المناورات الإيرانية بمضيق هرمز لا تزال نبرة التهديد والتحذير تهيمن علي الخطاب بين الغرب وإيران وتتصاعد تزامنا مع توالي المناورات التي تقوم بها الأخيرة وازدياد حدة لهجة الولاياتالمتحدة وبريطانيا لفرض عقوبات اقتصادية إضافية عليها كمحاولة لتحريك الشارع ضد نظام خامنئي، فيما يسعي الاتحاد الأوروبي لتشديد الإجراءات الردعية من خلال اتخاذ قرارات تمس النفط الإيراني، بعد فشل المحاولات في إقناع طهران بالتفاوض علي برنامجها النووي، ومن ناحية أخري تتصاعد التهديدات المقابلة من الجانب الإيراني بمهاجمة السفن الأمريكية وإغلاق مضيق هرمز، وأعلنت طهران أن مفاعل "بوشهر" النووي، الذي تم إنشاؤه بالتعاون مع روسيا، سيبدأ العمل بكامل طاقته التشغيلية في فبراير المقبل، وسط شكوك غربية حيال سلمية البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية. احتدم التوتر بين طهرانوواشنطن بعد تحذيرات إيرانية إثر مناورات بحرية من الوجود البحري الأمريكي في الخليج، وإعلانها إغلاق محتمل لمضيق هرمز، الذي يمر عبره 20٪ من النفط العالمي، أمام الملاحة الدولية في حال شملت العقوبات صادراتها النفطية كما يلوح الغرب. وكانت الولاياتالمتحدة وقعت قانوناً بعقوبات جديدة علي إيران عشية رأس السنة لكن لن يبدأ سريانه حتي منتصف العام كما يبحث الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات مماثلة ولا يتوقع كثيرون أن تخف حدة الضغوط علي طهران. لكن كثيرين يخشون من أنه كلما زادت الضغوط علي إيران وحصارها اقتصادياً زاد خطر القرارات الخاطئة. وينظر إلي المؤسسة الايرانية الحاكمة علي نطاق واسع علي أنها تعاني انقسامات عميقة اذ تتطلع بعض عناصر الحرس الثوري المتشدد إلي المواجهة. ويحذر بعض المحللين من مخاطر ذلك الصراع الذي يدق طبول الحرب، خاصة مع تربص الطرفين لبعضهما البعض داخل الخليج، بجانب الخطر القائم في حال نفذ أحد الأطراف تهديداته. وحذر مسؤولون عسكريون إيرانيون كبار وعلي رأسهم قائد البحرية الأميرال حبيب الله سياري من أن طهران قد تستخدم القوة لإغلاق مدخل الخليج البالغ طوله 54 كيلو مترا إذا فرضت الدول الغربية عقوبات تشل صادرات طهران النفطية. وقال سياري إن الجميع يعرفون مدي أهمية هذا المضيق واستراتيجيته، وهو تحت سيطرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي الوقت نفسه يقلل الغرب من أهمية تلك التهديدات، حيث كشف الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية عن أن إيران اتخذت كل الوسائل المتاحة لإغلاق مضيق هرمز، لكنه أكد في المقابل اتخاذ بلاده كل الوسائل المتاحة لإعادة فتحه، فالولاياتالمتحدة وحلفاؤها لن يتساهلوا مع أي عرقلة للملاحة البحرية، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية تمركز حاملة طائرات ثانية قرب الخليج في منطقة عمل الأسطول الأمريكي الخامس. ووعدت بالإبقاء علي سفنها الحربية المنتشرة في الخليج لضمان تدفق النفط عبره معتبرة أن تحذيرات إيران هذه تشير إلي ضعفها وتظهر فاعلية العقوبات علي برنامجها النووي المثير للشبهات. وفي ظل احتشاد القوي ضد الجمهورية الإسلامية يعتقد الكثير من المحللين أن طهران ستبقي المضيق مفتوحاً في نهاية المطاف علي الأقل لتسمح بتدفق صادراتها النفطية بينما تبحث عن وسائل أخري لاستفزاز أعدائها. وإذا أرادت تعطيل الشحن فإنها تستطيع أن تغلق مناطق من الخليج لفترات قصيرة من خلال إعلانها مناطق مناورات عسكرية أو ان تسرب النفط بطريق الخطأ في الممر المائي الرئيسي. وهذا ما عزمت إيران علي إجرائه مؤخراً، حيث سيقوم الحرس الثوري بمناورات من 21 يناير القادم إلي 19 فبراير، لأنها تري أن المناورات ستؤكد أنها تسيطر علي المضيق وعلي كل التحركات في هذه المنطقة. وقد يؤدي الإعلان عن هذه المناورات إلي زيادة التوتر مع البلدان الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة. ولا يعتقد أيضاً كثيرون أن طهران قادرة علي الاستمرار في غلق المضيق سوي أيام لكن هذا في حد ذاته سيوقف مؤقتا شحن مايقرب من ربع تجارة النفط العالمية مما سيؤدي إلي رفع الأسعار ويضر بشدة بالآمال في انتعاش الاقتصاد العالمي الذي مازال يعاني من كبوة الركود. ويري هنري ويلكنسون رئيس وحدة المعلومات والتحليل بشركة جانوسيان للاستشارات الأمنية في لندن التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز أنه محاولة لممارسة ضغط اقتصادي علي الغرب وإحداث انقسام بين القوي الغربية بشأن العقوبات التي تهدد الاقتصاد الإيراني المعتمد علي النفط وليس تهديداً عسكرياً كما ينظر إليه البعض. وأضاف أن إيران ليس لديها الكثير لتخسره من توجيه هذا التهديد ولديها الكثير لتكسبه من ورائه. فكثير من الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة يعتمدون علي الإمدادات الإيرانية وهو ما يثير مخاوف التكلفة الاقتصادية علي تلك البلدان التي تعاني أزمة ديون. ويوضح مايكل سيج، محلل اقتصادي بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، أن الولاياتالمتحدة هي الهدف المفترض من الجهود الإيرانية الرامية إلي غلق المضيق. غير أنها لن ستتأثر بأي ارتفاع يطرأ علي أسعار النفط العالمية، إلا أنها تحصل علي القليل من وارداتها النفطية من الخليج. فالولاياتالمتحدة لا تستورد سوي نحو 49٪ من النفط الذي تستهلكه، فيما يأتي ما يزيد علي نصف تلك الواردات من نصف الكرة الأرضية الغربي. وبحسب إحصاءات أكتوبر 2011 يأتي أقل من 25٪ من واردات الولاياتالمتحدة من بلدان الخليج مجتمعة وهي نسبة أقل بكثير عما هو متاح في الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للولايات المتحدة، في حالة انقطاع إمدادات الخليج. ويري سيج أن تخطيط إيران لغلق المضيق سيكون له تبعيات استراتيجية مدمرة عليها وأنها ستكون الخاسر الرئيسي. فهي تواجه احتمال خفض صادراتها النفطية إلي الصين واليابان في الوقت الذي سيعاني فيه اقتصادها فيما يبدو من إجراءات فرضت مؤخراً لخفض الصادرات النفطية الإيرانية. وبدأت العقوبات الدولية التي لم تكن لها تأثير ملحوظ لسنوات تؤثر بشكل واضح علي الحياة اليومية للإيرانيين حيث هبط سعر العملة المحلية، ويبدأ الإيرانيون تحويل مدخراتهم إلي الدولار. ويعتقد الكثير من المحللين أن السبب الحقيقي وراء التهديدات التي وجهتها ايران في الفترة الأخيرة ربما يكون أثناء القوي الخارجية عن فرض عقوبات جديدة وإشغال الناخبين الإيرانيين عن المشاكل الداخلية المتزايدة قبل الانتخابات التشريعية التي تجري في مارس المقبل، وهي أول انتخابات منذ انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2009 وأدت إلي احتجاجات جماهيرية في الميادين والساحات بالجمهورية الإسلامية تم إخمادها بالقوة. ومن ناحية أخري يري الإيرانيون أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها يحاولون زعزعة الأوضاع الأمنية في الداخل الإيراني تمهيداً لتحريك الشارع ضد النظام، وطالبت الجمهورية الإسلامية مجلس الأمن الدولي بإدانة عملية اغتيال العالم النووي الإيراني مصطفي روشان، حيث أكد مرشد الثورة الايرانية آية الله السيد علي خامنئي أن عملية اغتيال تمت بتخطيط ودعم الاستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي معتبراً أن ذلك يشكل مؤشراً علي وصول قوي الهيمنة إلي طريق مسدود. فيما نفت الولاياتالمتحدة تورطها. وقال خامنئي إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإدارته يسعيان جاهدين لتغيير النظام الحاكم في طهران. وحذر نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن القومي الروسي من خطر حصول تصعيد عسكري في إيران بسبب سعي الولاياتالمتحدة، بدفع من إسرائيل، إلي تغيير النظام في هذا البلد وأوضح المسؤول الروسي أن واشنطن تلجأ إلي الحصار الاقتصادي وتقدم مساعدة ضخمة للقوي المعارضة. وفي ظل التهديدات الإيرانية هذه سعت الدول الخليجية للبحث عن منافذ جديدة لتصدير نفطها في حال نفذت إيران تهديداتها بغلق المضيق، أو في حال اندلاع مواجهة عسكرية مرتقبة، كبدائل تسهم في التقليل من حجم الازمة التي ستكون في حال انقطعت موارد النفط من عبر الخليج. وصرح دبلوماسيون ومصادر صناعة النفط لرويترز بأن الدول الغربية أعدت خطة طوارئ لاستخدام كمية كبيرة من مخزونات الطوارئ للتعويض بالقدر الكافي عن كل نفط الخليج الذي سيفقد إذا أغلقت إيران مضيق هرمز. وهذا المممر من أهم الممرات لنقل النفط في العالم ويربط أكبر منتجي النفط في الخليج مثل السعودية وايران والعراق والإمارات العربية المتحدة بالأسواق العالمية. ويمر بالمضيق ما يتراوح بين 15 و 17 مليون برميل يوميا أو ما يقل قليلا عن عشرين بالمئة من الإمدادات العالمية.