كل الشعوب مرت وتمر بظروف صعبة عبر تاريخها مثل تلك التي تمر بها مصرنا الآن.. غير أننا بحكم تاريخنا الطويل وحضارتنا العريقة وعظمة شعبنا سوف نعبر هذه المرحلة الدقيقة بسلام بإذن الله وهذا هو أملي وأمل الملايين من كل أبناء هذا الشعب الطيب المتناحرين والمختلفين هذه الأيام اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية وتطلعاتهم الاجتماعية والفئوية. أقول هذا ونحن علي أبواب انتخابات برلمانية غاية في الأهمية لاختيار أعضاء مجلس الشعب الحديد »برلمان الثورة« نرجو لها أن تمر بسلام ونجاح لما فيه خير ورفعة مستقبل هذا الوطن العزيز وشعبه بالرغم من أنني من حيث المبدأ لست من الموافقين علي إجراء الانتخابات أولا أي قبل إعداد الدستور طبقا لمتطلبات العملية الديمقراطية الصحيحة. ولكن أما وقد أجبرنا من قبل بعض التيارات الدينية علي إجراء الانتخابات أولا ثم يقوم مجلس الشعب الذي يأملون ويطمعون ويسعون بكل ما أوتوا من قوة وإمكانيات وهي بالفعل هائلة بإعداد الدستور طبقا لتوجهاتهم وأفكارهم فإنني أناشد وبشدة كل من له حق الانتخاب وعددهم أكثر من 05 مليون ناخب مسجلين في كشوف الانتخابات بعد تنقيتها بالتوجه إلي صناديق الاقتراع والإدلاء بصوته في حرية ونزاهة ووعي لمن يراه قادرا وصالحا لهذا الموقع السياسي الهام والمساهمة في إدارة شئون هذا البلد خلال المرحلة القادمة.. كما أنه ينبغي علي الكتلة الصامتة أو ما يسمونها »حزب الكنبة« والتي تقدر بأكثر من 09٪ من عدد الناخبين أن تنزل إلي الشارع وتدلي بأصواتها وتساهم بجدية في تشكيل مستقبل البلد السياسي خلال المرحلة القادمة حتي تأتي نتائج هذه الانتخابات تعبيرا حقيقيا عن ضمير الأمة ورغبات وتطلعات أبنائها من جميع الفئات والأعمار بعد أن ظلت طوال العقود الستة الماضية عازفة عن المشاركة السياسية والمجتمعية بسبب عدم اقتناعها بنزاهة العمل السياسي في ظل النظم الشمولية السابقة منذ عام 2591. كما أرجو ونحن علي أبواب مرحلة ديمقراطية يتمتع فيها جميع أبناء الشعب بالحرية وحق تقرير المصير وإبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر دون تجريح أو تخوين أن تختفي من قاموسنا السياسي والانتخابي تلك المصطلحات التي كثيرا ما يتغني بها بعض رموز العمل السياسي في هذه المرحلة الدقيقة مثل: »الشعب يريد« أو الرأي العام أو »إرادة الشعب« وهي المصطلحات التي دائما ما كانت تستخدمها النظم الشمولية والديكتاتورية للتمويه والتضليل وكبت إرادة الشعوب.. إذ كيف يمكن لأحد رموز حزب ما أيا كان حجمه أو عضو ائتلاف لايتجاوز عدد أعضائه ألفا أو ألفين أن يتحدث باسم الشعب لمجرد أنه يجيد الكلام والحوار وينتقل طوال الوقت بين الفضائيات وبرامج »التوك شو« التي ألهبت المشاعر بل وأثارت الفتن في بعض الأحيان دون رادع أو وازع من ضمير أو نظرة حق للصالح العام وتغليبه علي المصالح والأغراض الشخصية والحزبية حفاظا علي أمن واستقرار هذا البلد وأصبحت للأسف الشديد المصالح الخاصة لأصحاب هذه القنوات والعاملين فيها وحرصهم علي تحقيق أكبر قدر من الإعلانات تتبدي علي المصلحة العامة للوطن. هذه الثورة العظيمة التي فجرها مجموعة من شبابنا الوطني الواعي ورعتها جماهير الشعب وحماها جيشنا العظيم بمبادئها السامية (حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية) لابد أن تنجح وتستمر من أجل تحقيق مستقبل أفضل لهذا البلد وصالح جميع أبنائه بكافة طوائفهم وتوجهاتهم السياسية والفكرية والعقائدية دون تمييز أو تفرقة.. وحذار حذار من أولئك الذين يريدون خطف الثورة تحت أي مسمي والركوب عليها وتوجيهها للمصالح الحزبية أو الخاصة وخلق الفتن والصراعات بين أبناء الوطن الشرفاء الأبرياء، فبالأمس كان قرار ترشيح الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق لرئاسة وزارة المرحلة الانتقالية بحكم ماله من خبرة ودراية وسمعة طيبة بمثابة اختبار حقيقي لمسيرة العملية السياسية والديمقراطية في مصر وقدرة أبناء هذا الشعب علي التعامل الواعي مع التطور الديمقراطي الذي نحن مقبلون عليه.. ولكن وللأسف الشديد ما إن أعلن النبأ عبر وسائل الإعلام المختلفة حتي اندلعت الخلافات والصراعات سرا وعلانية. شباب التحرير انقسموا علي أنفسهم بين مؤيد ومعارض.. بعض التيارات والائتلافات رحبت بالقرار والبعض الآخر رفضه رفضا قاطعا بل وتباروا في تجريح الرجل والنيل منه أخلاقيا ومهنيا ثم قادوا المظاهرات إلي شارع مجلس الوزراء معلنين اعتصامهم فيه لمنع دخول د.الجنزوري إلا علي جثثهم وذلك بالرغم من أنها حكومة انتقالية لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد ورئيس الجمهورية. كل هذا بالنسبة لرئيس الحكومة المقترح فماذا سيكون الأمر بالنسبة للعشرين وزيرا الذين ستضمهم الوزارة. والسؤال الآن هو ماذا لو أن المجلس العسكري اختار أحد مرشحي الرئاسة مثل د. البرادعي أو د. أبوالفتوح أو عمرو موسي أو المستشار البسطويسي كان سيكون موقف المرشحين الآخرين وأعضاء الائتلافات الثورية والشبابية والتي يقدر عددهم بأكثر من 041 ائتلافا وكل ائتلاف أو عدة ائتلافات يؤيدون ويصرون علي أحد المرشحين رافضين أي شخصية أخري لرئاسة الحكومة المؤقتة، إننا لابد أن نفهم ونعي أصول وطبيعة الحياة الديمقراطية التي نحن مقبلون عليها والتي احتلت البند الثاني من مطالب الثورة. وعلينا أن نعمل جادين مخلصين متنزهين عن كل هوي حتي لاتتكرر مأساة شارع محمد محمود مرة أخري والتي راح ضحيتها أكثر من ثلاثين شابا من خيرة شباب مصر في صراع مرير ودام بين أبناء الوطن الواحد تحول في غياب الوعي والأمان إلي أعمال ثأر بين الأمن والشباب وكأننا في صعيد مصر في غياب وصمت ممن يطلقون علي أنفسهم النخبة وزعماء الثورة والذين كان يتحتم عليهم أن يبذلوا كل مافي وسعهم بصدق وأمانة ويتخلوا ولو لحين عن الظهور في الفضائيات ويتواجدوا علي أرض المعركة لحل هذه المشكلة والحيلولة دون استمرار هذه المجزرة الإنسانية التي كانت بدون وعي ولا أخلاق في شارع محمد محمود وأساءت إلي سمعة مصر في الداخل والخارج. والأدهي والأمر أن مختلف أجهزة الإعلام وخاصة الفضائيات كانت تتنافس في متابعة أحداثها المؤلمة والمؤسفة في شغف ونهم وحماس منقطع النظير وكأنها عمليات تجري في كوكب آخر أو ربما في أفغانستان لم أشعر وأنا أتابع هذه الفضائيات أن هناك منهم من يحاول تهدئة الأوضاع حتي لاتتداعي وتتطور الأمور إلي ماهو أسوأ ولكن الجميع كان ومازال يتباري لسكب الزيت علي النيران.. هناك من يؤكد وجود طرف ثالث مغرض وآثم ممول من الداخل أو الخارج وراء هذه الأحداث الدامية التي أدت إلي الوقيعة المؤسفة بين الشباب والأمن ويحملون الأمن مسئولية الكشف عن هوية هؤلاء المجرمين والبلطجية وهو أمر يتطلب منا جميعا ضرورة التعاون والتضامن لكشف هذه المخططات الإجرامية والقبض علي الجناة وتقديمهم للمحاكمة فالأمن وحده في ظل هذه الظروف والتحديات التي تواجهه يصعب عليه القيام بهذه المهمة وحده ولابد علينا جميعا أن نساعده من أجل مصلحتنا فأبناء الشرطة ضباطا وجنودا هم أبناؤنا وإخوتنا. حقيقة إنه مطلوب تطوير وتحديث أسلوب عمل جهاز الشرطة وتغيير نمط وأسلوب تعامله مع المواطنين تماما مثل كل أجهزة الدولة الأخري.. غير أن هذا لايعني أبدا محاولة إضعافه والنيل منه لأن ذلك سوف ينعكس بالتأكيد علي قدراته في تحقيق الأمن لنا جميعا وهو ما نشكو منه الآن في ظل غياب الأمن وانتشار أعمال البلطجة والسلب والنهب التي تعرض لها الكثيرون.