حتي كتابة هذه السطور زاد عدد مصابي المتظاهرين في التحرير علي سبعمائة وخمسين، وثلاثة قتلي.. بعدما تجدد اشتعال بركان الثورة لإحساسنا كشعب أننا منبوذون من الداخلية، مطاردون من البلطجية .. ننحدر من سيئ إلي أسوأ، من قمع إلي قهر .. أوضح منجزات الثورة هي الفوضي العبقرية والخوف من الغد ..ولصوص حياتنا وأرضنا وكرامتنا يمرحون في أمان محاكمات هزلية وسجون ترفيهية .. تسعة أشهر وانفجرت الثورة الجديدة بالأمس ترفض مولودها المشوه العاجز ..مصر المرعبة حاليا .. لأننا لن نقبل أن تكون مصر دولة بلا حكومة ولا قانون ولا قضاء ولا أمن ولا عدالة اجتماعية .. لا يبشرنا حكامها والطامعون فيها إلا بمستقبل مجهول ومرعب لدولة تنهار اقتصاديا وأمنيا واخلاقيا.. والمحاكمات العسكرية العاجلة لمدنيين أبرياء، جريمتهم هي الإصرار علي الحياة في وطنهم بكرامة. ماذا جنينا منذ زرع شبابنا بذرة الثورة وما حصدوا بدم الشهداء إلا عزل مبارك وعصابته !؟ ..جنينا المزيد من قهر انتظار العدل .. المجلس العسكري يتعالي علينا صمتا، أويتجاهلنا، تلفق للشجعان منهم تهمة سرقة سلاح ميري لترويع العسكر والمواطنين وتخريب ممتلكات عامة !!.وتدافع عن الجاني تقارير مخجلة لمجلس قومي لحقوق الانسان !! .. نتظاهر فلا يرانا، نصرخ فلا يسمعنا .. وهنا أعود الي ليلة 11/11/11 الليلة التي احتشد فيها أكثر من 150 ألف مصري في جبل المقطم 21 ساعة متصلة يتضرعون الي الله بصوت واحد مدو، صارخين لإنقاذهم .. فالله هو الأرحم والأعدل وهو المنتقم الجبار .. وهو العجيب والمدهش في تحديد أحكام عدله، وفي اختيار شكل وتوقيت تنفيذها. واختيار الصلاة في كنيسة سمعان الخراز بجبل المقطم له أكثر من دلالة ومعني .. فالتاريخ يسجل أن جبل المقطم انتقل من مكانه بقوة الصلاة في أيام المعز لدين الله الفاطمي عام 979م .. وكان حاكما يهوي الشعر ويعشق المناظرات بين الأضداد.. فدعا بابا الأقباط لمناظرة مع وزيره اليهودي يعقوب بن كلس .. بدأ البابا الكلام في حضوره قائلا أنه مكتوب في كتابنا المقدس في سفر أشعيا النبي " أن الثور يعرف قانيه، والحمار يعرف مكان معلفه، أما إسرائيل فلا يفهم " .. الأمير سأل يعقوب عن صحة الكلام فأكده، فسخر منه قائلا وكيف تجلس في حضرتي وأنت لا تفهم!!.. انسحب اليهودي غاضبا وظل يبحث عما ينتقم به من المسيحيين .. فوجد عبارة في إنجيل لوقا ومتي تقول " إن كان لك إيمان مثل حبة خردل، تقول للجبل انتقل فينتقل" . فأسرع للأمير الذي كان يخطط لإنشاء مدينة القاهرة – حيث كانت الفسطاط والقلعة ومصر القديمة - .. واقترح بدلا من شراء أرض زراعية جديدة وتبويرها فليطلب من المسيحيين نقل جبل المقطم والبناء مكانه.. المعز أعجبه الكلام وطلب من البطريرك تطبيقه ليختبره ويتسلي بالصراع.. البابا طلب مهلة ثلاثة أيام، وأصدر عنها فرمانا للشعب بالصلاة الجماعية والصوم.. وفي نهاية اليوم الثالث ظهرت له السيدة العذراء وأخبرته أن الله قبل صلاة الشعب.. والجبل سينقل بمشاركة رجل دباغ اسمه سمعان الخراز في الصلاة.. ووصفت الرجل بأنه فاقد لعينه اليمني، وسيعرفه لأنه سيأتي إليه حاملا جرة ماء - حيث كان يعمل سقا متطوعا - .. وفعلا ظهر سمعان وحكي حكايته العجيبة للبطريرك.. قال كنت أعمل إسكافيا لتصليح الأحذية وزارتني امرأة، فنظرت إليها بشهوة وهي تخلع حذاءها، ثم ندمت فورا لما تذكرت المكتوب في الإنجيل "إذا اعثرتك عينك اقلعها فخير لك أن تدخل الجنة أعور بدلا من دخول جهنم بعينين"، وفورا نفذت المكتوب وفقأت عيني، ثم تركت المهنة وعملت دباغا.. فهم البطريرك أن هذا الإنسان البسيط طبق تعاليم الله بحرفية وليس كرمز ففهم الرسالة وسر اختياره، وتأكد أن الله سينقل الجبل فعلا وليس رمزيا.. واتجه بالشعب لمواجهة الجبل والأمير والوزير اليهودي وأتباعهم.. وهناك سجد المسيحيون ثلاث مرات وهم يرددون كلمة "كيرياليسون" – معناها يارب ارحم -.. وبعد كل سجدة يرتفع الجبل ويتحرك للخلف، فيتقدمون ويسجدون فيتحرك، حتي ظهرت الشمس من تحت الجبل، مع زلزلة عظيمة تهز الأرض وترعب البشر وتسقط الحوامل.. فصاح الأمير كفي يا مولانا لأن خليقة الله هلكت.. فتوقفوا وأسموه جبل المقطم لأنه تقطم ثلاث مرات. وبعد ألف عام إلا ثلاثين أقيم دير المقطم الحالي، أما كنيسة المقطم التي أقيمت فيها صلوات ليلة 11/11 فقد تم بناؤها عام 1974 في حضن الجبل.. وهي من أكبر كنائس العالم. لهذا اجتمع فيها المصريون ليصرخوا للرب لإنقاذ مصروشعبها، ولم شملها بالمحبة، والدعاء لحكامها بالحكمة في قيادتها .. وليسجلوا في التاريخ غير المدون في كتب وزارة التعليم، ليلة تشبه المعجزات، ليلة حب للوطن .. صدح فيها صوت الترانيم هادرا يغسل القلوب المتعبة والعقول المجهدة ويبث رسائل الفرح والسلام علي مصر من فوق الجبل .. يارب تبارك الشوارع.. وتبارك الغيطان .. وتبارك المصانع.. ونشوف الزرع الأخضر في الصحرا وفي المزارع.. نأكل من خير بلدنا والرزق يبقي واسع.. وسوف يستجيب الرب.. آمين .