هل تقود تركياوإيران حربًا إقليمية متعددة الجبهات ضد الأكراد؟.. سؤال ملغوم وبشدة، غير أن البحث عن إجابة شافية له وبسرعة، قد صار فرض عين علي الجميع.. فنظريًا، لم تخف أنقرة غيظها من الانتصارات الكبيرة للأكراد، عبر واجهتهم العسكرية »وحدات حماية الشعب»، ضد ما تبقي من الدواعش في الجيب الأخير لهم في شرق سوريا، وعليه عاد النظام التركي مجددًا إلي التلويح بإمكانية شن عملية عسكرية جديدة شرقي الفرات، وذلك بالتنسيق مع كلٍ من روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية. تركيا لا تريد نفوذًا أكبر للأكراد في تلك المنطقة الحدودية الملتهبة، ولا تري سوي الحل العسكري كإجراء حاسم في هذا الشأن، بيد أن الحفاظ علي توازنات علاقتها بروسيا، الحليف الأكبر لدمشق، دفعها لتقبل علي مضض إنشاء منطقة آمنة عازلة منزوعة السلاح متاخمة لشرق نهر الفرات. لكن، كل المؤشرات تؤكد أن القبول التركي بالاقتراح الروسي سيبقي مؤقتًا، فأنقرة لن ترضي بأي بديل غير ملء الفراغ العسكري المتوقع علي خلفية الانسحاب الأمريكي المزمع من سوريا، وقبل هذا وذاك لن تقبل بغير سحق سلاح الأكراد في بلد بشار الأسد، عملًا بالمثل القائل »اضرب العدو البعيد، يخشاك العدو الساكن في قلب الديار (حزب العمل الكردستاني)». ستفعلها تركيا إن آجلًا أو عاجلا.. وإذا ما تعلق الأمر فقط بعدم رغبتها في إغضاب موسكو، وخاصة بعدما منحتها الأخيرة رشوة تسليحية ضخمة تتمثل في منظومة صواريخ إس 400 الدفاعية، فإن وريثة الإمبراطورية العثمانية، وتحت حكم التقية والتلوُّن الإخواني، ستبحث عن مخرج، أو بالأحري عن صديق تتستر خلفه لتحقيق مبتغاها الدامي.. إن ضرب الأكراد ليس فقط مهمًا للأتراك عسكريًا، لكنه مهم أكثر بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان في صندوق الانتخابات. إذن، تنفخ تركيا في القصة علنًا وبدون أي مواربة.. رغبتها الملحة في توجيه ضربات عسكرية جديدة ضد حزب العمال الكردستاني وأفرعه الخارجية تكاد تلامس السحاب. لكن هذه المرة يريد الرئيس أردوغان مهاجمة الميليشيات الكردية جنبًا إلي جنب مع القوات الإيرانية. فكيف سيكون قرار طهران في هذا الشأن؟ هكذا تساءل تقرير إخباري نشرته مؤخرًا مجلة ديرشبيجل الألمانية، اشترك في كتابته اثنان من ألمع صحفييها المهتمين بشؤون الشرق الأوسط، وهما ماكسيمليان بوب وكريستوف سيدوف.. يشير التقرير في هذا الشأن إلي تصريحات واضحة لوزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، لافتًا إلي أن رجل أردوغان القوي، الذي كان مسؤولاً ولا يزال عن الاعتقالات الجماعية المستمرة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، قد هدد في أوائل شهر مارس الجاري، بأنه سيتم اعتقال أي متعاطفين دوليين مع حزب العمال الكردستاني (ti)الذي تصنفه أنقرة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية، بمجرد دخولهم تركيا. ويعد صويلو الآن بتوجيه ضربة عسكرية جديدة من قبل تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، إلا أنها ستكون هذه المرة بالاشتراك مع إيران. وقال في وقت سابق لوكالة أنباء الأناضول الحكومية: »إن شاء الله، سنجري عملية ضد حزب العمال الكردستاني مع إيران، وهي عملية لطالما كانت تمثل رغبة الدولة التركية». وكان أردوغان نفسه قد أفصح في السابق عن رغبة مماثلة: »كانت المهمة التركية الإيرانية دائمًا علي جدول الأعمال». ومع ذلك لم يقدم لا أردوغان ولا وزير داخليته أي تفاصيل عن متي وأين يمكن أن يحدث ذلك الهجوم بالضبط. وإن بقي المستهدف هو مقر حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق ومواقع حزب الحياة الحرة الكردستاني الإيراني المسلح PJAK، وهو تابع لحزب العمال الكردستاني الأم في تركيا. لكن الأمر الأكثر أهمية هو الرسالة المقروءة ما بين السطور من تصريحات صويلم، ومفادها، وفق شبيجل، أن »تركياوإيران يتعاونان بشكل متزايد في الشرق الأوسط . عضوة الناتو القوية (أنقرة) وعدوة الولاياتالمتحدة (طهران) تريدان القتال جنبًا إلي جنب. صحيح لاتزال الدولتان تتنافسان وتقاتلان من أجل قنص التفوق في المنطقة. ومع ذلك، يظهر أردوغان جنباً إلي جنب مع نظيره الإيراني حسن روحاني كمتعاونين. ففي نهاية عام 2018، وقّعت أنقرةوطهران اتفاقًا أمنيًا يشمل أيضًا، حسب الحكومة التركية، عمليات ضد حزب العمال الكردستاني. أردوغان يصنف المعركة ضد حزب العمال الكردستاني كواحدة من أولوياته. في العام الماضي، سار الجنود الأتراك في شمال غرب سوريا لطرد ميليشيات وحدات حماية الشعب، فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، من المنطقة الحدودية. الآن يود تمديد الحرب. وفي نهاية شهر مارس الجاري، يُنتظر أن يتخذ الأتراك قرارًا بشأن رؤساء البلديات وبرلمانات المدن الحدودية (علي خلفية الانتخابات المحلية التي من المزمع إجراؤها في 31 مارس الجاري، ويتم التنافس فيها علي 3225 بلدية). يعرف أردوغان أن الخطاب القاسي التصعيدي ضد حزب العمال الكردستاني يجلب الأصوات للناخبين الوطنيين. وحسب دراسة منشورة بعنوان »العدالة والتنمية ولعبة التحالفات» وتبديل المناصب في تركيا، للباحث المتخصص في الشؤون التركية، محمد أبو سبحة، »تبقي المسألة الكردية من الملفات الشائكة في تركيا التي تشجع نظام أردوغان علي فتحها في عام 2014 تحت مسمي (عملية السلام) لكن سرعان ما أغلقها بشكل مفاجئ بعد عام واحد، لتضيع علي تركيا فرصة ذهبية في وقف التمرد الكردي القائم منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ويتحول (حزب الشعوب الديمقراطي) الطرف الوسيط في المفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان إلي أبرز أعداء أردوغان علي الساحة السياسية، وهو مثال آخر علي انحراف المسار الديمقراطي في تركيا أردوغان، فقد تم الزج برئيس الحزب السابق صلاح الدين دميرتاش بالسجن في نوفمبر عام 2016 مع 10 نواب آخرين من الحزب رغم حصانتهم البرلمانية ووجه لدميرتاش -الذي تم تجديد حبسه مؤخرًا لعامين آخرين »تهما» . وتابعت الدراسة: »منذ عامين تلاحق السلطات الكثيرين من أعضاء الحزب الكردي بتهم مختلفة لأي أفعال لا تُرضيها، بداية من مجرد كتابة تغريدة تحمل انتقادًا علي (تويتر) أو المشاركة في أي فاعلية احتجاجية. والرئيس التركي هدد بنفسه مؤخرًا أعضاء الحزب باعتقالهم وتعيين وصاة علي البلديات الكردية إذا أصروا علي خوض الانتخابات المحليات المقبلة، بعد أن حرموا حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الماضية من تشكيل أغلبية كالعادة، وذلك رغم التضييقات التي مورست علي حزب (الشعوب) الكردي وناخبيه». هذا عن الانتخابات، وعن بحث أردوغان عن استعادة الشعبية المنهارة أو علي الأقل المتراجعة علي خلفية سياسته القمعية وكذا انهيارات الاقتصاد التركي الكبيرة منذ سقوط الليرة قبل أكثر من عام. أما بشأن السياسة، فإن ألعاب الحرب التركية الإيرانية هي أيضًا إشارة إلي الولاياتالمتحدة وأوروبا: يمكننا أيضًا (أن نتحرك) بدون أي اعتماد أو قرار منكما. وكلما كانت أنقرةوطهران تشعران بوطأة الغرب اقتربا من بعضهما البعض. كجزء من مفاوضات أستانا المزعومة، وتنسق الحكومتان التركية والإيرانية بشكل متزايد سياستهما تجاه سوريا. ويري أردوغان إيران، وبشكل متزايد، كشريك مثالي لتأكيد المصالح الجيوسياسية. فقال مثلا »هناك العديد من الخطوات التي يمكن أن تتخذها تركياوإيران معا لإحلال السلام في المنطقة».. لكنه السلام علي الطريقة التركية في كل الأحوال. يرفض الرئيس التركي العقوبات الأمريكية ضد طهران، في حين شدد خطابه ضد إسرائيل العدو اللدود لإيران. في هذا الأسبوع فقط، لعن أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووصفه ب»طاغية» و»قاتل أطفال». لكن السؤال: هل تشارك إيران حقًا في هجوم عسكري تركي ضد الميليشيات الكردية؟ في الواقع، وحسب شبيجل، يواجه النظام في طهران حاليًا مشاكل أخري كافية، فالقتال ضد الأقلية الكردية، التي تريد أن تكوِّن دولتها الخاصة، بحيث تضم أيضًا أجزاء من شمال غرب البلاد، إنما لا يعد في الوقت الحالي أولوية بالنسبة للجمهورية الإسلامية. منذ عام 2011، كان هناك وقف مستقر وغير رسمي نسبيا لإطلاق النار بين الحكومة الإيرانية والحركة المسلحة »حزب الحياة الحرة الكردستاني PJAK ». من وجهة النظر الإيرانية، أنه من الأفضل تجميد الصراع الكردي. ويعمل الحرس الثوري الإيراني حاليًا خارج الحدود الوطنية، وتحديدًا في لبنانوسورياوالعراق واليمن. ومن ثم لو قطع علي نفسه التزامًا ضد الميليشيات الكردية PJAK، فإنهم سيتعرضون لخطر كبير يتمثل في نقل الصراع إلي أراضي دولة الملالي، ما سيضاعف من احتمالية وقوع هجمات من جانب الميليشيات الكردية في المدن الإيرانية. إذن، لن يكون لإيران سوي القليل من المكاسب جراء أي هجوم عسكري ضد حزب العمال الكردستاني وفروعه في الداخل أو الخارج. لذلك، فمن غير المرجح، وعلي الرغم من كل القرب بين أردوغان وروحاني، أن يتم شن الهجوم التركي الإيراني ضد الأكراد قريبًا. ومع ذلك، حققت الحكومة التركية هدفها الأول من خلال تهديداتها، حيث أظهرت نفسها كقوة إقليمية مؤثرة تتبعها دول أخري بحجم إيران. باختصار، كانت تركيا تريد القيام بعمل عسكري ضد حزب العمال الكردستاني، وذلك عبر مساهمة واضحة وجلية من قبل إيران. ويبدو بديهيًا أن أردوغان أراد عبر تلك التهديدات تسجيل نقاط في الانتخابات المحلية المقبلة، وفي الوقت نفسه إرسال إشارة إلي الغرب مفادها أن أنقرة تتحرك كقوة فاعلة علي الأرض. بيد أنه من غير المهم بالنسبة له أن تستجيب أصلًا طهران لرؤيته في إشعال حرب إقليمية متعددة الجبهات ضد الأكراد من عدمه، وبخاصة أن دولة الملالي تعيش دوامات داخلية لا أول ولا آخر لها، ومن ثم فمن الصعب أن تغامر بإشعال جبهة جديدة مع الأكراد الحالمين بالانفصال.