هنيئا لك يامصر بما حققه شعبك العظيم من إنجاز سياسي رائع يوم الاثنين الموافق 82/11/1102 شهد له العالم كله وأشاد به باعتباره أول ثمار ثورة يناير علي طريق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحقيقة أنه بالرغم من أنني كنت من أوائل الرافضين لإجراء هذه الانتخابات البرلمانية قبل إعداد الدستور وضرورة تأجيلها لعدة أشهر ولإعطاء فرصة للأحزاب القديمة والجديدة التي تم تأسيسها بعد الثورة لتنظيم صفوفها ودعم تواصلها مع قواعدها الشعبية وحتي تتمكن من المنافسة بقدرة وكفاءة مع أحزاب التيارات الإسلامية (الحرية والعدالة والنور) والتيارات الإسلامية الأخري.. إلا أنه وبعد أن أجريت الانتخابات بهذا القدر من الإيجابية شهد له الجميع داخل البلاد وخارجها فقد أصبح واجبا علينا جميعا احترام هذه الانتخابات وتقبل نتائجها باعتبارها تمثل إرادة الشعب سواء اتفقت علي آمالنا ورغباتنا أم لا.. وسواء كنا في حاجة إلي مرحلة انتقالية أطول حتي يمكن ترسيخ مفاهيم الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير لدي الغالبية العظمي من المواطنين وحتي لا نعتمد علي التوجهات الدينية ومفهوم الجنة والنار مثلما حدث في استفتاء مارس 1102 خاصة أن الأحزاب الإسلامية وبالذات الإخوان المسلمين لديها تاريخ طويل في العمل السياسي فوق وتحت السطح وقدرات تنظيمية ومالية ضخمة. لقد كنت ومازلت من أشد أنصار »الدستور أولا« أي قبل الانتخابات البرلمانية باعتبار أن »الدستور« هو أساس أي نظام ديمقراطي حديث وأنه الضمانة الأكيدة لمنع عودة أي نظام شمولي دكتاتوري سياسيا كان أو عسكرياً أو دينياً فمصر التي عرفت ومارست الحياة النيابية منذ عام 6681 وأنشأت دستور 3291 ومارست قدراتها في تبادل السلطة سلميا عن طريق صناديق الاقتراع حرمت من هذه الحرية السياسية والمناخ الديمقراطي بعد ثورة يوليو 2591 في ظل النظم الشمولية ونظام الحزب الواحد والاتحاد الاشتراكي والاتحاد القومي ثم أخيراً الحزب الوطني الديمقراطي.. ويقينا فإن »الاحتكار« السياسي والاقتصادي والفكري هو آفة الشعوب والمجتمعات والسبب وراء سقوط الأنظمة تماما مثلما حدث مع نظام الرئيس السابق حسني مبارك. والحقيقة أن نتائج المرحلة الأولي من انتخابات برلمان نوفمبر 1102 والتي ربما تكون قد أحدثت شيئا من الذعر لدي بعض طوائف الشعب والتيارات السياسية من إمكانية سيطرة التيارات الإسلامية علي البرلمان القادم وبالتالي علي مجريات الأمور في البلاد وخلال المرحلة القادمة ليست حاسمة فمازال هناك مرحلتان الثانية والثالثة لاشك سيكون لهما تأثير في شكل ومضمون النتائج النهائية لهذه الانتخابات إن سلبا أو إيجابا.. ولا شك أن هذه الأحزاب الليبرالية التي قامت بعد الثورة ستسعي إلي مزيد من التواصل مع المواطنين لجذب مزيد من الأعضاء والمؤيدين من خلال التواجد بصورة أقوي وأشمل علي الساحة السياسية وخاصة بعد خروج كثير من الأحزاب الصغيرة والضعيفة من حلبة السباق السياسي والحزبي انطلاقا من نظرية البقاء للأقوي وهو ماحدث في كل الدول التي قامت بها ثورات وسبقتنا في مجال الحرية والديمقراطية وهو ما سيكون بمثابة تحد كبير بالنسبة للأحزاب الدينية والتيارات الإسلامية.. فمثلا نجد أن هناك حزبين كبيرين فقط في الولاياتالمتحدةالأمريكية يتصارعان علي السلطة في إطار الدستور الأمريكي هما الديمقراطي والجمهوري« وكذلك الحال في انجلترا »العمال والمحافظون« وفي ألمانيا »المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي« وعلي نفس المنوال في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا والنمسا والسويد والنرويج وبلجيكا. وبالرغم من الإشادة العالمية التي حظيت بها هذه الانتخابات في مرحلتها الأولي يوم 82 نوفمبر علي المستوي الدولي والإقليمي والمحلي من مختلف التيارات السياسية في الدول الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان إلا أنه كانت هناك بعض الأخطاء الإدارية والتجاوزات السياسية التي نأمل أن يتم بذل كافة الجهود من الجهات الإدارية المسئولة والأحزاب والتيارات السياسية لتفادي مثل هذه الأخطاء والتجاوزات في المرحلتين القادمتين وحتي تظل هذه الانتخابات التي ليس لها مثيل خلال السنوات الستين الماضية محتفظة برونقها وعظمتها ولتظل نبراسا للمرحلة القادمة، ولاشك أن كثرة عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات قد أدي إلي تفتيت وتشتت الأصوات بينها وعدم ظهور أحزاب قوية قادرة علي المنافسة مع الأحزاب الإسلامية التي أخذ عليها استخدام الدين في دعاياتها الانتخابية. ولعل من الشواهد الإيجابية التي شهدتها انتخابات المرحلة الأولي هو المشاركة الشعبية الجارفة التي بلغت 26٪ من إجمالي المواطنين الذين لهم حق التصويت وعددهم أكثر من 71 مليون مواطن وهو رقم مرتفع ومؤشر جيد حتي بالنسبة للدول العربية في مجال الديمقراطية.. ونأمل أن تستمر هذه المشاركة الإيجابية والفعالة مع التزام المرشحين والأحزاب السياسية بالقواعد والأسس المنظمة والحاكمة لهذه الانتخابات حتي تتحقق لهذا الشعب أعظم وأرقي انتخابات برلمانية في العصر الحديث وتكون بداية لحياة سياسية متطورة ونقيم علي أساسها دولة مدنية لا دينية ولا عسكرية يحكمها القانون والدستور وتقوم علي أساس العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان واحترام الرأي والرأي الآخر ومبدأ المواطنة. ولقد قامت القوات المسلحة بالتعاون مع جهاز الشرطة في تأمين الانتخابات ومنع أي شكل من أشكال التزوير سواء رسمي أو غير رسمي كما اختفت مظاهر العنف والبلطجة وهو مايؤكد مدي أهمية دور ومسئولية هذين الجهازين الوطنيين في حماية أمن الوطن والمواطن وتأمين مسيرة العمل الوطني. ولقد تعجبت كثيرا من مطالبة بعض الشباب بأن يقوم المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتسليم السلطة »لحكم مدني« وفورا !! نعم نحن مع الذين ينادون بتسليم السلطة لحكم مدني فهو مطلب شرعي ووطني ولكن فورا هذا هو السؤال لمن وكيف؟؟ وهو مايؤكد أن المطالبين بذلك هم من الشباب الذين تنقصهم الخبرة والإحساس بالمسئولية الوطنية والدراية بنظم الحكم وإدارة الدولة فالمشاعر والأحاسيس الجياشة لاتكفي لإدارة دولة. نعم لقد أيدنا ثورة يناير التي قام بها مجموعة من الشباب الثائر المليء بالحيوية وحب الوطن وتم تشكيل حكومة مدنية لم تتمكن من القيام بواجباتها علي أكمل وجه بسبب الظروف الصعبة التي واجهتها وفي مقدمتها الظروف الاقتصادية والتمويلية الصعبة والاعتصامات والإضرابات التي أثرت بدرجة كبيرة علي استقرار الأوضاع الأمنية وبالتالي إضعاف المنظومة الاقتصادية وعدم قدرة الحكومة علي تلبية المطالب الفئوية المتصاعدة.. وهنا يحضرني قول الداعية الإسلامي الكبير الشيخ الشعراوي: الثائر الحق هو الذي يثور حتي يهدم الفساد ثم يهدأ لكي ينبي الأمجاد.. وهنا أناشد شباب الثورة الحقيقية وأبناء مصر الشرفاء وليس أولئك الذين ركبوا موجة الثورة سعيا وراء مصالحهم الخاصة أو الحزبية لكي يسعوا في بناء أمجاد هذه الأمة فهذا بكل تأكيد هو الهدف الأسمي لثورتهم فالثورة في حد ذاتها ليست هدفا وإنما هي وسيلة لتحقيق التغيير المنشود لمصلحة الوطن والمجتمع، وتحقيق حياة حرة وكريمة لكل مصري ومصرية. هذه الانتخابات عكست إرادة الشعب في هذه المرحلة الحرجة التي كانت فيها الغلبة للتيارات الإسلامية نتيجة قدراتها التنظيمية والمالية الهائلة وضعف الأحزاب الأخري أمامها غير أنني علي يقين أن هذه الأمور سوف تتغير خلال المرحلة القادمة بعد أن تقوي هذه الأحزاب ويشتد عودها وهو ما سوف يأتي في صالح الوطن والحياة السياسية وكذلك لصالح التيارات الإسلامية نفسها.