إذا كانت السيدة المصرية قد عرفت طريقها إلي الوظائف الحكومية منذ زمن طويل، فإنها أيضا اقتحمت مجال الصنايعية وأصبحت سبّاكة ونجّارة وسائقة تاكسي بل وجزارة أيضا تمسك بالساطور! لا تخلو الآن مهنة صعبة من امرأة تعمل فيها وتنجح من خلالها وتضرب المثل علي قوة احتمال وصبر المرأة المصرية علي العمل في أصعب الظروف. اخترنا أن نلقي الضوء علي 4 نماذج لسيدات فضليات رفضن الجلوس في المنزل ووضع اليد علي الخد والشكوي الدائمة، وخرجن إلي الشارع ليكسبن قوت يومهن من عرق جبينهن، ليثبتن أن الست المصرية قادرة دوما علي صناعة الأمل وتخطي الحواجز ومواجهة الحياة بكل عزيمة وإصرار وقوة. أسماء اشتغلت أسماء مدحت في نجارة الموبيليا لمساعدة زوجها، ومع مرور الوقت تعرفت علي "العدد" التي تستخدمها وأتقنت العمل، وبدأ زوجها يثق في شغلها لدرجة أنه اعتمد عليها في إنجاز الكثير من الأعمال المهمة. تقول أسماء: كانت الورشة في الماضي عبارة عن معرض موبيليا في منطقة عابدين، كنا نشتري الموبيليا القديمة ونقوم بإصلاحها وتجديدها لكي نتمكن من بيعها ونكسب فيها قرشين. بدأت المهنة بتصليح الموبيليا القديمة، وبعد أن عرف العملاء أننا نقوم بعمل جيد، بدأوا يحضرون موبيلياتهم المتهالكة لنصلحها لهم. أما ما تميزنا به فهو إعادة تدوير المنتج، وتحويل قطع الموبيليا إلي قطع أخري تتخذ هيئة وشكل مختلفين وبعد فترة تمكنا من الحصول علي معدات كبيرة جعلتنا قادرين علي تصنيع الأثاث ولم يعد الأمر يقتصر كليا علي التصليح. في البداية كان الوضع غريبا علي أصحاب المحلات المجاورين للورشة خاصة أننا نعمل في منطقة شعبية بالسيدة زينب وبجوارنا سوق ومدرسة، وكان هناك الكثيرون من المارة يسألونني دائما "إنت بتعملي إيه هنا"؟.. ذات مرة وقفت سيدة منتقبة تسألني عما أفعله، فقلت لها بشتغل نجارة فانبهرت وطلبت مني أن أعلمها ولكنها للأسف لم تستمر. عملي في المهنة كان مريحا للسيدات، فعندما تطلب سيدة إصلاح أي شيء في منزلها وهي تعيش بمفردها فكنت أذهب لها وحدي حتي لا تشعر بالحرج بسبب دخول رجل غريب لمنزلها. بالتأكيد مهنة النجارة صعبة بالنسبة لأي سيدة ولكنني منذ صغري تربيت مع إخوتي الشباب وكان أبي يضعني في المواقف الصعبة، ولهذا السبب تعوّدت علي مواجهة الحياة بقوة. كنت أشعر بالفرح عندما يحضر لنا قطعة متهالكة وأنظر إليها بعد أن نقوم بتجديدها وإصلاحها وكيف أن شكلها تغير لدرجة أن صاحبها يمر أمامها دون أن يعلم أنها قطعته. حصلت أسماء علي دبلوم صنايع ولديها الآن 30 سنة، تعلمت النجارة منذ 4 سنوات وكانت أحيانا تظل في الورشة ليلا ونهارا حتي تنتهي من عملها، مما جعل أسرتها تعترض في البداية بحجة أنها امرأة ولا يجوز أن تهين نفسها بهذا العمل ولكنهم عندما أيقنوا عشقها لهذه المهنة لم يعترضوا بعد ذلك. تقول: كنت أسمع ألفاظا غير لطيفة من بعض المارة ولكن في المقابل هناك كثيرون يلقون إليها بعبارات التشجيع. هويدا يطلق علي الست هويدا إمبراطورة الجزارين، لم تدخل المهنة بسهولة، فقد تعرضت لحرب طاحنة من الجزارين الرجال المنافسين وصلت لاختراق هاتفها ونشر صور خاصة لها. تعمل في هذه المهنة الصعبة منذ 45 عاما، وتقول: الجميع يدركون تماما أنني بمليون راجل وسمعتي مثل الذهب، ولولا نجاحي لما حاربوني في شغلي. لديها أربعة أبناء و12 حفيدا، ورثت المهنة عن والدها، وزوجها الذي كان يعمل معها في نفس المجال، ويعمل معها حاليا ابناها وأخويها، وتقول: "أبنائي يتشرفون بي في كل مكان، وكلهم "متسيطين علي حسي". أم وليد وتقول أم وليد التي تعمل سائقة علي تاكسي تمتلكه: مفيش شغلانة تصعب علي الستات، وأي شغل هو في النهاية أكل عيش وأنا أعشق هذه المهنة وهي أولا وأخيرا وراثة، فعائلتي كلها سواقين، وأعمل فيها منذ 38 سنة. من المواقف المحرجة التي تعرضت لها في الماضي تحكي أم وليد عن رجال يرفضون الركوب معها عندما يكتشفون أنها سيدة، وتقول: حاليا أصبح الوضع عاديا جدا فما بيني وبين الزبون هو الأجرة والعداد فلا يوجد ما نختلف عليه. وتضيف: عندما يكون السائق امرأة فهذا يمنح الراكب خاصة إذا كانت سيدة أو فتاة نوعا من الراحة والطمأنينة والأمان. وحول متاعب المهنة تقول أم وليد إنها تختلف من سيدة لأخري فهناك القوية والضعيفة ومنهن من تستطيع أن تتعامل مع المواطنين بالشارع، ومنهن من لا تستطيع إكمال المشوار وعلي السيدة التي تعمل بهذه المهنة أن تدرك تماما أنها مثلها مثل أي رجل ولا يجب أن تكون منكسرة فالمرأة ليست ضعيفة، وإذا حكم الأمر وجاء شخص ليتطاول عليها ستعامله بالمثل فهو ليس أفضل منها في شيء فهو رجل في شغله وأنا رجل في شغلي وأهم شيء أن أحصل علي حقي. تزوجت أم وليد أيضا من سائق ولكنه توفي منذ عشرين عاما، واتفقت معه علي عدم إجبارها علي التقاعد من العمل مطلقا "أنا أحب أن أضع يدي بحقيبتي أصرف من حر مالي أشتري ما يحلو لي دون الرجوع لأحد أو انتظار مصروف من زوجي." وتواصل: كان وليد ابني يعمل صحفيا وكان فخورا بعملي وطلب مني أن أجلس في المنزل لأرتاح بعد سنوات طويلة من التعب، ولبيت مطلبه لأجلس في المنزل عاما كاملا، ولكن بعد وفاته عدت للعمل مرة أخري. لا تفضل أم وليد أن تعمل إحدي بناتها في نفس المهنة قائلة: "الدنيا مابقتش زي زمان ومفيش أمان، فيه خطف ونصب و تثبيت علي الطريق، والشغلانة دي عاوزة ست جريئة وقوية تقدر تحافظ علي نفسها وتاخد حقها" أم باسم بعد أن كانت صاحبة أملاك ولديها أموال كثيرة، استيقظت ذات يوم لتجد نفسها وأبناءها في مواجهة الحياة بدون أي شيء، فقد هجرها زوجها وأخذ معه كل ما تملك ولم تعد تعلم عنه شيئا . تقول أم باسم: بعد مرور عامين من المعاناة اكتشفت أنني بحاجه لتعلُّم مهنه تضمن لي دخلا يوميا، ولاحظت أن أي عامل يأتي للمنزل سواء كهربائي أو سباك أو نجار يحصل علي مبلغ، فطلبت من الله أن يمنّ عليّ بصنعة أتعلمها. وتواصل: ذهبت لمركز لأشترك في دورة تدريبية بمشروع أغاخان بالدرب الأحمر خاصة بتفصيل الملابس فلم أجدها متاحة إلا بعد شهرين وبعد مرورهما فوجئت بأنهم يعدون دورة تدريبية للسباكة وكانت الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت فتوسلت إليهم ليوافقوا علي أن أشترك بها. قوبل طلبي برفض شديد بحجة أنني امرأه، أخبرتهم أنني عملت بورشة طلاء معادن ومكوجي وطباخة فكل العوائق لا تمثل شيئا بالنسبة لي، وبعد إلحاحي المستمر قرر عرض الطلب علي المسئولين وتمت الموافقة، وكنت الأولي علي كل زملائي بالفصل الدراسي الأول والثاني والثالث وبالفعل بدأت العمل في السوق، علي الرغم من أن زملائي لم يتقبلوني علي الإطلاق في البداية أما المدرسون فبعضهم تقبلني والآخر رفضني، وشيئا فشيئا بدأت المعاملة تتغير معي بعد أن أصبحت الأولي علي كل دفعتي من الرجال. اشترت أم باسم عدة سباكة ووضعتها داخل حقيبتها الخاصة وبدأت في التطبيق العملي بين جيرانها وأصدقائها، فدخلت كل بيت من البيوت المجاورة تعرض المساعدة . وتشرح: كنت أقوم بإحضار كل احتياجاتي من شخص واحد هو الذي لاحظني وسألني هل أستخدم كل هذا لمنزلي فقط؟.. وفوجئ عندما أخبرته بأنني سباكة، وفرح لدرجة أنه عرض عليّ العمل معه بعد إنهاء دوراتي التدريبية، وبسبب غيرة الشباب الذين يعملون معه، تفننوا في صناعة المشاكل بيننا، وهو ما اضطرني للجلوس علي القهوة طوال الوقت أنتظر أن يهاتفني بأي مهمة للعمل إلي أن عادت الأمور إلي ما كانت عليه وعاد كل شيء لوضعه ومازلت أعمل معه حتي الآن. وأهم ما شهرني بين الناس هو "حنية" أسعاري، وأنا سعيدة بهذا العمل لأقصي درجة.