يلزم تعزيزها بالدليل المادي الذي يمثل الاقتناع التلقائي لدي القاضي المصري العادل وجميع الأحراز المقدمة في القضية لا تصلح للإدانة في مجرد "قضية مشاجرة" عادية وليست قضية بذلك الحجم حملت لقب قضية القرن كما أن شهادة الشهود متضاربة وهزيلة ، كما أنه لايوجد اعتراف من المتهمين وكانت الأستجوابات والمواجهة فيما بينهم بتحقيقات النيابة العامة السبب الرئيسي لإحالتهم إلي محكمة الجنايات وتبادلوا الاتهامات فيما بينهم حتي شاعت القضية، كما حدث بالضبط في قضية ريا وسكينة ، فالمشرع هنا لم يشترط الحصول علي أداة الجريمة ولم يشترط ضبط الفاعل الأصلي ولكن القاضي يظهر الإدانة من واقع الملف وأقوال المتهمين وأقوال أهل الخبرة وهنا تم العبث في الأدلة كما جاءت كل تقارير الطب الشرعي مماثلة ومتطابقة ل007شهيد ولم يتم تحديد موقف الضارب من المضروب ولا اتجاهات الطلقات النارية ولم يتم استنطاق مسرح الجريمة وإعادة ترتيبه من جديد كما تعلمنا وظل الشاهد الأبكم الوحيد هو ميدان التحرير ، ولم يتم رصد البصمات ولا تحليل ملابس الشهداء ولا تحليل "فوارغ الطلقات" التي تحدد نوع السلاح وتحمل بصمته الفريدة الخاصة به ولا ننسي الحريق الغامض الذي شب في مصلحة الطب الشرعي ولا نعرف ماذا ضاع في ذلك الحريق! وتاهت القضايا في ادعاءات أن المتظاهرين كانوا سيهجمون علي الأقسام ، وهنا لم يسأل أحد كيف كان المتظاهرون سيهاجمون الأقسام وأين الأسلحة التي كانوا سيهاجمون بها ولماذا لم تحرز، فمن كان سيهاجم قسما لابد أن يكون لديه سلاح ليتغلب به علي الحراسة الموجودة ! ولنسأل عن قادة العادلي الذين كانوا موجودين في الشوارع في الأيام الأولي في الثورة وماذا كانت أوامرهم لجنودهم وضباطهم؟ ويأتي الجزء الثاني من المشكلة متمثلا في القصور والعوار والتشريع في القانون المصري الجنائي وخاصة النصوص العقوبية ، فهذا القصور جعل من العقوبات المنصوص عليها لا تتناسب مع حجم الجريمة وشكلها وأعداد الشهداء بها خاصة أن الجريمة وقعت نهارا جهارا علي قارعة الطريق إلا أن هذا القصور ليس من اختصاص القاضي وليس للقاضي أن يطلب معالجته ، خاصة أن القاضي يلتزم بمدي توافر الركن المادي والمعنوي للجريمة وعلاقة السبب المباشر بين النتيجة الإجرامية والأفعال المؤدية إليها، كما لايوجد في التشريعات العقوبية المصرية أو القانون الجنائي ما يسمي بحتمية الدليل الجنائي لدي القاضي بمعني أن للقاضي الجنائي السلطة التقديريه البحتة في قبول أو رفض الدليل استنادا إلي قناعته اليقينية بعيدا عن الشك والتخمين ، كما أن القانون أعطي الحق للمتهم في أن يحصل علي الدليل الذي يبرئه حتي ولو كان بطريق غير شرعي كأن يحصل عليه بالرشوة أو السرقة ولم يعط نفس الحق للمجني عليه فقد اشترط أن يحصل عليه بطريق شرعي . وهنا وبوضوح كامل ألقي اللوم علي عدة أطراف في هذه القضية منها برلمان الثورة الذي لم يعالج خلال عام ونصف القصور والتشريع في القانون الجنائي المصري وخاصة النصوص العقوبية وعلي المحامين المدعين بالحق المدني الذين لم يستطيعوا الحصول علي الأدلة والقرائن التي تدين المتهمين رغم تحذير النيابة المبكر من تعمد إخفاء الأدلة والقرائن ، أما من أخفوها فلن أقول لهم شيئا . ولأن إخفاء الأدلة وطمس معالمها كان العامل الأبرز في قضية القرن فإننا وجدنا ائتلاف شباب الثورة يحمل الفريق أحمد شفيق المسئولية الكاملة في إخفاء وتدمير هذه الأدلة في الأيام التي كان فيها رئيسا للوزراء ويعلق عمر الحضري عضو المكتب التنفيذي للائتلاف قائلا : إن كل أجهزة الدولة كانت ما بين الفريق شفيق والمجلس العسكري وأنه في تلك الفترة تم إتلاف الأدلة والتسجيلات الموجودة لدي الأجهزة الأمنية التي من الواضح أن ولاءها لمبارك ولعائلته وليس للشعب المصري والدليل علي ذلك هو تسجيلات المتحف المصري الذي أعلم جيدا أنها صورت كل الأحداث والتي تغطي نطاق كاميراتها أربعة كيلومترات وتم طمسها وأيضا كاميرات جامعة الدول العربية وكثير من المباني الحيوية والهامة في ميدان التحرير وكل أركان الثورة المضادة عملوا ومنذ البداية علي طمس الأدلة لنحمل لقب أفضل شعب قام بثورة قابلها أفضل ثورة مضادة في التاريخ .