بدأت يوم الأحد الماضي أولي جلسات محاكمة 34 متهما من العاملين في 71 منظمة من منظمات المجتمع المدني العاملة في مصر بدون ترخيص بينهم 91 أمريكيا.. وكانت قضية منظمات المجتمع المدني التي تعد واحدة من كبريات القضايا التي تفجرت بعد ثورة 52 يناير قد ألقت بظلالها القاتمة علي مستقبل وحاضر العلاقات المصرية الأمريكية وتهدد بإمكانية حدوث أزمات بين الجانبين المصري والأمريكي مما حدا بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن تهدد علنا باحتمال قطع أو تقليص حجم المعونة الأمريكية لمصر والتي تبلغ 03.1 مليار جنيه سنويا وهو الأمر الذي استفز حفيظة الشعب المصري بكافة طوائفه ودارت حوارات موسعة ومناقشات مكثفة علي جميع المستويات حول مدي أهمية هذه المعونة من حيث الحجم والمضمون والفائدة التي تعود منها علي مصر وإمكانية الاستغناء عنها.أكد العديد من المسئولين والسياسيين وخبراء الاقتصاد أن هذه المعونة لاتمثل إضافة ضخمة للاقتصاد المصري بقدر ما تمثل أهمية قصوي للولايات المتحدةالأمريكية اقتصاديا وصناعيا وأمنيا وهو ما اتضح جليا في تعامل الإدارة الأمريكية مع هذه الأزمة واستخدامها مرة أخري لسياسة (العصا والجزرة) ففي الوقت الذي تهدد فيه وزيرة الخارجية ومسئولون أمريكيون آخرون بقطع المعونة أو تقليصها نجد الإدارة الأمريكية تبعث بأعلي مستوي عسكري لديها (رئيس الأركان) لزيارة مصر وإجراء مباحثات هامة مع كبار المسئولين في مصر ثم يعود إلي بلاده ويؤكد أمام إحدي لجان الكونجرس مدي أهمية هذه المعونة للأمن القومي الأمريكي وأنه ينصح (ومعه الحق) بعدم المساس بهذه المعونة. ونحن نقدر ونثمن حرص الولايات المحدة الأمريكية علي نشر الحرية والديمقراطية وسيادة القانون في ربوع الدنيا كلها بما في ذلك مصر، تماما مثلما هو موجود في الولاياتالمتحدة نفسها ولكننا نشجب وندين محاولة الكيل بمكيالين. واختراق الأمن القومي المصري وانتهاك القوانين المصرية سواء من الولاياتالمتحدةالأمريكية أو غيرها من الدول كما أننا ننتظر من الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تدعم بحق مبادئ الحرية ومفاهيم الديمقراطية كما هو متاح لشعبها وأن تحترم سيادة القوانين المصرية علي أرض مصر وعدم انتهاكها أو اختراقها سواء من مصريين أو أمريكيين أو أي أجنبي، والحقيقة أن قضية منظمات المجتمع المدني ليست موجهة ضد منظمات أمريكية أو ألمانية بعينها فنحن نقدر أهمية دور منظمات المجتمع المدني أيا كانت جنسيتها شريطة أن تعمل في النور وفي إطار القانون. وعندما قام قاضيا التحقيقات المستشار أشرف العشماوي وسامح أبو زيد بصحبة مجموعة من وكلاء النيابة (وبحماية) بعض من رجال الشرطة بمداهمة مقار ال 71 منطمة المتهمة بمزاولة نشاطها في مصر بالمخالفة للقوانين المصرية التي تنظم عمل مثل هذه المنظمات والتي تلزمها بضرورة التوقيع علي »اتفاقية المقر« وأن تكون مسجلة لدي وزارة التضامن الاجتماعي. وتعلن صراحة عن مصادر تمويلها وكيفية تحويل هذا التمويل والأهداف المخصصة له وأن يكون دخول أفرادها والعاملين بها إلي البلاد بطرق واضحة الأهداف وليس بتأشيرة سياحة تثير بكل وضوح الشكوك حول نوايا هذه المنظمات والدليل علي ذلك أن هناك أربع منظمات ألمانية أخري تعمل في مصر وهي هانز سايدل وفريدريش إيبرت وفريدريش نومان لم يتعرض لها هذا الإجراء القانوني ومازالت تواصل نشاطها في مصر بحرية تامة وأمان والسؤال هو هل تقبل الولاياتالمتحدة أن يعمل مواطنون أو منظمات مصرية أو غير مصرية سياسية كانت أو اقتصادية علي أراضيها دون علم مؤسساتها المختصة بل وأجهزتها الرقابية والمخابراتية؟ بالتأكيد لن تقبل وحقها الذي تقره قوانينها.. وكما يقول المثل أن الأجهزة الأمريكية تسمع (دبة النملة) علي مجمل أراضيها وأراضي دول كثيرة أخري حماية للأمن القومي الأمريكي، ونحن أيضا نريد حماية أمننا القومي كما نريد من الأمريكان أن يساعدونا في ذلك في إطار المصلحة المشتركة التي أشار إليها رئيس الأركان الأمريكي في بيانه أمام لجنة الكونجرس وكلنا يعلم تماما مدي الصعوبات التي تواجه أي مواطن مصري أيا كانت وظيفته أو مركزه عندما يحاول الحصول علي تأشيرة دخول (مجرد دخول) للولايات المتحدةالأمريكية أو إحدي الدول الأوروبية وخاصة دول مجموعة (شنجن) فما بالك لو أردت الحصول علي تأشيرة إقامة للعمل أو حتي للعلاج وما أدراك بالإجراءات الصارمة التي تقوم بها السلطات الإيطالية والغربية والأسبانية ضد المواطنين الأفارقة طالبي حق اللجوء علي أراضيها بطرق غير شرعية. وإذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعد واحدة من أكبر دول العالم إن لم تكن الأكبر ويدور في فلكها العالم الغربي كله وتلعب دورا بارزا في توجهات السياسة الدولية فإن مصر أيضا تعد من أهم دول منطقة الشرق الأوسط إن لم تكن الأهم حيث تلعب دورا بارزا ورائدا في عالمها العربي والأفريقي والإسلامي ومن المنتظر أن يزداد دورها ويقوي خلال المرحلة القادمة بعد ثورة يناير ومن هذا المنطلق فإنني أناشد الإدارة الأمريكية أن تراجع نفسها وسياساتها وأسلوب تعاملها مع مصر حكومة وشعبا ذلك أن العلاقات المصرية الأمريكية لابد أن تقوم علي أساس الثقة والاحترام المتبادل حماية وتدعيما للعلاقات المشتركة للبلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية وقبل كل شيء الأمنية انطلاقا من متطلبات الأمن القومي لكلا البلدين، نحن لانريد أن تعتذر الإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكي مثلما حدث مع أفغانستان بسبب قيام بعض الجنود الأمريكان بحرق المصحف الشريف ولكننا نطالب بل ونؤكد أيضا علي ضرورة أن تحترم الإدارة الأمريكية مبدأ سيادة القانون في مصر ونزاهة القضاء المصري الشامخ وأن تدفع بمحاميها أمام ساحة القضاء المصري للدفاع عن مواطنيها انطلاقا من مفاهيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون وهي المبادئ التي تدعي أنها ترعاها وتسعي إلي نشرها في مختلف أنحاء العالم وبعثت بمنظماتها إلي مصر لتأكيدها وترسيخها ولكنها لم تراع وللأسف الشديد أبسط قواعد القانون الدولي التي تنظم العلاقات بين الدول بل وانتهكت القوانين المصرية وعملت من خلال أنشطتها علي زعزعة الاستقرار واختراق الأمن القومي المصري. ولأن القضية الآن تنظر أمام القضاء الذي نجله ونحترمه بل ونقدسه فليس لأي من كان أن يفرض رأيه أو إرادته حتي يقول القضاء كلمته ويصدر أحكامه علي كل من أخطأ بالإدانة أو بالبراءة علي من لم يخطأ سواء كان مصريا أو أمريكيا أو أوروبيا ذلك أن كلمة القضاء هي الفيصل في كل دول العالم الراقي والمتقدم ومنها بالطبع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ينبغي عليها أن تحافظ علي مصداقيتها ونزاهتها وأن تعامل الآخرين وخاصة دولة في حجم وأهمية مصر بنفس القدر الذي تريد أن يعاملها الآخرون به وألا تجعل قضية منظمات المجتمع المدني تؤثر بصورة سلبية علي العلاقات التي هي بلاشك علاقات استراتيجية علي نفس القدر من الأهمية لكلا البلدين والشعبين ويقينا فإن المصريين حكومة وشعبا حريصون علي صداقتهم مع الشعب الأمريكي شريطة أن تكون المعاملة بالمثل بين كلا الطرفين علي قدم المساواة والتقدير المتبادل واحترام كل طرف لإرادة الطرف الآخر وحتي تنتهي الأزمة العابرة وتزدهر من جديد العلاقات بين البلدين علي كافة المستويات وفي مختلف المجالات لما فيه صالح الشعبين المصري والأمريكي.