بحثت كثيرا عن كتابات تتعلق بالأنف لكن تعسرت فى الحصول على القليل منها ، لاأعلم إن كان ذا سوء بحث منى أم صار الشم قليل فى أوطاننا ، فتساءلت لماذا هذه الندرة رغم أن للأنف فوائد جمة وتتحمل الكثير من المشاق ( زى القفا ) الهواء الساخن يضربها صيفا والبارد يؤلمها شتاء ومع ذلك لايذكرها أحد إلاإذا تعطل الشم لديه ، لم أمكث طويلا فى البحث لأجد الإجابة ؛ أن السائد فى هذه الأيام كتابات بطلها اللسان الطويل الذى لم يترك للأنف مكان تحشر نفسها فيه . فقلت : أحشر أنفى وأتحدث عنها فاكتشفت أن الأنف يغير مستقبل شعوب فقد اعتنى به الفنانون رسما ونحتا وتغزل به الأدباء شعرا ونثرا لأنه رمز العزة والكبرياء وكذا دليل على الذل والانكسار فكسرة الأنف –وقانا الله منها – تظل على مرالزمان فهاهو نابليون بونابرت لم يسلم من ألسنة المصريين بدعوى تسليط مدافعه لكسر أنف أبى الهول وأخذت القضايا ترفع عليه حتى بعد موته ولو دعى للمثول أمام المحاكم لأذعن للمصريين ( سيبونى فى حالى وأعمله عملية تجميل أو اشتريله أنف صينى ) لم أتمكن من معرفة أنف أبى الهول بعد كسرها فهناك الأنف الرومانى الذى يشبه منقار النسر وينتهى مع طرف متعرج ، والأنف المرتفع مستقيم وطرفه مرفوع ، والأنف الإغريقى الذى يأتى على خط مستقيم مع الجبهة ،والأنف الأفطس الذى يتميز بمنخارين واسعين عريضين كأنوف الزنوج ، والأنف البصلى المنتفخ الطرف لكنى أيقنت أنه قد تعددت الأنوف والشم واحد. وعلى مايبدو أن الشم له أكثر من معنى فالنمل يتعرف على بعضه عن طريق (الفرمونات ) يشم بعضه بعضا ولو دققت نظرك فى تجمعات النمل لوجدت النملة تضع أنفها فى أنف قرينتها (حشريه تعمل ايه ) ثم تستكمل مسيرتها وقد تغيره إلى طريق آخر (ألم أقل لك يغير مستقبل شعوب ) وليس النمل فقط فبعض الأشجار تصدر روائح كريهه للدفاع عن نفسها حتى تزكم الأنوف فتبتعد عنها والثعلب الماكر عندما يجد أن حياته فى خطر ينفخ بطنه وتنبعث منه الروائح التى تؤكد لك أنه (مات وشبع موت) بل عادات السلام فى بعض دول الخليج تتم بالتقاء الأنوف “حَب الخشوم” وهى عادة متأصلة وأسلوب متعارف عليه ويطلقون على الأنف الخشم ويكون السلام به لأنه يمثل موطن العزة والرفعة ويعد من رموز الهيبة والعظمة لذا قالوا عنه فى أمثالهم " ارْبيعك خَشْمك" أى أن صديقك هو خشمك فهو الذي لا تستطيع الاستغناء عنه، لأنه عضو التنفس ومصدر حياتك وعنوان كبرياءك فيقال رافع (مناخيره فوق ) وأحيانا يستخدم للترضية، ويكفي أن تُقبّل أنف صديقك كعربون اعتذار. لن أبالغ أيها القارىء الكريم عندما أبعث لك بروائح طيبة تريح أنفك وتطهرها لأذكرك بأنه لعظمة وفائدة هذا العضو سميت بعض القبائل به ولعل الطريف في الأمر أن قبيلة عربية اسمها أنف الناقة اعتبرت من الدرجة الثانية بين القبائل فلجئوا إلى أحد الشعراء وطلبوا منه أن يقول لهم أبيات من الشعر ترفع شأنهم وتغير مستقبلهم ؛ فقال الحطيئة مادحا لهم : قومٌ هم الأنف والأذناب غيرهم _ ومن يسوِّي بأنف الناقة الذنبا ومن بعد هذه الأبيات أصبح، لهذه القبيلة شأن كبير، ويقال: أن رجلا منهم كان لديه أربع بنات تقدموا لخطبتهم في يوم واحد كما أن الأصمعي تغنى و قال:الملاحة في الفم،والحسن في العينين والجمال في الأنف ، لكن أذكرك صديقى (المرهق نفسه فى قراءة مقالى ) مهما أصلح الأطباء ما كان في الأنف من انحراف، واعوجاج، وتناوله الشعراء بالمديح ،والهجاء وما بينهما من عديم الاندماج، وعرّجت عليه الأمثال الشعبية ،للعبرة ،والإقناع ،والاحتجاج، ورسمته ريشة الفنان، باقتدار،وافتخار وابتهاج وكيفما كان شكله- طويل - قصير- أفطس - اغطس - خشن أو أملس. يبقى الإنسان الذي يحمله هو الأهم ،بأخلاقه ،وعلمه، وأدبه ،وعطاءه، وتفانيه ،وتضحياته، وحبه للإنسان، والأوطان، في كل مكان، وزمان. وبعد أن شممنا عزيزى القارىء المقال فهل تستطيع حاسة الشم لدينا منع الحرائق ورائحة البارود والدخان والغازات والدم الذى ينتهك يوميا فى أوطاننا العربية ؟أم أنها ستفقد مفعولها بعد أن أصبحت هذه الروائح عادية،ومألوفة ولن تستطيع أنوفنا أن تغير مستقبل شعوبنا