أخيراً تمت تبرئة نابليون بونابرت من تهمة كسر أنف أبو الهول، غابت التهمة وتركت لنا إشارة علي حكايات عن "الأنف" الذي اتضح أن له خصوصية هائلة قد تكون مرتبطة بسر كسر أنوف معظم تماثيل ملوك العالم القديم، فأعداؤهم الذين لم يجدوا سوي تماثيلهم يكسرون أنوفهم لتصبح عنواناً للذلة والانكسار. مفهوم عاش بين الشعوب جميعاً للتدليل علي أن الأنف رمز للعزة والانكسار والجمال أيضاً، فأصبحت عمليات تجميل الأنف في العالم في المقدمة وتخضع أيضاً لمعايير الموضة حتي أن لاعب الكرة "واين روني" نجم فريق مانشستر يونايتد بأنفه الأفطس حصل علي لقب أكثر الأنوف جاذبية في العالم، وأن من الأحداث التاريخية المتعلقة بسر جاذبية مارلين مونرو النجمة الأشهر في العالم حتي بعد وفاتها أنها غيرت شكل طرف أنفها عام 1950 وأن أنف المطربة الأمريكية الشهيرة "باربرا سترايسند" التي تمتلك أنفاً كالصقر هي الأقل جاذبية في العالم، أما الأنف السماوي الذي يزين وجه الممثلة "كاري موليجان" يوصف بأنه الأكثر جاذبية وجمالاً. ولم ينس الشعراء الأنوف فسخروا منها وتغزلوا فيها، وكما كان لها مكان هام في مصر القديمة ظلت تلك المكانة في التراث الشعبي لتصبح لقمة القاضي وتوزيعها بعد الوفاة في يوم الأربعين مساعدة للجسد كي يتخلص من آخر جزء لين، ولم يقتصر دور الأنف علي ذلك بل لعب دوراً هاماً في حياة معظم الأطفال لإثنائهم عن الكذب، من خلال قصة الدمية الخشبية الشهيرة "بينوكيو" الذي تطول أنفه عندما يكذب، كتب القصة في فلورنسا بإيطاليا "كارلو كولودي" عام 1881، ومن بعدها صار كل طفل يتحسس أنفه إذا انتوي الكذب خوفاً من أن يطول مثلما حدث مع "بينوكيو".. ويظل "سيرانو دي بيراجيراك" الشاعر الفرنسي المشهور، صاحب الموهبة العبقرية والأنف الضخم المشوه الذي سبب له معاناة هائلة وبسببه فقد حبيبته وابنة عمه التي لم تبادله الحب بسبب أنفه الذي كان يثير السخرية من ضخامته حتي أنه قال عن أنفه ساخراً: "إنه يسبقني بربع ساعة" وتغزل العرب في الأنف حتي أن الشاعرة الجاهلية "تماضر" لقبت بالخنساء لجمال أنفها ويقول .. امرؤ القيس: أنف كلون الغزال معتق .. من خمر عافة والخمر معتق ويقول النابغة الشيباني متغزلاً في أنف محبوبته: عينا حوراء في أشفارها هرب .. وليس في أنفها طول ولا ذلف . ولم تنج الأنف من سخرية الشعراء فعن رجل كبير الأنف قال شاعر: لك أنف يا ابن حرب أنفت منه الأنوف .. أنت في القدس تصلي وهو في البيت يطوف وكما كان للأنف مكان في الشعر الغزلي، كانت له قصة عند قبيلة عربية كانوا يعايرونها باسمها "بنو أنف الناقة" وباقي نسبها جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن زيد بن مناة بن تميم، من قبائل الدرجة الثانية، وكان أحدهم إذا سئل: من أي القبائل أنت؟ قال وهو غاضٌ طرفه: أنا من بني "أنف الناقة" والاسم كان يعني القذارة، فلجأوا إلي أحد الشعراء وطلبوا منه أن يقول لهم أبياتاً من الشعر ترفع من شأنهم.. فقال الشاعر الحطيئة يمدحهم: سيري أمام فن الأكثرين حصي.. والأكرمين إذا ما ينسبون أبا قوم هم الأنف والأذناب غيرهم .. ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا وبعدما انتشرت هذه الأبيات بين القبائل أصبح لهذه القبيلة شأن كبير، ويقال إن رجل من القبيلة كان لديه أربع بنات تقدم لخطبتهن رجال في يوم واحد. أما القصة التي يجب أن نتوقف عندها في عصرنا الحاضر هو ما يشتهر لدي بعض العائلات في مصر وخاصة في الإسكندرية عن توزيع حلوي لقمة القاضي يوم أربعين المتوفي حتي يتم المساعدة علي سقوط أنفه من جسده حتي تكتمل عملية تحلل الجسد بالكامل، وكعادة المصريين الذين يحتفظون بتراثهم وتاريخهم في وجدانهم كان لابد أن يكون لهذا الطقس الطريف وجود تركه لنا الأجداد القدامي لنظل نحييه بتلك الطريقة. شرح لي هذا الطقس الدكتور سميح شعلان عالم التراث الشعبي: رغم غرابة الطقس إلا أنه أمر طبيعي لدي المصري الذي تتراكم حضارته في تفاصيل حياته اليومية، والأمر ببساطة أن الأنف وهو الجزء الغضروفي في الجسد يظل آخر جزء يتحلل في جثمان المتوفي وهو العضو المسؤول عن التنفس واختيار يوم الأربعين هي عادة فرعونية أصيلة فهو اليوم الذي يتم فيه تجديد الأحزان بعد الوفاة، والسبب في اختيار يوم الأربعين أن المصري القديم من أبناء الشعب كان يتم الانتهاء من تحنيطه عند يوم الأربعين في حين أن النبلاء والأثرياء كان يتم الفراغ من تحنيطهم بعد 70 يوما. يتابع: أما قصة لقمة القاضي فما هي إلا نوع من أنواع القرابين التي كانت تقدم للكهنة في مصر القديمة لاسترضاء الإله لكي يتقبل المتوفي استقبالاً طيباً، وربطها بالأنف تحديداً من أجل أن يتخلص الجسد من آخر جزء لين فيه لتكتمل عملية التحلل بالكامل وبذلك تنتهي أيضاً علاقة الإنسان بالأرض من أجل أن يستعد للحياة الأخري واستمرت العادة مع بعض التحريف فأصبح البعض يوزع فطائر أو مأكولات مختلفة وهي عادة يستفيد منها الفقراء. ولا ينتهي حديثنا عن الأنف بمعرفة قدره داخل الثقافة الشعبية بل له مكانة أخري شديدة الأهمية في الأمثال الشعبية التي استخدمت الأنف للتدليل علي طبيعة أشخاص ومواقف فيها الأنف هو البطل الوحيد، فيقال مثلاً في وصف الإنسان الفضولي والحشري أنه يدس أنفه في الموضوع، وإذا ما وصف شخص آخر بأنه تم إذلاله والانتقام منه فيقال "مرغ أنفه في التراب"، وإذا ما تعلق الأمر بالتحدي قيل "رغما عن أنفه"، أما في حالات الذلة والانكسار فهو "كسر الأنف" أو باللغة الدارجة "كسر المناخير"، أما إذا كان الوصف يتعلق بالغرور والعنجهية فيقال "دا رافع مناخيره في السما"، وفي الأمثال الشعبية العربية يبرز مثل مشهور"أربيعك خشمك" والخشم لديهم تعني "الأنف" ويعني أن صديقك هو خشمك الذي لا تستطيع الاستغناء عنه لأنه عضو التنفس ومصدر حياة الإنسان ورمز لكبريائه. وتمثل عادة السلام "بالخشم" في البلاد العربية عادة متأصلة وعريقة وتكون طريقة السلام عندما يلاقي شخصا آخر بوضع الأنف علي الأنف مرة أومرتين أو ثلاث مرات، لأن الأنف يمثل موطن العزة والرفعة عند أهل البادية. ويلعب شكل الأنف دوراً كبيراً في قراءة الشخصية ومعرفة أغوارها بمجرد ملاحظة شكلها ونوعها أيضاً، ويصبح للإنسان إذا كان عالما بتحليل شكل الأنف الذي يعكس شخصية صاحبه قادراً علي معرفة مع من يتعامل، هكذا تقول الأستاذة داليا زقزوق خبيرة علم الفراسة ولغة الجسد: الأنف جزء مهم من الوجه ويمكن من خلال شكله قراءة شخصية صاحبه ببساطة وهناك أنواع من الأنوف منها المحدب والمقعر والعريض والطويل. فصاحب الأنف المحدب هو مبدع ودائماً ما يقدم حلولا فريدة للمشاكل، ومبتكر ومحب للقيادة ويجيد علوم الحساب ومعتز بنفسه. صاحب الأنف المقعر.. يعمل من منطلق المشاعر والعواطف والقيم، ويحتاج للدعم والتشجيع والثناء علي مجهوداته، ويمكن أن يحقق إنجازات إذا كان يشعر بالرضي ويستمتع بمساعدة الآخرين، كريم، وهو غالباً ما يكون متعثراً في مجال المال والتجارة والأعمال. صاحب الأنف المعكوف الذي يميل إلي الأسفل.. يميل إلي الشك، لا يثق بالآخرين بسهولة، لا يصدق كل ما يقال له، حذر، ومتأنٍ، لا يتحمس بسهولة للأفكار الجديدة، واسع الحيلة ومن الصعب خداعه. وشكه دائماً بناء، ويحتاج إلي التأكد من صدق المعلومات وأصحاب هذه الأنوف يصلحون للعمل في التجارة والأجهزة الأمنية ومن أشهر هؤلاء "عمر سليمان". إذا انخفض طرف الأنف بشكل كبير، فيكون الشخص كثير الأسئلة، وإذا انخفض وكان حاداً أو مدبباً للأسفل فقد يكون الشخص قاسياً وأنانياً وماكراً ومخادعاً. طرف الأنف مرتفع ويميل لأعلي.. هو شخص يثق بسهولة في الآخرين ويصدق معظم ما يقال له بدون تفكير ومنفتح العقل ويتقبل الأشخاص والأفكار الجديدة بسرعة. وإذا ارتفع الأنف بشكل كبير مع وجود سمات أخري في الوجه فقد يكون الشخص ساذجاً أو متهوراً في اتخاذ القرارات ومن السهل خداعه والتلاعب به. أما إذا أرتفع الأنف بشكل كبير وكان حادا أو مدببا للأعلي فقد يكون الشخص فضولياً ومسرفاً ولا يحفظ الأسرار. وأما إذا كانت قاعدة الأنف ضيقة فهو شخص يعتمد علي الآخرين.