يا صباح البونجور.. أنا الآنسة حنفي يا مهدي إلي الحديقة يا وارد أفريقا.. عذراء حسناء هيفاء ولهاء دعجاء سمراء فيحاء.. في العشرين من عمرها الوردي الزاهر المزدهر.. تملك سيارة وفيلا ودار أزياء.. تطلب زوجًا.. عدلها لي يا رب.. عليه العوض ومنه العوض في الرجالة.. يا صبر أيوب المبتلي.. يا قلة العرسان يا خواتي.. دا حتي مش كويس علي عقلي الباطن. تبرأ منها أهلها .. ودفنت بمقابر الصدقة إفيهات مازالت تردد حتي الآن كل ما سبق إفيهات زينات صدقي التي تفوح من عبق أفلامها خفة الظل والفكاهة التي يصعب فصلها عنها، هي صانعة الابتسامة والضحكة، تميزت دائما بالإفيهات التي رسخت في ذهن المشاهد، و في الذكري ال40 لوفاة الفنانة زينات صدقي، التي رحلت في مارس عام 1978، نسترجع شريط الذكريات لفنانة أضحكتنا، ودفنت في مقابر الصدقة. حياتها كانت سلسلة طويلة من العمل والفشل والنجاح والثروة والفقر، ولم يبق من ذلك سوي حقيقة واحدة، وهي أن زينات صدقي أفضل من قدمت الكوميديا علي شاشة السينما. ولدت زينب محمد سعد، والتي اشتهرت لاحقا باسم زينات صدقي عام 1913 بمدينة الإسكندرية ،أطلق عليها كثير من الألقاب، بنت البلد، خفيفة الظل، ورقة الكوميديا الرابحة، العانس، والتي نجحت في أن تحتوي كل هذه الأوصاف، برعت في أداء شخصية العانس التي تبحث عن أي عريس، رغم أنها كانت في شبابها جميلة أمام أبوابها يقف العرسان طوابير. حب زينات صدقي للفن والتمثيل، جعلها تتحدي أهلها، وتخرج عن طوعهم بعد رفض عمها لدخولها هذا المجال، وتأخذ والدتها وتهرب بها من مدينة الإسكندرية لتعمل كمطربة في كازينو بديعة مصابني، إلا أن بديعة اختارت لها الرقص إلي جانب تحية كاريوكا وسامية جمال،عرفت طريقها إلي الفن من خلال عملها كراقصة في ثلاثينيات القرن الماضي ثم انضمت إلي فرقة نجيب الريحاني وكان أول عمل لها في الفرقة دورها في مسرحية »الدنيا جري فيها إيه» واشتهرت في هذه الفترة بدور الخادمة سليطة اللسان، ونقلت نفس الشخصية إلي السينما. كان أول أعمالها السينمائية فيلم »وراء الستار» العام 1937، ثم قدمت عددا من الأدوار المسرحية منها»عاوزة أحب» و»الكورة مع بلبل». بلغ الرصيد الفني لزينات صدقي ما يقرب من 150 فيلماً، والتي من أبرزها »بنت اسمها محمود» و»معبودة الجماهير» و»حلاق السيدات» و»العتبة الخضراء» و»شارع الحب» و»إسماعيل يس في مستشفي المجانين» و»إسماعيل يس في الأسطول» و»أنت حبيبي» و»مدرسة البنات» و»أيامنا الحلوة» و»عفريتة إسماعيل يس» و»غزل البنات»، »الآنسة حنفي» و»ابن حميدو»، ويعتبر إسماعيل ياسين هو شريك زينات صدقي في مشوارها الفني، حيث لعبا سويا العديد من الأدوار الناجحة والتي منها »ابن حميدو، الآنسة حنفي، إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين، إسماعيل ياسين في البوليس»، وغيرها من الأفلام العديدة. كانت للراحلة العديد من الإفيهات التي رسخت في ذهن الجمهور منها، الوحش الكاسر.. الأسد الغادر.. إنسان الغاب طويل الناب،عوض عليا عوض الصابرين يااااارب،مد إيدك خد المفتاح.. يا سارق قلوب العذاري،حسبولله حسبولي حسبولي،ميدو مداميدو.. أنا قلبي إليك ميال ولا فيش غيرك ع البال أنت وبس اللي حبيبي،ياختي كتاكيتو بني، يا منجي نجي نجي نجي من المهالك يارب،آه يا ناري،إلطع كي أقدح زناد فكري، بتبصلي كدة ليه والمكر جوه عنيك. تكريم رئاسي وكانت قصة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع زينات صدقي شاهدا علي غياب أهل الفن معها فقد روي أن الرئيس عبدالناصر قرر أن يكرم نخبة من الفنانين ومن بينهم زينات صدقي إلا أن المعنيين لم يستطيعوا العثور عليها، فما كان من الرئيس إلا أن طلب من جهة أمنية إيجادها ونجحت بالفعل في العثور عليها في أطلال بيت متهالك في أحد الأرياف، وبدت في حالة رثة، فكرمها الرئيس عبدالناصر وأمن لها مسكنا، ومعاشا حتي توفيت. كما روي أن الرئيس الراحل أنور السادات سأل الدكتور رشاد رشدي عن أسباب عدم إدراج اسم زينات صدقي بين الفنانين المقرر تكريمهم في العيد الأول للفن العام 1976 وكان الدكتور رشاد في هذا الوقت مديراً لأكاديمية الفنون المنظمة للحفل ولم يجد ما يبرر به هذا السهو غير المقصود في حق فنانة ونجمة كبيرة انزوت داخل دائرة النسيان والتجاهل ولم يعد أحد يسأل عنها، منتجو السينما ومخرجو التلفزيون لا يرشحونها للعمل، لدرجة أنها لجأت للقضاء تشكو مخرجا استبعدها في آخر لحظة من تسجيل دورها في أوبريت لزكريا أحمد، بعد ذلك قررت أن تعيش علي هامش الأضواء والنجومية، حيث أدركت أن الزمان لم يعد زمانها. زينات صدقي، أجبرها والدها وهي في سن ال 15 عاماً، أن تتزوج من أحد الأشخاص إلا أن الزواج لم يستمر لمدة عام واحد، وانتهي بالانفصال لتتزوج للمرة الثانية من الملحن »إبراهيم فوزي»، ولم يستمر ذلك أيضا طويلا، لتخرج من حياته وتتزوج الزيجة الثالثة من أحد رجال ثورة يوليو، وكان ذلك سريا. بدأت زينات صدقي في الاختفاء التدريجي ولم تظهر إلا في أعمال قليلة أشهرها فيلم »معبودة الجماهير» وكان آخر أعمالها »بنت اسمها محمود» وتوفيت في2 مارس 1978، لتنطفئ أجمل ضحكة... لكن صداها لايزال يتردد داخلنا وقبل وفاتها جلست 16 عاما في بيتها من دون عمل. كانت تمتلك إرادة كافية وعزة نفس كبيرة، تمنعها من مجرد التفكير في تسول تمثيل دور، مهما كان عائده المادي، تدهورت ظروفها المادية بسرعة منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، لكنها رفضت أن تتسول للعمل، كانت تبيع أثاث منزلها كي تأكل، وسمع بمأساتها الناقد الفني جليل البنداري، ونشر مقالا عنها وكتب »لم أصدق أن فنانة عظيمة من تلميذات الريحاني يحدث لها هذا، إن أخف الممثلات دما تبيع أثاث بيتها قطعة قطعة من أجل الطعام» . عانت طوال حياتها من وسواس النظافة فكان لا يجرؤ أحد علي استخدام أدوات طعامها أو شرابها،رغم حبها لإسماعيل يس إلا أنها كانت تخاف من عينه التي كانت تراها حسادة، وكان حين يسألها: عاملة إيه؟، ترد: الحمد لله، ثم ترسم عروسة وتخرمها خوفاً من الحسد،في أواخر حياتها أصيبت بماء علي الرئة، ورفضت الذهاب إلي المستشفي للعلاج، فتدهورت حالتها لتصاب بهبوط في القلب،بعد أسبوع من المرض توفيت زينات في 2 مارس 1978، دفنت زينات في مدافن الصدقة، حيث فوجئ الجميع أثناء دفنها بعبارة »مدافن عابري السبيل» علي قبرها.