في مثل هذا اليوم "الثالث من فبراير".. وبالتحديد الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر الموافق 1975 ميلادية سكت الصوت الذهبي الذي كان يشدو للدنيا كلها وننتظر موعده مطلع كل شهر.. فقد انتقلت صاحبة الصوت وسيدة الغناء العربي "أم كلثوم" إلي الرفيق الأعلي بعد صراع مع الموت استمر لأكثر من 100 ساعة. وبالرغم من كل ما يحسه أبناء الجيل الذي عاش عصرها من حزن لرحيلها.. فلا شك أنهم محظوظون.. فقد استمتعوا بهذه الظاهرة النادرة التي لم ولن تتكرر وستظل تحسدهم عليها الأجيال التي جاءت بعدهم حتي كتابة هذه السطور. اليوم.. وبعد مرور 41 سنة علي رحيل كوكب الشرق أم كلثوم.. وبعد آخر لقاء مع جمهور حفلاتها قبل عامين من رحيلها.. في يوم الخميس 3 يناير 1973 علي مسرح سينماء قصر النيل.. حيث قدمت وصلتين.. في الأولي غنت "ليلة حب" وكانت أول مرة تغنيها.. وفي الوصلة الثانية قدمت "يامسهرني" أما آخر لقاء مع جمهور اسطواناتها فكان مع اسطوانة "حكم الهوي" التي لم تقدمها في حفل عام. أم كلثوم.. قدمت فنا بلا ابتذال ورفعت أخلاقيات المهنة.. كانت قمة الغناء ورائدته.. وسقطت منذ رحيلها قلعة الموسيقي الشرقية واطلقت عليها عشرات الألقاب التي لم يرثها أي صوت بعدها مثل: قيثارة الله - صوت السماء - أميرة الطرب - شادية العرب - مطربة العصر - بلبل الشرق - معبد الحب - ست الكل. وفي ذكراها الحادية والأربعين تحتفل بهذه المناسبة الشبكات الإذاعية والقنوات التليفزيونية وقصور وبيوت الثقافة بالقاهرة والمحافظات.. كذلك "دار أم كلثوم" تكريما لعطائها الإنساني في مجال العمل الاجتماعي الخيري.. وخدمة المجتمع المدني حيث أسست "جمعية التجمع الوطني للمرأة المصرية" بحلوان والتي يرأس مجلس إدارتها احمد وهدان والذي صرح بأن سيدة الغناء العربي كان لها دور إنساني واجتماعي لا يعرفه الكثيرون.. إلي جانب دورها الوطني في دعم المجهود الحربي. و"المساء" انتهزت فرصة الاحتفال بذكراها.. وذهبت تبحث عن أعضاء الفرقة الموسيقية التي صاحبتها طوال مشوارها.. لتسلط الضوء عليهم فمن هم.. وماذا فعلوا بعد رحيلها.. ومن الذي مازال منهم علي قيد الحياة. في البداية.. لا نذيع سرا إذا قلنا ان اعضاء الفرقة الموسيقية التي كانت تصاحب أم كلثوم في حفلاتها هم من أحسن العازفين.. إن لم يكونوا أنفسهم وأمهرهم واكفأهم بين جميع العازفين في العالم العربي. وقد حرصت أم كلثوم منذ بدايتها علي أن تكون الفرقة الموسيقية التي تعزف خلفها لها نكهة خاصة لا تتوفر في أي فرقة أخري.. ولا يعتمد كل أفرادها علي "النوتة الموسيقية" مثل بقية الفرق.. فقد كانت وملحنيها العمالقة يفضلون العازف الماهر.. الحلو الأداء.. وكان الملحن يمسك العود ويقوم بتحفيظ الفرقة جملة جملة وتحفيظ اللحن في خمسين بروفة حتي يسري اللحن في أعماقه ودمائه.. لذلك تجد السلطنة المفرطة لآلات الكمان معها.. وهذا جزء من ابداعها.. لأن هذه الآلات هي البطانة أو "الفرش" الذي يبطن صوت المطرب القدير.. أو يفرش ليقدم أحلي ما يمكن أن يؤديه.. خاصة وأن آلات الكمان أقرب صوت.. للصوت البشري.. ولذلك نلاحظ الخواء في أغاني اليوم والتي يتم فيها الاستغناء عن أجمل وأهم ما يميز الغناء الشرقي.. وهو مصاحبة الكمان للمطرب الذي يعتمد علي آلات الايقاع فقط مما يتسبب في ضياع 70 في المائة من السلطنة الموجودة في كل اغنيات زمان والتي نفتقدها اليوم.. خاصة وأن معظم الفرق التي تصاحب من ينتسبون لمهنة الغناء تشعر وكأنك في ورشة سمكرة للسيارات. وبالنسبة لأم كلثوم.. وكما أجمع كل عباقرة ونقاد الموسيقي.. بأن نجاحها وتميزها يعود إلي أن 50 في المائة تعود لعبقريتها و50 في المائة لمن يعملون معها: مؤلفين وملحنين إلي جانب عباقرة العزف".. وكان من حسن حظها أن يعزف خلفها مجموعة فريدة منتقاه منهم "محمد القصبجي" الذي بدأ في إعداد أم كلثوم فنيا ومعنويا وقام بتشكيل فرقتها الخاصة وأول تخت موسيقي بديلا لبطانة "المعممين" التي كانت معها دائما.. وضمت الفرقة حامل الشهادة الموسيقية العالية.. الأكاديمي الذي يجيد كتابة وقراءة النوتة.. ومنهم الذي يعزف "سماعي" بالموهبة والخبرة التي لا تتوافر لكثير من الأكاديميين.. والأمثلة كثيرة.. وأولها: "سيد سالم" عازف الناي الذي رافق "الست" طوال مشوارها الغنائي.. لدرجة أنها بعد تعرض صحته للإجهاد استعانت بعازف آخر في أغنية "يامسهرني" ولكنها أجلست الاثنين معا أثناء الحفل واستغل الملحن الشيخ سيد مكاوي تواجد الاثنين وقام بإجراء تنويع في - صولو الناي - حتي يستفيد منهما .. وأصبح أول - صولو دويتو - يبتكره الشيخ سيد وقوبل بالاستحسان والإشادة والتميز. أيضا عازف الايقاع لآلة "الرق" واسمه "إبراهيم عفيفي" أقدم عازف عمل مع أم كلثوم منذ بدايتها الغناء بمصاحبة "التخت" وكان الوحيد الذي ينبهها لأي خطأ أثناء الغناء بإشارات يتفق عليها بينهما وعلي الفور تعود إلي صوابها وانصياعها للتعديل في الأداء.. وبلا غرور منها ودون أن يشعر أحد.. واستمر إبراهيم عفيفي معها حتي وفاته اوائل الستينيات.. وحل مكانه بالفرقة العازف "حسين معوض" أحد أهم زعماء الايقاع في مصر والذي كان يعمل محاميا ثم ترك المحاماه وانضم إلي فرقة أم كلثوم وشغل في الوقت نفسه منصب المدير الإداري للفرقة. ومن عمالقة العزف في فرقتها عازف القانون "محمد عبده صالح" الذي لم ولن يتكرر في الموسيقي العربية والذي كان يجلس أمام آلة القانون كالأسد.. وكان له عدة أدوار مهمة جدا إلي جانب العزف فعندما كانت أم كلثوم ترتجل تقاسيم أو موال كان هو يمثل دورا يشبه دور صانع الألعاب في ملعب كرة القدم.. كان يعزف "تقسيمة" بالقانون تضم كل المقامات التي من المتوقع أن تغني منها أم كلثوم.. بمعني أن يفتح لها "السكك"! أيضا كان له دور مهم عند اعادتها لأحد الكوبليهات.. فيقوم بعد التصفيق بسحب الفرقة بقانونه إلي الكوبلية التالي.. وحسب التصفيق أو حسب رغبة أم كلثوم في الاعادة.. كانت ترسل له نظره من عينيها أو إشارة بيدها.. فضلا عن خلطة التوابل العجيبة التي يضيفها لتصبح من أحلي ما تسمعه من فرقة أم كلثوم. ومن أقدم أعضاء الفرقة أيضا وأكبرهم سنا عازف الكمان "كريم حلمي" الذي بدأ مع الفرقة في عام 1930 والمعروف عنه أنه يصبح في حالة مزاجية وهو يندمج في العزف مع أم كلثوم. أيضا "عبد المنعم الحريري" عازف الكمان الأول في الفرقة والذي لم يتخلف مرة واحدة عن العمل معها في أي حفلة أو تسجيل للإذاعة أو رحلة فنية. أما "محمود القصبجي" عازف الكمان وابن شقيقة "محمد القصبجي".. فقد اشترك بالعزف مع كثير من المطربات والمطربين وكان تنتابه شعور غريب حين يجلس وراء أم كلثوم وكان يحس بأنه يقف وراء مجموعة من المثل العليا تمثلها هذه السيدة العظيمة. ومن أهم أعضاء الفرقة وصاحب الفضل في تأسيسها الموسيقار والملحن العظيم "محمد القصبجي" استاذ عازفي العود والذي تتلمذ علي يديه كل من: رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش.. رضي القصبجي أن يجلس وراء "الست" علي مقعده الخشبي محتضنا عوده لسنوات مؤثرا أن يكون عضوا كباقي أعضاء فرقتها وهو الموسيقار الكبير الذي أثري الموسيقي العربية بالعديد من الأعمال التي كانت سببا في تطورها ولحن لنجوم الطرب في عصره.. بدءا من منيره المهدية وصالح عبد الحي ونجاة علي.. مرورا بليلي مراد واسمهان.. وانتهاء بأم كلثوم التي عشق العزف علي آلة العود في فرقتها ليظل بجوارها.. حتي أنه عندما مات في نهاية الستينيات من القرن الماضي ظلت "ثومة" محتفظة بمقعده خاليا خلفها علي المسرح تقديرا لدوره ومشواره معها.. وقد رحل عن دنيانا في 26 مارس عام 1966 عن عمر يناهز 74 عاما. أعضاء الفرقة أما بقية اعضاء الفرقة فهم 17 عازفا لآلة الكمان بينهم 4 عازفين سبق أن ذكرناهم.. وهم "عبدالفتاح خيري وكريم حلمي والحريري ومحمود القصبجي" ومعهم: محمد نصر الدين ولبيب حسن ومحمد ماضي وكمال الشويخ ومحمد سعيد هكيل وعبدالغني غنيم ومكرم مهني وسامي عبد الملاك ومحمود الشريف ونبيل كمال وإبراهيم القباني وحمدي الحريري وثلاثة عازفين لآلة "التشيللو" هم أحمد الحفناوي وجان كمال ومجدي فؤاد وعازف كونترباص واحد هو عباس فؤاد الشهير ب "عظمه" وذلك بعد رحيل عبده قطر.. وبعد رحيل "عظمه" جلس في مكانه ابنه الدكتور عصمت عباس الذي ورث عنه أيضا اسم الشهرة وعازف بونجز هو أحمد صبحي وضابط ايقاع "طبلة" هو سيد كراويه وبعد رحيله انضم بدلا منه حنفي محمود الذي اتجه بعد ذلك للغناء الشعبي وأصبح اسمه "كتكوت الأمير" وانضم بعده جابر الإسكندراني.. وعازف طمبا هو إبراهيم توفيق. عملت أم كلثوم علي تطوير فرقتها الموسيقية ورحبت بالآلات الموسيقية الحديثة.. وشجعت شباب العازفين وفي بداياتهم.. علي أن ينضموا لفرقتها... ومنهم: "عمر خورشيد وأحمد السنباطي" علي آلة الجيتار و"فاروق سلامة" علي آلة الاكورديون و"هاني مهني ومجدي الحسيني" علي آلة الاورج.. وكان الموسيقار محمد عبد الوهاب أول من أشرك آلة الجيتار بالعزف في فرقة أم كلثوم عندما لحن لها اغنية "انت عمري" لأنه كان يحب دائما أن يكون مختلفا واختار لها عازف الجيتار عبد الفتاح خيري. تعالوا لنتعرف علي حياتهم وأنشطتهم هذه الأيام. * هاني مهني: لمع نجمه عندما عزف مع أم كلثوم في أغنية "ليلة حب" ويعتبر من أفضل عازفي الأورج في عصره مناصفة مع مجدي الحسيني.. ولكن.. لأسلوب هاني مهني طعم خاص. * فاروق سلامة: عرف ببراعته علي آلة الاكورديون منذ بداية ظهوره عام 1963 في رائعة الموسيقار محمد عبد الوهاب لأم كلثوم "انت عمري".. واستمر العازف الرئيسي في حفلات "ثومة". أيضا والكلام لفاروق سلامة: أواصل وضع الموسيقي التصويرية للأفلام والمسرحيات.. ومن أفلامي: خمسة باب. الراقصة والسياسي. العجوز والبلطجي. شوادر. الملك لله.. وبالنسبة للمسرح .. مين ما يحبش زوبة ومنور ياباشا والحرامية وأصل وخمسة وغيرها. * مجدي الحسيني: يخضع مجدي الحسيني أشهر عازفي الأورج تحت الملاحظة الطبية في العناية المركزة بأحد المستشفيات الخاصة التي نقل إليها بعد شعوره بضيق شديد في التنفس.. ولم لن تتخلي عنه نقابة المهن الموسيقية برئاسة الفنان هاني شاكر.