الوجوه العربية الناجحة في السينما العالمية شيء يسعد الجميع.. خاصة إذا كان أصحابها يتمتعون بموهبة عالية.. حفروا طريقهم في الصخر ولم يكونوا أبدا نتاج صناعة (نجم) يلمع لفترة ثم ينطفئ.. وكأنها (موضة) وما أكثر ما عرفت شاشة السينما من نجوم مصنوعين. وأحد الوجوه اللامعة اليوم في السينما الأمريكية والأوروبية التي فضلها علي الأولي رغم البريق والأموال وكل ما يغري النجم.. إلا أنه يقول إنه كان يبحث أيضا عن حريته، ولم يكن يريد أن يصبح (ترسا) في الآلة الهوليودية الجبارة التي تلتهم من إنسانية الفنان الكثير. إنه سامي بوعجيلة الفنان العربي الفرنسي ذو الأصول التونسية وكانت عائلته في بداية الأسر المهاجرة في فرنسا.. وشارك والده في بناء البنية التحتية.. ولد (سامي) في مدينة (جرينوبل) بالجنوب الفرنسي والتي تشتهر بمزارع العنب والنبيذ الشهير.. أجواء جرينوبل وأحياؤها العربية جعلته دائما وأبدا يدرك أهمية المشاكل والظروف الصعبة التي تحيط بالمهاجرين من المغرب العربي بالتحديد.. ولتكون مشكلة (الهوية) الحقيقية ومحاولة البحث عن الجذور ومعرفتها إحدي المشاكل الرئيسية.. وحكايا كثيرة معقدة تعاني منها الأسر المهاجرة خاصة علي مستوي الجيل الثاني والثالث اليوم. ملامح الموهبة الفنية وحب التمثيل بشائرها كانت واضحة السمات في اخيتارات (سامي) في الحياة.. وكأنه أراد أن يركب الصعب دائما.. ولهذا كان قراره بالالتحاق (بالكونسرفتوار) بجرينوبل ليذهب بعد ذلك للمدرسة الوطنية لفن الدراما بسان ايتيانا، والتي تخرج فيها الكثير من نجوم السينما الفرنسية. مشوار حياة سامي لم يكن مفروشا بالورود لكنه بالتأكيد حظي بجانب الموهبة بالحظ .. فبعد أن قدم عدة أدوار كلاسيكية علي خشبة المسرح اتجه في عام 1991 إلي السينما ليقدم أول أدواره مع المخرج (فيليب جالان) في فيلم (lathune) وفيه قدم شخصية من واقع الحياة التي يعيشها الشباب المهاجر ذو الأصول العربية.. فقدم دور الشاب الطموح المهاجر الذي يرتكب كل شيء في سبيل الحصول علي المال والتميز. ورغم البدايات لم يقبل سامي أن يقدم أي تنازلات واحتار وانحاز إلي الأدوار الجادة المتنوعة التي تحمل قضايا عامة مثل المريض الذي يحمل فيروس الإيدز في (Drolede Felix).. (فيليكس غريب الأدوار) كما قدم مع كريم دريدي (باي باي) واحدا من أهم الأفلام التي تعتبر علامة في السينما وصمت القصور مع مفيدة تلاتلي .. و(غلطة فولتير) مع عبد اللطيف كشيش وفيه قدم الشاب ذا الأصول التونسية ويعيش في فرنسا بدون أوراق. هذه الموهبة الكبيرة والنجاح الباهر الذي صاحبها .. جعل السينما الأمريكية تفتح له ذراعيها.. ليقدم فيلمين هناك أحدهما شاركه البطولة (دينزل واشنطن) هذا الفنان القدير.. من إخراج إدوارد زويك وذلك عام 8991 وكان يلعب دور إرهابي.. يبحث عنه دينزل واشنطن وذلك في فيلم (The siege).. ورغم النجاح الذي حققه إلا أنه فضل العودة لفرنسا من جديد.. والتعاون مع أسماء وتجارب لمخرجين جدد.. وفي عام 5002 شارك في فيلم (سكان البلاد الأصليون) أو (البلديون) للمخرج الشهير رشيد بوشارب .. واستطاع من خلال هذا الدور المتميز أن يحصل هو وجمال ديبوز.. وسامي ناصري ورشدي زيم حيث تقاسموا جائزة التمثيل في (كان).. بعدها قدم (خارج عن القانون) مع جمال ديبوز ورشدي زيم وإخراج رشيد بوشارب.. وذلك عن ثلاثة إخوة مهاجرين يبحثون عن حريتهم .. أما آخر أفلامه فكان (عمر قتلني) والذي سبق وقدمناه علي صفحات آخر ساعة وهو مأخوذ عن قصة واقعية وقعت أحداثها في بداية التسعينات. في لقاء جمعني مع هذا الممثل القدير الذي يتسم ببساطة شديدة حريص إلي حد كبير علي الاستعانة بكلمات عربية في حواره.. حتي لايبدو وكأنه تخلي عن جذوره التي يعتز بها كثيرا. في مهرجان مونز السينمائي الدولي لأفلام الحب والذي كرم (سامي بوعجيلة) عرض له فيلمان أحدهما (زينة خيالة جبال الأطلس) أو (فارسة جبال الأطلس) للمخرج (بولارم جيروجو).. وقد شاركت في بطولة الفيلم (عزيزة نادر) وهو واحد من أجمل الأفلام التي لاتمل من مشاهدتها وهو من إنتاج عام 5002. (زينة فارسة جبال الأطلس) صورة سينمائية وملحمة إنسانية رائعة في علاقة إنسانية تجمع مابين اكتشاف الطبيعة الخلابة القاسية ورحلة أب في اكتشاف ابنته والتعرف إليها وهو الذي لم يكن يعرف بوجودها أصلا.. ورغبة زوج أمها في الاحتفاظ بها. زينة الفتاة الصغيرة لم تتعد الحادية عشرة من عمرها كانت تعيش مع والدها وزوجها (عمر) أمير الصحراء.. بوفاة الأم يأخذها شيخ الجامع إلي والدها الحقيقي مصطفي والذي يربي الخيول في الصحراء ويصطحبها بعد ذلك إلي مراكش حيث السباق السنوي في (أجدل) لكن مصطفي يرفض بشدة أن ترحل زينة عنه التي ترفض وتصطحب أباها في رحلة شديدة الصعوبة وسط الجبال واجتياز طرق شديدة الوعورة حتي يستطيعا الابتعاد عن طريق مصطفي ورجاله.. وفي النهاية الرهان والاتفاق بين عمر ومصطفي في أنه في حالة فوز (زينة) بالسباق الذي لايسمح فيه للنساء بامتطاء الجياد من الأصل.. في حالة فوزها تبقي مع والدها الحقيقي مصطفي وإن لم يكن تعود إلي عمر.. لينتهي الأمر بفوزها رغم كل العراقيل التي يضعها عمر.. لكنها تنجح وتفرض نفسها كفتاة تخوض السباق لأول مرة وتفوز لتبقي مع والدها والتي كانت تلك الرحلة هي رحلة اكتشاف لمشاعر أبوة.. وحنين فتاة إلي والدها الذي هو كل من تبقي لها في الحياة. وبمناسبة الحديث عن الأبوة (لسامي بوعجيلة) طفلان أحدهما في الحادية عشرة والثانية في الثامنة من عمرها.. وهو علي عكس العديد من الفنانين لايري أبدا مانعا من عملهما بالفن.. وهما يشاهدان كل أعماله. ولعل أكثر ما يسعد (سامي) هو أنه الآن وبفضل الشهرة والنجاح اللذين حققهما لم يعد يجد صعوبة في البحث عن دور ولم يعد يعاني من عنصرية السينما الفرنسية تجاه الكثير من العرب.. كما لم يعد محصورا في أداء دور العربي.. وإن كان يدرك جيدا كما يقول أهمية العمل الجاد الذي يطرح ويناقش قضايا تؤدي إلي تغيير القوانين ومن قبلها الأعراف وهو ماحدث بعد فيلم (البلديون) (وخارج عن القانون) وكلاهما لرشيد بوشارب. ❊❊❊ تظل العلاقة التي تربط الآباء والأبناء والأمهات هي أسمي العلاقات الإنسانية علي الإطلاق.. لكن هذه العلاقات سواء (أبوة) .. أو (أمومة) تتعرض للحظات حرجة خاصة إذا كان الأب أو الأم يعانيان مرضا نفسيا أو ضغطا اجتماعيا شديدا فتأخذ العلاقة خطوطا وأبعادا غير سوية. وفي الفيلم النمساوي الفرنسي »نهاية الصمت« للمخرج رولاند إدزارد وبطولة فرانك فاليز وتيري فريمون ومايا مورجينسترن ففي إحدي القري البعيدة المعزولة تعيش أسرة مكونة من الأب والأم بالطبع بالإضافة لثلاثة أبناء الكبير نجده يساعد والده في قطع الأشجار والعمل في الزراعة كذلك الابنة.. أما الشقيق الأصغر وهو فتي لم يتعد الثامنة عشرة فإنه يعيش علي هامش حياة هذه الأسرة خاصة من قبل والده وشقيقه الأكبر.. مايزيد من الأمر سوءاً أن الفتي كان يرتبط بمجموعة من الصيادين الذين يعملون في الغابة علي اصطياد الحيوانات المهددة بالانقراض.. وفي إحدي الليالي تجد والدته عربتها وقد اشتعلت فيها النار.. الأسرة تتهمه بذلك كما تلوم مجموعة الصيادين علي أنها هي التي علمته القتل.. ونتيجة لأحداث متشعبة نكتشف أن هذا الشاب والده الحقيقي هو هذا الصياد وهذا سبب الفتور الشديد الذي كان يشعر به تجاهه الأب بالتبني.. ليرتمي الابن في أحضان الأم التي أخطأت بعد أن قتل والده الحقيقي.. فخطؤها تحمله هو دون أن يدري سببا لذلك أما زوج الأم فقد كانت مشاعره متباينة منذ البداية للطفل الصغير الذي رباه ثم الشاب الذي لايشبهه بشيء بل ربما يذكره دوما بخطيئة زوجته. الفيلم حصل علي جائزة أفضل سيناريو في لجنة التحكيم الدولية.. لكن في رأيي أن الجائزة الأهم كانت جائزة الجمهور لأحسن فيلم (فرانكوفوني) أما جائزة الجمهور ومدينة مونز فقد حصل عليها الفيلم الفلسطيني البلجيكي الفرنسي الإسرائيلي »رجل بدون هاتف خلوي« للمخرج سامح زوابي. وعودة للحديث عن العلاقات الأسرية المضطربة والتي يدفع ثمنها غاليا الأبناء عرض الفيلم الكرواتي (الأم والأسفلت) للمخرج داليبور ماتاتيك وبطولة مارجا شارسك .. وهو عن زوجة علي خلاف شديد مع زوجها.. فتقرر قبل أعياد الميلاد أخذ طفلها والرحيل.. لكنها لاتعرف أين تذهب علي وجه التحديد.. فتهيم في الشوارع بسيارتها وسط الثلوج وجو عاصف وقارس مع طفلها الصغير الذي يكاد يهلك منها لولا أحد حراس أحد المراكز التجارية الذي يؤويهما لفترة.. لكنها تكتشف أنه مريض نفسيا بسبب ابتعاد ابنه عنه .. فتخشي علي ابنها وتعود للشارع من جديد.. في الوقت الذي يعود فيه الزوج .. ربما في محاولة قد تنجح في استعادة زوجته وابنه وعودة الاستقرار للحياة.. والدفء لهذا الصغير الذي لم يجن شيئا علي الإطلاق من خلافات أبويه سوي التمزق النفسي.. وما أكثر ما يدفعه الصغار ثمنا لأخطاء الكبار وحماقتهم.