يعرف المصري منذ ملايين السنين بأنه ابن نكتة، فعلي الرغم من أنه قد يواجه ظروفا مادية أو معيشية صعبة إلا أنه يواجه همومه بالضحك والنكات، فالمواطن المصري الضاحك الباكي أبو ضحكة جنان، يخلق من الفكاهة والدعابة كلمة سر لمواجهة ضغوط الحياة التي تواجهه، ويبدو أنه يطبق مقولة قول الشاعر الراحل صلاح جاهين "أحسن ما فيها العشق والمعشقة وشويتين الضحك والتريقة".. وفي 2017 ورغم ضغوط الحياة والأحزان نتيجة ارتفاع الأسعار بسبب الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة عاش المواطن المصري راضياً وسعيداً.. وضاحكاً. خفة الدم والفهلوة والتغلب علي الصعاب من أهم ما يميز المواطن المصري، فهو لديه الموهبة دائماً لتفجير النكات والسخرية من أي شيء لا ينال إعجابه، فالضحك يعتبر العصا السحرية التي تخلصه من همومه، وهو أمر ليس بجديد علي المصريين، فقديما جعل القدماء المصريون إلها للنكتة وكان يتم تقديسه، ولوقتنا هذا يتخذ المصريون من الضحك والسخرية وسيلة للتعبير عن مواقفهم الحياتية. وخلال عام 2017 واجه المواطن المصري عدة تحديات جراء قرارات اقتصادية كانت ضرورية لإصلاح اقتصاد البلاد، ويعتبر الارتفاع الملحوظ في الأسعار من أبرز هموم المواطن المصري خلال العام بعد تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، فارتفعت أسعار معظم السلع والمنتجات، وحدث ارتفاع غير مسبوق في أسعار الكهرباء والمياه، ولأن قطاعات كثيرة من المصريين يتأثرون بالتغيرات الاقتصادية، فلا يوجد وسيلة لمقاومة الظروف الاقتصادية سوي النكتة والضحك. ارتفاع الأسعار خلال العام المنصرم كان من أكثر الأمور التي أثارت غضب المصريين وزادت همومهم، أخذ منها مادة سخية للضحك، وانتشار النكات والكوميكس علي مواقع التواصل الاجتماعي ساخرين سواء من زيادة أسعار كروت الشحن أوغلاء أسعار الملابس ، وغلاء اللحوم والمواصلات، وكان من أبرز النكات كوميكس ساخر يصف الموظف وهو يقف أمام اللحمة بمحل الجزارة لا حول له ولا قوة وهي مكتوب عليها أسعار خيالية، فالكيلو ب200 جنيه، الرطل ب 80 جنيها، والشمة ب 20 جنيها، والفرجة ب 10 جنيهات، وانطلقت النكات أيضاَ ساخرة من ارتفاع سعر الطماطم، فانتشرت نكتة علي موقع الفيس بوك لسيدة بتتخانق مع زوجها وبتقوله كيلو الطماطم بعشرة جنيه، فقالها اطبخي بالتفاح أرخص يا تفيدة»، كما أطلقت النكات علي وسائل المواصلات وارتفاع الأجرة، كما انتشرت النكات ساخرة علي الظروف الاجتماعية التي يعاني منها المواطن ، فسخر من البطالة والعنوسة ومشاكل الزواج. علي جانب مواز أكد المواطنون أن الضحك والسخرية هما سلاحهما في مواجهة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، يقول باسم محمد - 38 سنة- إن الضحكة والنكتة في مصر تعتبر جزءا من ثقافتنا، وطريقة للتنفيس عن النفس ومواجهة المشكلات والهموم والضغوط اليومية، والرضا بالحقيقة كما هي، فالنكتة تعتبر تعبيرا صريحا عن مواقف حياتية واجتماعية معينة، وهي تحمل جزءا من أمل في تغيير الوضع الحالي مهما كان للأفضل، مؤكدا أن ارتفاع الأسعار والأحداث الدامية نتيجة للإرهاب كانت علي رأس الهموم التي تواجهنا هذا العام. ويري يوسف عبد المقصود - 58 سنة- أن الضحك يعتبر من الوسائل الناجحة لمواجهة الصعاب والهموم، حتي أن المصريين كانوا يواجهون الاحتلال بالضحك والنكت، فكيف لا نتغلب علي الهموم به، خاصة أن المصريين يحبون التجمعات علي المقاهي والعزومات، للفضفضة ومشاركة هموم الحياة ولذلك فإن مجال النكتة والضحك عند المصريين مفتوح. تقول - كريمان يوسف - 32 سنة - إن النكتة طريقة للنقد ولكنها فكاهية، فالمصري لم يتواجد في أي مكان إلا ويطلب منه إلقاء النكت، وعلي الرغم من أن هناك بعض الشخصيات المشهورة التي تتخذ الضحك والنكت والتقليد مهنة وهم بارعون فيها، إلا أن جميع المصريين يمكنهم القاء النكت مع أنه من الممكن أن يكون مفتقدا للأداء، ولكن في النهاية يضحك عليها جميع الجالسين، كما أن المجتمع مر باختلاف ملحوظ في مختلف المجالات خلال ال6 سنوات الماضية وهو ما زاد الحمل علي كاهل المواطن ولكن يبقي الضحك هو الوسيلة الأبدية للمصريين للتخلص من الضغوط والهموم. ومن جانبه يعلق علي الشريف أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر بأن المواطن المصري منذ القدم وهم معروف بالضحك والسخرية من الأوضاع التي قد تزيد من همومه وتحمله فوق طاقاته كمقولة هم يبكي وهم يضحك فهي تعبير يستخدمه المصريون للتعبير عن أن بعض الهموم قد تدفع للضحك، كما أن بعضها يدفع للبكاء، لذلك فالمصريون دائما في رحلة للبحث عن الضحكة للتخلص من همومهم، فالمصري القديم كان يكتب النكت للترفيه عن نفسه ومواجهة صعاب الحياة، وفي حياة متقدمة، كانوا يطلقون النكات علي جنود الاحتلال الفرنسي، ووقتها أمر نابليون بإلقاء القبض علي كل من يطلق النكات علي جنوده وكان يتعجب وينزعج من سخرية المصريين وإطلاقهم النكات طوال الوقت. يتابع أيام الاحتلال الإنجليزي أيضا تعمد المصريون نسيان همومهم بالمضحكانات وهو اسم أطلقه المصري علي المقاهي، ليجتمعوا بها ويطلقون النكات علي المحتل وتعلو ضحكاتهم عالياً، ولذلك نجد أن الضحكة سلاح المصريين منذ القدم، والتخبط الاقتصادي والسياسي فالهموم اليومية والحياتية هي الوقود الذي يحرك روح الدعابة عند المواطن المصري. ومن جانبه يؤكد حسن الخولي أستاذ علم الاجتماع والانثروبولجيا أن المصريين هم مخترعو الضحكة، وإذا رجعنا إلي المصري القديم سنجد أنه يقدس الضحك، حتي أنهم كانوا يعتقدون أن العالم خلق من الضحكة، وكانت تنشر النكات علي جدران المقابر والمعابد بكثرة، وكانت تحتوي كل منها علي مواقف مبهجة ومضحكة تحمل روح الدعابة. يتابع علي مدار السنوات الأخيرة تطورت النكتة وشكل الضحكة ولأنه كما يقال لكل زمن نكتته، فمع التطور الذي حدث منذ ثورة يناير، اختلف شكل النكتة علي مدار السنوات الأخيرة لتتماشي مع ضغوط الحياة والمواقف الحديثة التي يقابلها المواطن المصري في طريقه وبدلا من أن كانت الضحكة تدون علي جدران المعابد، أصبح المواطن يدون نكاته علي مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تطوير النكتة إلي فن الكوميكس فأصبحت النكتة مصورة، يعبر بها المصريون عن آرائهم وينتقدون الأوضاع المحيطة بهم حتي يحصلوا علي الضحكة ويتجنبوا الوقوع في أزمات نفسية دون فائدة. يشير محمد هاني استشاري الصحة النفسية أنه إذا قمنا بتدقيق النظر سنجد أن النكات دائما تحمل معني ومدلولا إما اجتماعيا أو سياسيا أو ترفيهيا فهي نتيجة لمواقف معينة أو أنها تسخر منها، فهي تحمل في مجملها مضمونا يريح النفس، وتعبر عما بداخلها، وهي أيضاً سلاح فعال لمقاومة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع وذلك ما حدث خلال الفترة الماضية حيث اتخذ المواطن المصري من ارتفاع أسعار السلع الأساسية مادة خصبة للضحك والنكات في محاولة لتجنب مشاعر الإحباط. يوضح أن المواطن المصري يستعمل أفضل وأقصر الطرق لمواجهة الهموم، والحصول علي صحة نفسية جيدة، حيث إن الضحك من أهم الوسائل التي تحارب القلق والهموم والتوتر، فهو علاج فعال للجسم والعقل معا، فالضحك يفرز مادة تسمي الأندروفين، وهي مادة مفيدة للجسم ذات مفعول قوي تشعر الإنسان بالراحة وتزيد من حلقة التواصل الاجتماعي لأنها تجعل الضحك معديا، ويعتبر الضحك مضادا طبيعيا للاكتئاب لأنه ينشط من إفراز مادة السيروتونين في الدماغ والتي تتأثر من مضادات الاكتئاب، بالإضافة إلي أن الدراسات أثبتت أن الضحك يحمي القلب والأوعية الدموية ويقي من ارتفاع ضغط الدم، كما أنه يزيد من إنتاج كرات الدم البيضاء بالجسم ، فيعزز من مناعته، بالإضافة إلي أنه يقلل من الشعور بالآلم ويقلل من علامات الشيخوخة والتقدم بالعمر كما أثبتت الأبحاث أن الضحك يجعل الإنسان أصغر سناً مما يبدو عليه بحوالي 3 سنوات.