لمصلحة من إثارة الجدل حول قضايا لا ترتبط بالهموم والمشاكل الكبيرة التي يعاني منها الناس، مثل البطالة التي تشمل نحو ثمانية ملايين شاب، واستيراد قرابة الستين في المائة من احتياجات المعيشة اليومية للمصريين، والغلاء الذي يطحن الناس، وسكان العشوائيات المحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية ، لا أحد يختلف علي معاقبة اللصوص وقاطعي الطرق ومن يقومون بترويع الناس، من خلال جزاءات رادعة وعقوبات غليظة وحاسمة، لكن هل يقضي القانون المقترح بحد الحرابة الذي يتضمن عقوبات بالقتل وقطع الأيدي والأرجل وغيرها من العقوبات الجسدية علي السرقة وقطع الطرق وترويع الناس، هل راجع نائب البرلمان الذي تقدم باقتراح هذا المشروع العقوبات الموجودة في ترسانة القوانين المصرية، والتي تضم نصوصا قاطعة لمعاقبة اللصوص وقاطعي الطرق وغيرهم، هذه العقوبات لم تقض علي الجريمة، ليس لأنها غير رادعة، ولكن لوجود مشاكل كبيرة في المجتمع وفي وسائل تطبيق القانون، والآليات المطلوبة والسريعة لضبط المتهمين، وعدم الزج بأبرياء، وكما أشار التصريح المنسوب للمستشار محمود الخضيري رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان، فإن العقوبات الموجودة في القوانين المصرية لايلزمها قوانين جديدة، المشكلة في اعتقادي أن تغليظ العقوبات لايكفي لتحقيق الردع ، علي سبيل المثال، بعيدا عن السرقة وقطع الطرق كانت وزارة الداخلية في البرلمان السابق تبنت تشريعا جديدا للمرور، تم خلاله تغليظ العقوبات المالية، وإضافة الحبس للمخالفين، والذي حدث أن القانون وتطبيقه تحول إلي مادة إعلامية في الصحف، وحملات شكلية للمرور، ثم تراجع الاهتمام من الجميع، ونستطيع أن نري نتائج هذا القانون بعقوباته المغلظة في جميع شوارع محافظات مصر، فوضي هائلة ليس لها مثيل في دول العالم المتحضر والمتخلف، وتسابق من كافة الفئات علي تحدي بنوده، حتي في المناطق الحيوية وسط العاصمة، يلتزم الناس بالتنفيذ الجزئي، فقط عندما تتواجد الشرطة بكثافة كبيرة، وبمجرد الابتعاد عن دائرة رؤيتهم يتسابق الجميع بكافة مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والمادية لخرق القانون، المشكلة إذن ليست في القوانين وما تضم من عقوبات غليظة أو خفيفة، لكنها ترتبط بجوانب متعددة ربما يكون أخيرها تغليظ العقوبات، للأسف القانون واحترامه في الغالب لا يرتبط بثقافة عامة، أحيانا يتجرأ البعض علي مخالفته لتأكيد الإحساس الزائف بالسلطة والقوة، أو الرغبة في تحدي النظام، أو عدم الاقتناع بجدواه، تغيير هذه الثقافة يحتاج لجهد ووقت ودور إيجابي لوسائل الإعلام والتعليم ودور العبادة، التربية السليمة في المنزل والمدرسة، والتوجيه الصحيح الذي يربط بين حضارة الإنسان واحترامه للقانون، وعدم التفرقة بين كبير وصغير، غني أو فقير، صاحب سلطة وجاه وثروة، الكل سواء أمام القانون، هذه في اعتقادي نقطة البداية التي نحتاجها، قبل المطالبة بمزيد من القوانين والتشريعات وتغليظ العقوبات.