في البداية خسرن أحباءهن، وبعدها بعقود حرمن من حق معرفة مصيرهم.. تلك ببساطة قصة التجمع السلمي المعروف في تركيا ب"أمهات السبت" وهي مجموعة من النساء ينظمن مسيرات سلمية في العاصمة التركية وبساحة جالطا سراي الشهيرة، في كل سبت منذ العام 1995، للاحتجاج علي الإخفاء القسري لأقاربهن والمطالبة بكشف مصيرهم، ومنذ ذلك الوقت والسلطات تسمح لهن بالتظاهر ثم الانصراف دون أي مشكلة أو حل، إلا أنه في وقفتهن السلمية ال700، استخدمت الشرطة التركية، قنابل الغاز المسيِّل للدموع وخراطيم المياه، لتفريق تجمعهن ومن بينهن نساء قد تجاوزن سن الثمانين. دون سابق إنذار حظرت السلطات مسيرتهن الاحتجاجية الأسبوعية منذ 23عاما، رغم أن أردوغان قد قابل بعضهن في العام 2011، عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، ووعدهن بأن الحكومة ستبدأ في إجراء تحقيقات بشأن اختفاء أقاربهن، ولكن بعد مرور أكثر من سبع سنوات، لاتزال الحقيقة غامضة بشأن مئات المختفين وهو ما جعل تلك النسوة يصممن علي مواصلة وقفتهن السلمية رغم تهديد السلطات لهن واعتقال العشرات منهن ومن الشباب من أبناء المفقودين في آخر وقفة احتجاجية لهن. وكل سبت.. يتظاهر الآلاف في ساحة "جالطا سراي" في وسط العاصمة التركية إسطنبول، وهن يحملن القرنفل الأحمر وصور المئات من الشخصيات المفقودة منذ عقود، وحتي الأسابيع القليلة الماضية لم يكن هناك أي قرار بمنعهن من التظاهر .. إلا أن تجمعهن ال700 شهد استخدام الشرطة العنف لتفريقهن، بزعم أن دعوة الاعتصام والتظاهر كانت منشورة علي صفحة حزب العمال الكردستاني علي مواقع التواصل الاجتماعي، وهو العدو اللدود لنظام أردوغان، الذي يتبني الكفاح المسلح لحصول الأكراد علي حقوقهم التاريخية في تركيا. ونساء السبت.. هن مجموعة من النساء والأمهات الكرديات الأتراك، اللواتي اعتُقل أو خُطف أبناؤهن علي يد الشرطة التركية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد بدأن، كما تقول صحيفة زمان التركية، حركتهن في العام 1995، باحتجاجات دورية يوم السبت من كل أسبوع في ساحة جالطا سراي الشهيرة في وسط إسطنبول، لمطالبة أردوغان بالكشف عن مصير أبنائهن المعتقلين أو المختفين قسريا، ولم يُعرف مصيرهم حتي الآن، ويطالبن الحكومة بمعاقبة المسئولين عن ذلك قضائيا. وفكرة الاعتصام كل يوم سبت.. جاءت عن حركة "مايو دي بلازا" أي أمهات ساحة مايو.. في الأرجنتين، اللواتي فقدن أبناءهن في زمن الديكتاتور خورخيه فيديلا.. وهي الحركة التي استمرت لعقود قبل أن تبدأ السلطات الأرجنتينية، إجراء تحقيقات موسعة للكشف عن مصير المفقودين. ومن قبل.. منعت السلطات التركية احتجاجات أمهات السبت، وبالتحديد ما بين عامي 1999، 2009 وبصورة سلمية، إلا أنها تدخلت بالقوة هذه المرة لمنعها.. رغم أنه كان من بين المتظاهرات سيدات تجاوزن سن الثمانين ومنهن أمينة أوجاك السيدة البالغة من العمر 82عاما، وهي أم لأحد المفقودين الذين اعتقلتهم السلطات التركية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولم يظهر حتي الآن أو تُعرف أخبار عنه وعن طريقة إخفائه أو قتله، وقد سبق لتلك السيدة أن تم اعتقالها علي يد الشرطة التركية لمرات عديدة. والمفقودون.. يضمون مجموعة من الشباب الأكراد والأتراك، لاحقتهم السلطات منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي، وبالذات هؤلاء من أعضاء حزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله أوجلان، الذي قاد الحزب لمدة تزيد عن 30عاما، قبل أن تعتقله السلطات التركية وتحكم عليه بالإعدام، ومازال يقبع في السجن في جزيرة مرمرة منذ العام 1999 وفي انتظار تنفيذ الحكم، وسط إدانات دولية للسلطات التركية، خاصة من دول الاتحاد الأوروبي التي تحظر تطبيق عقوبة الإعدام، وخاصة في دولة مثل تركيا تسعي منذ عقود للانضمام للاتحاد.. وتتحجج السلطات التركية بأن معظم هؤلاء المفقودين الذين اختفوا خلال الحكم الديكتاتوري للبلاد، كانوا أعضاء في حزب إرهابي يطالب بالانفصال عن تركيا، وإقامة دولة كردية مستقلة، وأنه يستخدم الأساليب القمعية والسلاح في سبيل تحقيق ذلك الغرض.. إلا أن قائمة المخطوفين والمعتقلين، قد اتسعت لتشمل الآلاف، الذين أصبح مصير معظمهم مجهولا حتي الآن، وللظروف القاسية التي واجهتها تركيا خلال نهايات القرن الماضي، وحتي خلال حكم أردوغان ونظامه في بدايات القرن الحالي، وخلال الفترة التي تلت فشل الانقلاب العسكري ضده منذ نحو العامين، لقي عشرات الآلاف من الأتراك ومن الأكراد وغيرهم حتفهم، ودمرت السلطات التركية آلاف القري والمنازل خاصة في جنوب شرق البلاد في بلدان مثل، ديار بكر وغيرها، وكانت التهمة هي أن حزب العمال الكردستاني والمعارضة التركية للنظام، تتركز في تلك المناطق، وهو ما اضطر مئات الآلاف من الأكراد وغيرهم للنزوح منها لمدن تركية أخري، وبعضهم ترك البلاد وذهب للعراق وسوريا وإيران، حيث يتمركز مئات الآلاف من الأكراد في تلك الدول، ويطالبون بالمثل بدولة كردية مستقلة. ورغم أن مطالب الأكراد قد تقلصت في السنوات الأخيرة، من المطالبة بدولة كردية مستقلة، إلي المطالبة بحكم ذاتي داخل الدولة التركية، إلا أن أردوغان ونظامه يرفضون بشدة تلك المطالب ويصف أنصار الحزب ومن ينصتون إليه ب"الخونة".