مع تصاعد حالة الفزع بين المفكرين والمبدعين والتيار الليبرالي بشكل عام من صعود التيار الإسلامي وحصوله علي الأغلبية في البرلمان بغرفتيه الشعب والشوري يأتي تصريح الشيخ سيد عسكر رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب معلنا الاتجاه لتفعيل قانون الحسبة ليزيد الأمور اشتعالا.. فهناك من رأي ذلك اتجاها لنقل صورة حرفية من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الموجودة في بلدان عربية مجاورة.. في حين يراها البعض الآخر آلية مطلوبة تستند لمبدأ ولاية الحسبة في الإسلام لضبط المجتمع بشكل عام.. "آخر ساعة" حققت القضية مستعرضة ولاية الحسبة في التاريخ الإسلامي.. وأشهر من طبقت عليه دعاوي الحسبة وناقشت المختصين في جدوي تفعيل هذا القانون المثير للجدل. قضية الحسبة قديمة جديدة لا تكاد تمر فترة هدوء حتي تطفو علي السطح من جديد وأشعلها هذه المرة الشيخ سيد عسكر رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب.. قال: هناك نية الآن لتفعيل قانون الحسبة بحيث يحق لأي شخص رفع دعوي حسبة حال تضرره من أي عمل فني وأدبي.. وأضاف ان العلمانيين نجحوا في تعطيل القانون بجعل تحريك هذه الدعاوي في يد النيابة العامة ومنذ ذلك الحين لم ترفع قضية حسبة واحدة منذ قضية الدكتور نصر حامد أبو زيد. مجرد تصريح دون تفاصيل لكنه أشعل الجدل حول ما نراه حاليا من قضايا ازدراء الأديان التي تندرج بشكل ما تحت مبدأ الحسبة حيث يواجه الفنان الكبير عادل إمام حكما بالسجن.. كما نجا رجل الأعمال نجيب ساويرس من قضيتين رفعتا عليه مؤخرا. وتطبيق الحسبة بدأ في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم فقد كان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وما كانت دعوته من أولها إلي آخرها إلا أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.. وبهذا يفهم المعني الواسع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ كل ما أمر الله به فهو معروف، وأعظم المعروف هو توحيد الله عز وجل؛ لأنه أعظم مأمور به، وكل ما نهي الله عنه إما إلزاماً أو كراهية -علي التعريف الأصولي- فهو أيضاً منكر، وأكبر منكر هو الشرك بالله عز وجل. وجاء الخلفاء الراشدون بعده فكانوا أعظم القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة، ولهذا لا نجد في أيام الخلفاء الراشدين وظيفة تسمي "وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو "ولاية الحسبة" لأنهم كانوا يعلمون أن ذلك هو أعظم واجباتهم. ويعتبر عمر بن عبد العزيز من أعظم من أحيا شعيرة الحسبة بعد الخلفاء الراشدين فأحيا هذا الأمر، ومن جملة ما أحياه أنه جلس لرد المظالم بنفسه التي كان بنو أمية أخذوها بغير حق وأعانه علي ذلك وزراء الخير وجلساء النصح من العلماء، ومن هنا عُرف في الأمة ما يسمي بولاية المظالم. وفي عهد الدولة العباسية وما بعدها تطور الحال حتي خُصِّصَ للمظالم ولاية مستقلة وكذلك للقضاء وولايته واضحة معروفة وكذلك للحسبة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وأخذت هذه الصلاحيات تتقلص أو تكثر بحسب اختلاف الدول. وفي التاريخ الإسلامي اعتبرت الحسبة أعظم ولاية بعد الخليفة، فالخليفة عمله هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولايات التي دونه والتي تتفرع عنه، كما ذكر الماوردي ، وأبو يعلي ، وابن خلدون ، والأزرقي ، وابن حزم فكلهم جعلوا هذه الولايات فروعاً من الولاية العظمي التي هي ولاية الخليفة أو الإمام، فيتفرع عن منصب الإمام دواوين أو مناصب؛ فجميعها يقصد بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويختلف مفهوم السلطة في الإسلام عنه في القوانين الوضعية فالوالي في الدولة الإسلامية لايعمل علي الإصلاح الظاهري فقط بل الظاهري والباطني. المحتسب ويحدد الفقهاء اختصاصات المحتسب في ردع المتخلفين عن الصلاة والإشراف علي التجارة والأسواق وكان يمارس في الدولة الإسلامية الإشراف الكامل علي التجارة والأسواق، فكان الناس في جميع الولايات الإسلامية كالأندلس ومصر وبغداد وخراسان وكل الولايات، يعرفون أن السوق كله تحت نظر المحتسب.. الغش في المعاملات.. التطفيف في المكاييل والموازين.. مراقبة الجودة والنوعية وصيانة المدن والطرقات والثغور والقناطر. وتدخل في ولاية المحتسب تصحيح العقود الشرعية ومنع المعاملات الربوية والنجش أي الزيادة بغير قصد الشراء وضبط الأسعار. في عصرنا الحاضر حلت الهيئات والإدارات الحكومية التي تقابل ديوان الحسبة مثل ديوان المراقبة العامة وهيئة التحقيق وهيئة التأديب ووزارة الأوقاف والشئون الصحية.. والشئون التعليمية ووزارة المواصلات والجمارك والمراقبة الإعلامية.. وغيرها الأمر الذي يضع دعاة تطبيق هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ذي جدوي في ظل التطبيق الواسع للحسبة والتي تمارسه بالفعل الوزارات والهيئات الحكومية كل في اختصاصه. أشهر القضايا وحالياً نجد المحاكم المصرية تغص بقضايا الحسبة التي تستهدف المبدعين والفنانين حيث يستطيع أي شخص أن يتقدم بدعوي حسبة إذا ظن أن الذات الإلهية تم التعرض لها فالبعض يراها طريقا للشهرة.. وهناك قضايا شهيرة للحسبة أحدثها ضد زعيم الكوميديا عادل امام ورجل الأعمال نجيب ساويرس لكن أشهرها وأكثرها جدلا دعوي الحسبة التي رفعها الشيخ يوسف البدري عام 1993 ضد الدكتور نصر حامد أبو زيد عندما طالب أبوزيد بالتحرر من سلطة النصوص وأولها القرآن الكريم وأثارت كتاباته ضجة إعلامية في منتصف تسعينيات القرن الماضي واتُهم بسبب أبحاثه العلمية بالارتداد والإلحاد.. وحوكم بمبدأ "الحسبة" باعتباره مرتدا واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته قسراً، علي أساس "أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم" فحياة الزوجين باتت بعد ذلك في خطر، وفي نهاية المطاف غادر وزوجته د. ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسي، القاهرة نحو المنفي إلي هولندا، ليقيما هناك حيث عمل نصر حامد أبو زيد أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن. في مواجهة الطوفان وبعد ذلك قامت الحكومة المصرية بما فسر علي أنه محاولة للسيطرة علي طوفان قضايا الحسبة حين طلبت من البرلمان تطبيق تشريعات قانونية تحصر قضايا الحسبة بالمدعي العام فقط، بناء علي شكاوي من أفراد.. وهناك مطالبات بتفعيل ذلك الاتجاه حيث يطالب مختصون بتفعيل القانون فتقضي المحكمة من أول جلسة بعدم قبول الدعوي لرفضها من غير ذي صفة وأن يتم القضاء في ذات الحكم بغرامة علي من خسر دعواه لا تقل عن عشرة آلاف جنيه وإذا ما عاد وتكرر رفع الدعوي علي أي شخص من ذات الشخص فإنه يتم تقرير تقوية الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر بحسب أنه قصد وتعمد نية الإضرار بالغير وبالمجتمع. السعداوي والقمني وفي منتصف التسعينات رفعت قضية مماثلة لقضية ضد الدكتورة نوال السعداوي إثر تصريحها لإحدي الصحف أن "الطواف حول الكعبة في مكة هو أثر من ممارسة وثنية".. وتلا ذلك دعوة العديد من القادة الدينيين المصريين لإهدار دمها ورفعت ضدها قضية حسبة هي الأخري للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة "ازدراء الأديان" لها، كما وضع اسمها علي ما وصفت ب "قائمة الموت للجماعات الإسلامية المتطرفة" حيث هددت بالموت.. ورفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر في 21 مايو 2008 إسقاط الجنسية المصرية عنها في دعوي رفعها ضدها أحد المحامين. واكتوي بنار الحسبة أيضا المفكر سيد القمني حيث تعرض لهجمة من بعض المؤسسات الدينية وبعض محترفي قضايا الحسبة وصلت إلي حد المطالبة بسحب الجنسية المصرية عنه، عقب فوزه بجائزة الدولة التقديرية، بدعوي إساءته للإسلام وإشعال الفتنة والترويج للفكر العلماني. محاكمة طه حسين ولم يسلم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من نار الحسبة حين أراد أحد الأشخاص المغمورين أن يلقي محاضرة عامة، في كلية الآداب بجامعة القاهرة (الجامعة المصرية الوحيدة آنذاك) فرأي طه حسين أن هذا الشخص غير مؤهل لذلك، وموضوع محاضرته غير جدير بإقامتها.. وقام هذا الشخص الذي رُفض اقتراحه، بإثارة الغبار في الوجوه، وأشعل حرباً ضد طه حسين متهماً إياه بازدراء الأديان وتعلَّق بفقرات من كتاب (في الشعر الجاهلي) ولم يرد عليها أو يواجه الكتاب بكتاب أو يناقش الأفكار وإنما قام بتقديم بلاغ للنيابة.. وطالب شيخ الأزهر باتخاذ الوسائل القانونية الفعالة، ضد طه حسين وتقديمه للمحاكمة.. وكذلك أزمة كتابه (تجديد ذكري أبي العلاء) والتي أخمدها سعد زغلول الذي كان رئيساً للجمعية التشريعية. وطالت نيران الحسبة أديب نوبل المصري العالمي نجيب محفوظ عندما تقدم شاب ممسكاً بسكين في يده للاعتداء عليه أمام داره بحي العجوزة (علي شاطئ النيل بالجيزة) ذات صباح من عام 1994علي خلفية دعوي قضائية لمنع نشر "أولاد حارتنا"، وكانت ثمة محاولات لنشرها آنذاك. شرفة ليلي مراد وفي 1995رفع الشيخ يوسف البدري دعوي حسبة ضد الشاعر والكاتب أحمد عبد المعطي حجازي بصفته رئيساً لتحرير مجلة "إبداع" والشاعر د. عبدالمنعم رمضان، بسبب قصيدة للشاعر حلمي سالم، علي خلفية نشر المجلة قصيدة لسالم بعنوان "شرفة ليلي مراد"، والقضية التي رفعها أحد المحامين ضد المخرجة السينمائية إيناس الدغيدي بسبب فيلم "مذكرات مراهقة".. وكذلك قضية المدون كريم عامرالطالب في جامعة الأزهر الذي عبر عن عدم رضاه عن نظام مبارك وعن تعاليم جامعته علي مدونته أوائل 2006 وحكم عليه بالسجن 4 سنوات "لإهانته الإسلام و الرئيس. تحدثنا مع الشيخ يوسف البدري أشهر من قام برفع دعاوي الحسبة والذي أكد أن تفعيل قانون الحسبة سوف ينظم كل شئون الحياة ويقضي علي البلطجة والتهرب وعدم الانضباط في كثير من مجالات الحياه مثل المدارس والوزارات والمصالح الحكومية وكذلك يقضي علي الرشوة وهو من سمات الأمة الإسلامية.. فهو عملية ضبطية في كل مجالات الحياة وليس كما يظن الجهلاء أنه يمنع المرأة من التبرج فقط.. والحسبة ليست مقصورة علي الأعمال الأدبية فقط.. وقد ظل حتي عهد محمد علي مطبقا علي عدة إدارات.. وهي وظيفة دينية أكثر من كونها مدنية ولذلك يجب أن يكون لها وزارة مستقلة وهي مطبقة في أربع دول وهي : المغرب، السعودية ، ايران وتركيا.. ويكشف الشيخ البدري معلومة هامة جدا لا يعرفها الكثير وهي أن الرئيس المخلوع مبارك ألغي قانون الحسبة عندما علم باتجاه الشيخ يوسف البدري لرفع قضية عليه ومطالبته بتطليق سوزان بسبب عدم تطبيقه الشريعة الاسلامية. بالحسني لا بالعنف ويوافقه في الرأي الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف قائلا: إنه مما لا شك فيه أن دعاوي الحسبة إذا روعيت فيها الضوابط الشرعية فإنها تحقق مصلحة عامة للمجتمع لا ينكرها أحد.. وهذه المنكرات تشمل الذين باعوا القطاع العام وأملاك الدولة بثمن بخس.. وتشمل أيضا الذين يفسدون من خلال مهام مناصبهم والمحتكرين في السلع التي لا غني عنها فضلا عن الخلل الواقع في الجهاز الأمني في الدولة والذي أسفر عن شيوع الجرائم وانتشارها في كل بقعة من البقاع وإن تفعيل هذا القانون تأخر كثيرا وربما الذين كانوا ينهبون في هذا المجتمع ويستولون علي ثرواته استطاعوا تعطيله لارتكاب جرائمهم.. أما وقد حان الوقت لإعمال مواده وأن تجد الطريق للتنفيذ حتي يتحقق للمجتمع الصالح العام الذي ينشده.. ولذلك فمن حق أي شخص إذا كان مضارا من تصرف معين أن يرفع دعوي حسبة مثل احتكار البنزين مثلا أو الغاز أو علي شخص لا يقوم بواجبه وعمله أو يأخذ رشاوي.. وتعتبر الأعمال الفنية والأدبية من أولي الأعمال التي تنالها دعوي الحسبه مثل الإساءة للذات الإلهية أو أشياء مخالفة للثوابت الدينية سواء إسلامية أومسيحية.. ولكن كل حرية لها ضوابط والعلماء هم الذين يحددون ذلك لأنه سيترتب عليها أشياء كثيرة ولذلك يجب تقنين قضية الحسبة 00 فمن الذي يرفعها ومن صاحب المصلحة ومن تشمله الدعوة ومن يقدم للمحاسبة.. لأن العملية إذا لم يتم وضع ضوابط لها فسوف تنقلب لفوضي.