قبل الميلاد.. واجه أربعة من حكام مصر نهاية مأساوية.. أولهم فرعون موسي »رمسيس الثاني« الذي حكم مصر 66 عاما وانتهت حياته بالغرق هو وجنوده في البحر.. وقد عرضنا قصته تفصيلا في الحلقة الماضية.. والثاني الملك الشاب توت عنخ آمون الذي حكم مصر قرابة عشر سنوات من 4331 وحتي 5231 قبل الميلاد ومات في سن المراهقة وهو يبلغ من العمر 91 عاما بتسمم الدم من جراء كسر في عظام الفخذ وأدي إلي موت الخلايا والأنسجة وتحللها.. ثم الإسكندر الأكبر الذي حكم من 12 يوليو 653 ق.م وحتي 31 يونيو 323 قبل الميلاد ومات بعدما دس له طبيبه الخاص الذي كان يثق فيه بدرجة كبيرة السم في الطعام فسقط مريضا لمدة أسبوعين وكانت آخر كلماته إلي جنوده قبل وفاته: »إلي الأمام«. أما كليوباترا التي أصبحت ملكة في عام 15 قبل الميلاد وماتت بعد 02 عاما في عام 13 ق.م فلاقت مصيرا مأساويا بإقدامها علي الانتحار بعدما سمعت بهزيمة حبيبها مارك أنطونيوس في الحرب بأفعي وضعتها علي جسدها. لكن هذه الحلقة سنعرض فيها لقصة ملك من ملوك مصر كانت نهايته أكثر مأساوية.. وتشابهت ظروف حكمه ونهايته بظروف ونهاية الرئيس المخلوع حسني مبارك.. فكلاهما حكم نفس المدة (03 سنة) وكلاهما انتهي عصره لنفس الأسباب.. هي هي بعينها قصة السقوط المدوي وإن إختلفت الأدوات.. الفارق بين الملك والرئيس ثلاثة آلاف سنة.. وإن انتهي حكم كليهما بثورة شعبية واحتجاجات عمالية وفئوية، وأعقب ذلك عمليات سلب ونهب وبلطجة وتخريب عشوائي.. والمفارقة العجيبة أن كلا منهما قضي 81 يوما يحاول إخماد الثورة، دون جدوي.. فمات الملك مسموما.. وخرج الرئيس من الحكم مخلوعا.. وكأنما التاريخ يعيد نفسه.. فالوقائع تتشابه، والأحداث تكاد تصل إلي حد التطابق مع اختلاف الأسماء والأزمنة. صفحات التاريخ تذكر أن أول ثورة عرفها التاريخ الإنساني كله، كانت صناعة مصرية.. ففي المتحف الايطالي »فلورانس« دونت الوثائق والبرديات المعروفة بورقة »هاريس« قصة نهاية الملك رمسيس الثالث وكيفية تدخل زوجته الملكة »تي مرن إيست« في شئون الحكم، ومحاولاتها كسر التقاليد الفرعونية لتوريث حكم البلاد لابنها »بنتاور« عن طريق استمالة حرس القصر ورجال السلطة وكبير الأمناء، إلي جانب محاولات التدبير لثورة مضادة من داخل السجن، بعد محاكمتها، إثر مؤامراتها مع ابنها علي »الملك« الذي مات مسموما.. وكانت في المقابل ثورة أخري كان مدبرها أحد أبناء رمسيس الثالث بمعاونة من رجال الدين والكهنة، الذين أرادوا السلطة، فساندوه وولوه حكم البلاد، وهو رمسيس الرابع الذي لم يستطع الخروج من عباءة الكهنة.. الملك.. من رجال الحرب التاريخ يحكي لنا من خلال الوثائق والبرديات أنه بعد حكم الأسرة ال 91 تولي أحد الجند أمور الدولة وصار ملكا وهو »حور محب« الذي انتهي عصره بسرعة.. وتولي رجال الحرب حكم مصر.. رمسيس الأول الذي اتسع نفوذه وتنامي طموحه في التوسع والأحلام الامبراطورية، فدخل في العديد من الحروب، وحقق الكثير من الانتصارات.. وبعده جاء رمسيس الثاني الذي أراد أن يتوسع في البناء والعمارة والاستقرار، فعقد أول معاهدة سلام في التاريخ.. ربما يكون سبقها معاهدات أخري في عصور قبله، لكن أهمية هذه المعاهدة تأتي باعتبارها موثقة علي جدران معبد الكرنك وكانت مع الحيثيين في الشمال ، لإنهاء فترة طويلة من الحروب بين الدولتين.. واستمر حكم »العرامسة« وجاء علي خلفية رمسيس الثاني.. رمسيس الثالث وهو من رجال الحرب في الدولة.. وكانت بداية حكمه مزدهرة، وراح يوطد علاقاته مع الممالك المجاورة ويعيد للدولة مكانتها.. ولكن.. تدريجيا بدأت زوجته الثانية »تي مرن إيست« وكان لها شأن في الدولة ولدي العسكر، وقادة الجند، وحراس القصر »يشبهون الحرس الجمهوري حاليا« وكبير أمن القصر »ويساوي منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية حاليا« والذي كان يتولاه زكريا عزمي في زمن مبارك.. وبدأت الزوجة تتوغل في دهاليز السلطة والحكم، ويتسع نفوذها لدي حريم القصر ومحظيات الفرعون وأقاربهن من الموظفين والعامة، وكان للملك زوجات أخريات غيرها.. كان ل »تي مرن إيست« ابن يدعي »بنتاور« سعت بكل جهدها واتصالاتها توريثه حكم مصر.. وبدأ اتصال الزوجة يتزايد بحريم القصر.. وكانت وظيفة الحريم قبل مجيء رمسيس الثالث تسلية الملك.. لم يكن لهن أي اتصال بالعالم الخارجي، وكن معزولات عن قصر الملك ومعبده.. ولكن »تي مرن إيست« فتحت أمامهن الأبواب المغلقة وبدأ الاتصال بالعالم الخارجي فزادت وتنامت سطوة »الحريم« وبدأن التركيز علي النواحي الاقتصادية وسوق العقارات وذلك بمعاونة الزوجة والابن الطامع في الحكم.. وبدأت أركان الحكم تهتز تحت رمسيس الثالث، فقد بدأت الفوضي تعم البلاد بعد أن ازداد عدد الفقراء، وفقد رمسيس الثالث قدرته علي إدارة شئون البلاد، وكان لطول فترة حكمه أثر في ذلك، فقد حكم 03 سنة (وهي نفس فترة حكم مبارك) في الفترة من 2811 2511 قبل الميلاد، وأطلق علي الملك وقتها لقب »الثور العظيم«. مؤامرات داخل القصر رغبة الملكة الجامحة في توريث ابنها فجر المؤامرات داخل قصر الملك بين أبناء الملك من زوجاته الأخريات.. لكن »تي« أو المرأة العقرب وضعت يدها علي الأداة التي تخوض بها غمار الحرب للوصول إلي ماتريد.. إنهن »الحريم« فقد استغلت رغبتهن للخروج إلي العالم الخارجي.. عالم الفضاء الفسيح خارج جدران القصر.. وامتدت صلاتها إلي العمال الذين يوردون المؤن ولوازم القصور الملكية.. وقد دونت السجلات وقتها كراهية العمال لملكهم، واشعلت الزوجة في صدورهم هذه الكراهية.. واتسعت دائرة الفقر لتشمل قطاعات عريضة من الناس ومن بينهم »البنائون« العاملون في المعابد والمقابر الملكية، ووجد هؤلاء أنفسهم في انحدار وتدن فقرروا القيام بأول إضراب عمالي في تاريخ البشرية، ثم تحول إلي ثورة شعبية غاضبة طالبت بالقضاء علي الملك رمسيس الثالث.. لم تدع »تي« الفرصة تمر مرور الكرام، فاستغلت علاقاتها مع أهل السلطة، واستقطبت إلي جانبها شخصية من أقرب الموظفين للملك والعاملين في قصره، وهما »بابيك آمون« كبير الأمناء.. و»مسوسورع« ساقي الملك.. وبدأت تبوح إليهما برغبتها في تولية ابنها »بنتاور« بعد القضاء علي زوجها الملك.. وبدأت اتصالاتها تتسع داخل القصر لاستقطاب عدد أكبر من المحيطين بالملك ليسهل عليها تنفيذ مؤامراتها.. وبالفعل وصل عدد من استقطبتهم من حاشية الملك عشرة موظفين ومنهم مسئول الخزانة وضابط حراس الملك وقائد الجيش »بيبسي«.. واستطاع المتآمرون أن يضموا إليهم نساء بوابة القصر لضمان توصيل المراسلات بين الملكة وابنها وبقية الأفراد خارج القصر.. وقد أرسلت أخت قائد الجيش خطابا لأخيها توصيه فيه بحض الأهالي علي عصيان فرعون والعمل علي إثارة الفتنة والقيام بثورة لقلب نظام الحكم وتوليه »بنتاور« علي عرش مصر وهو ماجري بالفعل.. ودارت المعارك وانكشفت خيوط المؤامرة بعد أن شرب الملك السم، وعندما شعر بقرب سقوط ملكه ودنو أجله أمر بمحاكمة المتورطين في هذه الثورة، وظل 81 يوما يصارع الموت حتي لفظ أنفاسه الأخيرة فتدخل الكهنة ورجال الدين لحماية أحد أبناء الملك والوقوف إلي جانبه بما لهم من سطوة واتباع وولوه علي عرش مصر وهو »رمسيس الرابع« وراحوا يديرون البلاد باسمه«. مؤامرة علي الشرطة وجرت محاكمة »بنتاور« والآخرين، وانتهت حياته بتجرع السم.. أما أمه الملكة »تي« فحكم عليها بالسجن.. ومن داخل السجن أدارت مؤامرة علي الشرطة باستخدام »الحريم« في الإغواء، وذلك بغرض الانقلاب علي نجاح الثورة وزعمائها من رجال الدين والكهنة واتباعهم الذين نصبوا رمسيس الرابع علي العرش.. لكن تم اكتشاف هذه المؤامرة وتم إعدام الجميع فكانت النهاية المأساوية لرمسيس الثالث وزوجته ورجال حكمه وابنه »بنتاور« الذي دفن بأحشائه بعد ا نتحاره بالسم، ودفن في المقابر الملكية.. وقد اكتشف الأثري الأمريكي »كنت ويكسي« مقبرة »بنتاور« منذ عدة سنوات وهي خاوية من أي أوراق تشير إلي ماجري.. لكن قصته وأمه وأبيه مدونة علي ورقة أو مخطوطة »هاريس« إلي جانب الرسومات المنقوشة علي الجدران التي كانت توضح رفاهية عائلة رمسيس الثالث: الزوجة والأبناء والمقربين منهم إلي جانب الكهنة، في الوقت الذي كان الرعية يعيشون حياة الفقر والحرمان.. وكأنما التاريخ يعيد نفسه.. فهاهي القصة تحدث منذ ثلاثة آلاف سنة.. وتتكرر بحاكم جديد اسمه حسني مبارك وزوجة تسعي لتوريث الحكم لابنها وحاشية فاسدة.. نفس السيناريو يكاد يتطابق .. بين رمسيس الثالث وزوجته وابنه »بنتاور« وبين حسني مبارك وزوجته وابنه جمال.. كلا الحاكمين دام حكمه لمصر ثلاثين عاما... وكلاهما انتهت حياته نهاية مأساوية، حيث انقلب عليه الشعب وثار ثورة عارمة.. وكلاهما ظل يقاوم الثورة 81 يوما إلي أن سقط السقطة الأخيرة.. أو السقطة المدوية.. وكلاهما تآمرت عليه زوجته وحاشيته للخلاص منه من أجل توريث الحكم للابن المشتاق لكرسي الحكم.. الأول »رمسيس الثالث« مات مسموما.. والثاني حسني مبارك خرج من الحكم »مخلوعا«. إنها تصاريف القدر.. »فهل من مدكر؟«.. يتذكر ويعتبر؟ والظالمون لاينتهي حسابهم بمصارعهم الأليمة، فوراءهم حساب لايفلت منه شيء.. فكل شيء مسطر في الصحائف ليوم الحساب.