لآلة العود سحر خاص، ليس علي مسامع العرب وحدهم. رنة العود وصلت إلي أذن فنان ياباني بدأت علاقته بالموسيقي مع الجيتار الكهربائي، وموسيقي الجاز وأغاني »البيتلز»، لكن زيارة إلي القاهرة عام 2005، كانت كافية للإيقاع به في غرام العود، ليعود بعدها الموسيقار »كين ماتسوو» (49 عاماً) إلي بلده ويؤسس هناك أول فرقة موسيقية اختار لها اسم »علاء الدين»، علي اسم المصري علاء الدين محمد الذي علمه العزف علي العود، وتقدم الفرقة أغاني أشهر مطربي مصر من جيل العظماء.. »آخرساعة» تواصلت مع »ماتسوو» عبر الإنترنت وأجرت معه هذا الحوار: اقتنيت أول عود من شارع محمد علي عام 2005 وأسست فرقة »علاء الدين» 2008 أول حفل قدمته في اليابان عزفت فيه مقطوعة لرياض السنباطي والجمهور انبهر حين أعزف أغاني أم كلثوم وحليم وفريد تنتابني مشاعر الحب والهدوء متي بدأت علاقتك بالموسيقي؟ - علاقتي مع الموسيقي بدأت في سن صغيرة، وقتها كان عمري ثماني سنوات، كان أخي الأكبر مهووساً بموسيقي الروك، وبدأ يعزف الجيتار الكهربائي، وخصوصاً الأعمال الخاصة بفرقة »البيتلز» الإنجليزية، وبدوري كنت أستمع باهتمام وإعجاب كبير لكل ما كان يعزفه أو يستمع إليه من موسيقي، وحين وصلت إلي سن الرابعة عشرة، بدأت أنا أيضاً أعزف علي الجيتار وأردد أغاني البيتلز، وفي المرحلة الثانوية انضممت للفرقة النحاسية، واخترت العزف علي آلة الكلارينيت، وتعلمت قراءة وكتابة الصولفاج، وبدأت أطلع علي الموسيقي الغربية الحديثة، ونجحت في تلحين بعض المعزوفات بشكل جيد. رغم انبهارك بالموسيقي الغربية الحديثة وقتذاك ما سبب انجاذبك للموسيقي العربية؟ - حدث ذلك بسبب انبهاري الشديد بصوت آلة العود الذي أسر وجداني، كما أعجبتني أيضاً المقامات الموسيقية العربية، وعلاقاتها ببعضها البعض وإمكانية الارتجال في هذه المقامات علي مستوي التقسيم أو الموال، وقد درست في مرحلة متقدمة علي الثانوية، ويمكنك القول إن صوت العود هو الذي دفعني إلي عشق الموسيقي العربية بإيقاعتها الساحرة والمؤثرة. أين درست الموسيقي والغناء العربي؟ - الصدفة وحدها قادتني إلي هذا الأمر، حين زرت القاهرة في العام 2005، حيث جئت من اليابان إلي مصر في زيارة كان مقرراً أن تستغرق شهراً واحداً لأدرس الدربوكة »الطبلة»، التي كانت تقليعة جديدة في اليابان وقتذاك، وفي أحد الأيام أردت أن أقتني آلة عود، فنصحني البعض بالذهاب لشارع محمد علي المخصص لبيع الآلات الموسيقية، وبالفعل ذهبت إلي هناك، وفي محل »قادر داغر» لم يكن صاحب المحل يتحدث الإنجليزية، وبالصدفة كان هناك شخص يدعي علاء الدين محمد، ساعدني في الترجمة، واختار لي العود المناسب، وحين طلبت منه أن يدلني علي أحد يعلمني العزف علي العود، فقال لي إن بإمكانه القيام بهذه المهمة، حيث اكتشفت أنه عازف ومطرب ممتاز، وبدأت أذهب إليه في منزله بالجيزة لأتعلم العزف علي العود، وامتدت زيارتي لمصر من شهر إلي ثلاثة أشهر ونصف تقريباً، خلال هذه الفترة القصيرة جداً تعلمت عزف العود واطلعت علي جماليات الموسيقي العربية ومختلف القوالب الموسيقية من (سماعي ولونجا وتحميلة)، ثم تكررت زياراتي إلي مصر. من بين كل الآلات الشرقية لماذا اخترت آلة العود؟ - العود يعتبر سلطان الآلات الموسيقية العربية، ويمكن العزف عليه والغناء في ذات الوقت. ولذلك تجد أن معظم الملحنين العرب كانوا بارعين في عزف العود، وما سهل علي تعلم العود سريعاً أنني كنت أعزف علي الجيتار، وثمة تشابه بين طريقة العزف علي الآلتين، وإن كان العود يمتاز عن الجيتار بأن له رنينا داخليا أكثر ثراءً، ويرجع السبب إلي طريقة تعديل أوتاره. فملمس الجيتار يحتوي علي حواجز تحدد أماكن الدرجات الموسيقية، بينما في آلة العود لا توجد حواجز وبالتالي لا حدود للعود. هل نقلت خبرتك في العزف علي العود إلي اليابانيين؟ - الحقيقة أنا أردت أن أنقل إلي الناس في اليابان هذا الجمال الذي تعلمته في مصر، لذا أسعي دائماً إلي نشر الموسيقي العربية في اليابان، وبالفعل لديّ تلاميذ كثيرون يدرسون علي يدي الموسيقي العربية علي مستوي العزف والغناء. وأنا واثق أن الموسيقي العربية ستحظي يوماً بمكانة مهمة بين مختلف الأنماط الموسيقية في اليابان وآسيا. متي بدأت مشروعك الفني الخاص؟ - بدأته عام 2008 في طوكيو، حيث كونت »فرقة علاء الدين للموسيقي العربية» واخترت لها هذا الاسم تيمناً بصديقي المصري الذي علمني عزف العود في وقت قياسي، وتضم الفرقة نخبة من أبرع العازفين، هم: عازف الإيقاع بيتاشي هيرايي يو إيتشي، وعازف »الكنترباص» ريوسوكي إيندو، وعازفة »الأكورديون» إيمي ساساكي، إلي جانب عازف الكمنجة التونسي حسين الجبالي. وفي نهاية العام الماضي أول ألبوم للفرقة. إلي أي مدي تتشابه الموسيقي اليابانية مع الموسيقي العربية.. هل ثمة عوامل مشتركة؟ - أنا علي يقين أن هناك عوامل مشتركة بين كل أنواع الموسيقي حول العالم، وفيما يتعلق بالموسيقي اليابانية والعربية، فقد لاحظت هذا الأمر بالفعل، فهناك مثلاً آلة »البِيوَا» اليابانية التي تعد امتداداً لآلة وترية قديمة تسمي »البربط»، والعود يعتبر امتداداً لها، وعدة آلات وترية أخري تضرب بالريشة مثل آلة »البُزق». وحتي الأغاني العربية إلي حد كبير تشبه في أدائها قالب »الإنكا» الغنائي في اليابان، وبعض الموسيقي اليابانية التقليدية بها مساحة من الارتجال الذي تتميز به الموسيقي العربية. حدثني عن أول حفل للموسيقي العربية قدمته في اليابان.. وكيف كان رد فعل الجمهور؟ - قدمت أول عرض موسيقي في طوكيو، وكانت أول معزوفة عبارة عن مقطوعة موسيقية من مقام »فرح فزا» للموسيقار رياض السنباطي. أذكر جيداً أن عزف هذه المقطوعة كان صعباً كونها تتطلب مهارة في العزف وحساً مرهفاً من جانب العازف، لكن رغم ذلك نجحت في تقديمها بشكل جيد والجمهور الياباني انبهر بها. من أبرز المغنين العرب الذين تحرص علي تقديم أغنياتهم في حفلاتك باليابان؟ - هناك أغانٍ ومعزوفات كثيرة، تتراوح بين القديم والجديد، لكن في حفلاتي لا يمكن أن أتجاهل تقديم أعمال عظيمة مثل »إنت عمري» و»سيرة الحب» لأم كلثوم، و»سواح» و»جانا الهوي» لعبدالحليم حافظ، و»يا مسافر وحدك» و»كل ده كان ليه» لمحمد عبدالوهاب، و»جميل جمال»، ومعزوفة »توتة» لفريد الأطرش، فهذه الأغاني تعيش في الوجدان ولا يمكن أن تموت مع الزمن. برأيك من هو أعظم ملحن عربي؟ - هناك الكثير من الملحنين المميزين جداً لهم أعمال عظيمة وتركوا بصمة مهمة، أمثال الشيخ زكريا أحمد والموسيقار رياض السنباطي، والرائع محمد عبدالوهاب، لكنني في الحقيقة أجد نفسي منجذباً إلي بليغ حمدي، بسبب تلحينه للأغاني بطريقة سلسة، فهي دروس مفتوحة للتعمق في المقامات الموسيقية العربية وعلاقاتها ببعضها وطريقة معالجتها. هل تؤمن بأن الموسيقي لغة إحساس ومشاعر عالمية؟ - بكل تأكيد، فالموسيقي الجميلة التي تنبع من القلب تمنحنا الهدوء والسكينة والحب وتعزز المشاعر الإنسانية الرائعة وهذا الأمر ينطبق علي من يتعامل مع الموسيقي سواء كان مستمعاً أو عازفاً، ومن خلال تجربتي الشخصية ألاحظ ذلك في انطباع من يستمعون إلي عزفي حين أقدم علي العود عزفاً لأغاني مطربين مصريين أو عرب مثل كوكب الشرق أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش. مؤخراً تنامت في مصر موجة أغان هابطة وظهر ما يسمي ب»أغاني المهرجانات» تُقدم علي إيقاع صاخب وكلمات تافهة، كيف تري ذلك وهل يصيبك بالإحباط؟ - في كل زمان توجد هذه الظاهرة، فعندما كنت في سن المراهقة اهتممت بأنماط موسيقية أكثر بساطة من موسيقي »الجاز» أو حتي موسيقي »الروك» التي تعتبر بسيطة مقارنة بالموسيقي العربية أو الموسيقي الكلاسيكية الغربية، فالشباب والمراهقون لديهم طاقة كبيرة يجب إفراغها في شيء ما، ويمكن لهذه الطاقة أن تترجم لعنف لفظي والذي نلمسه في كلمات أغاني المهرجان، أو حتي عنف جسدي من خلال الرقص عليها بطريقة معينة مع استعمال السكاكين (المطاوي) وغيرها، وتعدد وسائل البث من قنوات تليفزيونية وإنترنت يسهم بشكل خطير في تفشي الظاهرة، لكن حتماً مع التقدم في العمر تتغير تصرفات البشر، والحل هو التوعية بنفس الوسائل يعني بالقنوات والإنترنت، وأتصور أن هؤلاء الشباب سيلتحقون يوماً بالجانب السوي.